السياسية:

أرقام تتصاعد يومياً ومآسٍ ومعاناة حاضرة ومؤثرة، تكشف هول الكارثة الإنسانية وحجم الجريمة التي ارتكبها وما يزال يرتكبها تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي بحق الشعب اليمني، طالت كافة مناحي الحياة دون استثناء.

ثماني سنوات، والعدوان والحصار قائمين وبأشكال متعددة وأساليب وإن اختلفت في تفاصيلها لكنها متحدة في مخرجاتها ونتائجها المتمثلة في الاستهداف المستمر للإنسان اليمني والبنية التحتية التي تقدّم خدمات أساسية للبقاء على قيد الحياة.

جرائم ومجازر مروعة، ارتكبها تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي بحق الشعب اليمني منذ 26 مارس 2015م، حتى سبتمبر من العام الجاري، ما يزال عدّاد الضحايا في تصاعد، ما يشكل جرائم مكتملة الأركان وفقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني والقوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحالة الحرب التي تحظر قتل المدنيين وتعمد استهداف الأعيان المدنية وتجرّم الحصار واستخدام التجويع كوسيلة حرب بقصد إهلاك المدنيين.

وزارة حقوق الإنسان، أطلقت مؤخراً التقرير الثامن الخاص بجرائم وانتهاكات تحالف العدوان على اليمن، تضمن أرقاماً وإحصائيات مهولة عمّا ارتكبه من مجازر بحق الشعب اليمني هي الأبشع في تاريخ البشرية، وتسبب في أكبر أزمة إنسانية بحسب تقارير أممية ودولية.

تزامن إطلاق التقرير مع عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطيني ضد كيان العدو الصهيوني، الذي أصابته في مقتل وتسببت في إرباكه، وجعلته يرتكب أبشع الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والأراضي المحتلة، دون مراعاة للمدنيين والأعيان المدنية والقوانين الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.

مظلومية الشعبين اليمني – الفلسطيني، توّحدت في الجرائم والانتهاكات ومن يقف ورائها لكنها اختلفت في المسميات والعناوين والمبررات والمصطلحات والذرائع، مع فارق الزمن بمرور أكثر من سبعة عقود على القضية الفلسطينية التي ستظل القضية المركزية والأولى للأمة والمحورية للشعب اليمني، رغم ما يتعرض له من طغيان وعدوان وحصار.

 

مضمون التقرير:

تضمن تقرير وزارة حقوق الإنسان أبرز جرائم تحالف العدوان في اليمن، خلال السنوات التسع الماضية من انتهاك للسيادة الوطنية والقصف الصاروخي واحتلال أجزاء من الأراضي اليمنية وفرض الحصار على ملايين المدنيين ودعم وتشجيع الجماعات الإرهابية، في جريمة مكتملة الأركان وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

عرض التقرير الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها تحالف العدوان في قتل المدنيين بشكل ممنهج واستهداف التجمعات السكانية والممتلكات المدنية العامة والخاصة بصورة معتمدة والأعيان والمنشآت المدنية، وإعلان التحالف مدناً مثل محافظة صعدة أهدافاً عسكرية وإسقاط الأمان عن ساكنيها، وشن عمليات عسكرية واسعة النطاق لا تراعي مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين ولا بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية.

وشمل التقرير، الجرائم التي ارتكبها التحالف باستخدام أسلحة محرمة من القنابل العنقودية والصواريخ وغيرها وشن هجمات عشوائية على مخازن ومستودعات أغذية وأدوية ومواد واحتياجات أساسية لمقومات الحياة وممارسة تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب.

 

ضحايا العدوان:

أفرد التقرير مساحة للإحصائيات الناتجة عن العدوان، الذي تسبب في مقتل وإصابة 49 ألفاً و22 مدنياً، بينهم ثمانية آلاف و757 طفلاً وخمسة آلاف و407 نساء و34 ألفاً و858 رجلاً، في حين بلغ عدد ضحايا العدوان والحصار في اليمن بصورة غير مباشرة منذ 26 مارس 2015م، ما يقارب 700 ألف شخص.

 

استهداف الغذاء:

هجمات العدوان تسببت في تدمير عشرة آلاف و66 مخزن غذاء وإتلاف وإحراق ما بداخلها من مواد غذائية، وإعطاب ألف و42 قاطرة وناقلة أغذية، وتدمير أكثر من 691 سوقاً مركزياً تجميعياً للمواد الغذائية، وتدمير وإحراق أكثر من 11 ألفاً و733 محلاً تجارياً، وتدمير وتضرر أكثر من 395 مصنعاً غذائياً ودوائياً وإتلاف وتدمير 11 من صوامع الغلال والمطاحن.

 

تداعيات العدوان:

حسب تقرير وزارة حقوق الإنسان، يواجه نصف الأطفال دون سن الخامسة باليمن وعددهم مليونين و300 ألف طفل وطفلة سوء التغذية الحاد خلال العام الجاري، وارتفاع معدلات سوء التغذية خلال سنوات العدوان الماضية.

ولفت التقرير إلى تداعيات وآثار العدوان على الأطفال والنساء وتسببه في معاناة مليون و200 ألف امرأة من سوء التغذية نصفهن حوامل، وفقدان ملايين الأسر مصادر عيشها، وكذا فقدان آلاف العمال أعمالهم ووظائفهم، ويواجه أكثر من نصف سكان اليمن نقصاً حاداً في الغذاء ووصل الحال بآلاف اليمنيين إلى التصنيف المرحلي الخامس “مرحلة المجاعة”.

 

استهداف الثروة الزراعية والحيوانية:

خصص التقرير الثامن لوزارة حقوق الإنسان، نافذة لما سببه العدوان من تدمير بالثروة الزراعية والحيوانية، مبيناً أن العدوان أعطب وأحرق 13 ألفاً و995 موقعاً وحقلاً وثلاثة آلاف معدة زراعية واستهداف 500 بيت ومحمية زراعية منتجة للمحاصيل، وتدمير خمس مزارع إنتاجية حكومية، وقصف 40 مركزاً ومجمعاً إرشادياً زراعياً وسبعة محاجر نباتية وبيطرية إقليمية و90 سوقاً ومركزاً ومخزن تبريد زراعي مركزي وريفي، و53 جمعية زراعية وثمانية آلاف و124 حقلاً زراعياً ومزرعة.

وتسبب العدوان في نفوق 442 ألفاً و630 رأساً من ” أبقار، أغنام، ماعز، جمال”، و90 خيلا يمنيا أصيلا، وتدمير أربعة آلاف و224 مزرعة دواجن وفقاسة بيض ومعامل أعلاف، و360 حظيرة مواشٍ وأبقار و58 منحل عسل، و42 ألفاً و650 خلية نحل، و24 مخزن تبريد وألف و125 مزرعة إنتاج محاصيل و40 سوقاً زراعياً ريفياً و114 حراثة وحصادة.

وعرض التقرير الآثار الناجمة عن استهداف الثروة الزراعية والحيوانية، والمتمثلة في تأثر آلاف من المساحات الشاسعة للأراضي الزراعية وأصبحت غير صالحة للزراعة والإنتاج، وانهيار إنتاج الثروة الحيوانية وتوقف معظم الساكنين بالمناطق الريفية عن تربية المواشي والأبقار بسبب نزوحهم واستهداف العدوان المتكرر للحظائر المنتجة لها.

وبين التقرير أن العدوان تسبب في نقص حاد بأعلاف ومستلزمات الإنتاج الزراعي من بذور وأسمدة ومبيدات وغيرها وتراجع في الإنتاج المحلي من الحبوب بنسبة 60 بالمائة وتعذر تسويق المنتجات الزراعية والحيوانية داخلياً وخارجياً، وارتفاع الفاقد في الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة.

ووفق التقرير شملت آثار وتداعيات العدوان على الثروة الزراعية والحيوانية، تدنياً في حجم الإنتاج الزراعي والحيواني الذي يساهم بنسبة 35 بالمائة من إجمالي الدخل القومي لليمن، وتراجع إنتاج اليمن من العسل الأصيل الذي بلغ خلال سنوات ما قبل العدوان أكثر من 25 ألف طن في العام وكذا تراجع إنتاج مزارع النحالين وتكبدهم خسائر فادحة، بالإضافة إلى تراجع إنتاجية البن اليمني إلى أدنى مستويات.

 

تدمير مياه الشرب والري:

تناول التقرير ما دمّره تحالف العدوان خلال السنوات الماضية، من منشآت مائية، وصل عددها إلى ألف و985 منشأة ما بين “سد، حاجز، خزان مائي، قنوات ري”، وتدمير ألف و338 مضخة مياه آبار وغطاسات وشبكات ري حديثة، و13 وحدة طاقة شمسية وحفارات آبار.

واهتم التقرير بالآثار الناجمة عن استهداف العدوان للمنشآت المائية وجمّلها في صعوبة حصول ملايين المدنيين على مياه الشرب النظيفة، وتزايد التلوث البكتيري في مياه الشرب لأغلب الآبار وتدمير البنية الأساسية للمياه في بعض المحافظات وتأثر العديد من خزانات المياه والآبار والمضخات والشبكات، وانخفاض متوسط نصيب الفرد من مياه الشرب.

 

استهداف الثروة السمكية:

تعرضت منشآت الثروة السمكية لاستهداف طيران العدوان الذي تسبب في قتل وجرح أكثر من ثلاثة آلاف و76 صياداً تم استهدافهم بشكل مباشر وقتل وجرح 186 طفلاً وامرأة من أسر الصيادين حسب التقرير.

وأفاد التقرير بأن العدوان دمّر وأحرق أربعة آلاف و625 قارب صيد، واستهدف 100 مركز إنزال سمكي وأسواق تجميع الأسماك في سواحل البحر الأحمر، ومنع الصيادين من ممارسة الصيد في السواحل اليمنية واستهدفهم بشكل مباشر، فضلاً عن احتلال بعض الجزر التي يمارس فيها الصيادون مهنة صيد الأسماك.

ولفت إلى الإجراءات التعسفية للعدوان وتسببه في حرمان 40 ألف صياد من ممارسة مهنة الصيد في سواحل البحرين الأحمر والعربي، واعتقال واحتجاز أكثر من ألف صياد من قبل دول العدوان وإيداعهم في السجون التابعة لها في إثيوبيا وجيبوتي وممارسة أشكال التعذيب بحقهم، واعتداء قوات ارتيرية على صيادين يمنيين في المياه الإقليمية اليمنية.

كما أن الإجراءات التعسفية التي مارستها دول العدوان، تمثلت في رمي سفن أجنبية بنظر وإشراف بوارج تحالف العدوان ملوثات كيميائية في الممر الملاحي الدولي بالبحر الأحمر، وتدمير شركات إماراتية للبيئة البحرية في الجزر اليمنية بأرخبيل سقطرى وحنيش وزقر من خلال تجريف واقتلاع الشُعب المرجانية ونقلها إلى دويلة الإمارات.

قصف العدوان لمنشآت الثروة السمكية، أدى إلى توقف نشاط أكثر من أربعة آلاف و500 قارب عن عملية الصيد، وتلوث مياه البحر بالزيوت والمشتقات النفطية وتلوث الهواء نتيجة استهداف العدوان للقوارب والموانئ، كما أدى إلى القضاء على الكائنات البحرية وبيوضها والتأثير على صحة مستهلكي الأحياء البحرية، والإضرار بمصدر الدخل القومي والأمن الغذائي للشعب اليمني ورفده بالعملة الصعبة.

تداعيات العدوان ألقت بضلالها على الصيادين وأسرهم في فقدان مصادر دخلهم “القوارب”، ونفوق أعداد كبيرة من الأسماك وخسارة للصيادين الذين أجبروا على تفريغ السمك وإلقائه في البحر بأكثر من 60 مليون ريال يمني.

 

تدمير منشآت صحية وتعليمية ومنشآت صناعية:

بخصوص القطاع الصحي، أوضح التقرير أن العدوان دمّر 572 مستشفى ومرفقاً ومنشأة صحية واستهدف 92 سيارة إسعاف مع طواقمها ومنع دخول المستلزمات الطبية الخاصة بالأمراض المزمنة، وتوقف أكثر من 60 بالمائة من القطاع الصحي وأثر على أكثر من 48 ألف موظف بالقطاع وتفشي الأمراض والأوبئة وانتشار العدوى بسبب نقص الخدمات.

وذكر أن استهداف تحالف العدوان للقطاع التعليمي، أدى إلى تدمير وتضرر نحو 28 ألف منشأة تعليمية وتربوية وأكثر من 45 جامعة وكلية حكومية وأهلية و74 معهداً فنياً وتقنياً.

وبشأن المنشآت الصناعية، بين التقرير أن العدوان استهدف 400 مصنع عام وخاص، تضررت كلياً وجزئياً، وأخرجت بعضها عن الخدمة، كما دمّر تحالف العدوان ما يقارب من خمسة آلاف و600 منشأة وشبكة كهرباء وقتل وجرح أكثر من 380 عاملاً بقطاع الكهرباء.

كما تسبب تحالف العدوان في التدمير الكلي والجزئي لألفين و176 موقعاً ومنشأة وشبكة اتصالات واستهداف 511 محطة بنزين وغاز وإحراق 264 ناقلة وقود.

 

استهداف البنية التحتية:

استهدف طيران العدوان للبنية التحتية من الموانئ والمطارات سواء بالقصف أو التدمير أو الإغلاق، وكذا استهدف المنشآت الإعلامية والقضائية والشبابية والرياضية وشبكات الطرق والجسور ومنشآت مدنية أخرى والأعيان المدنية والثقافية والمواقع والمعالم الأثرية

تدمير العدوان للبنية التحتية، أدى إلى موجات نزوح داخلي، لملايين اليمنيين الذين يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة في المخيمات أو بيوت مهدمة، إلى جانب استهداف قطاعات الاقتصاد اليمني الذي أدى إلى تداعيات كبرى بتدهور قيمة العملة المحلية، والقدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم مشكلة الفقر والجوع وكذا استهداف قطاعي النفط والغاز الذي يُعتبر مصدراً للإيرادات الحكومية ومنشآت إنتاج النفط والغاز والتصدير.

 

الأسلحة المحرمة دولياً:

عرض تقرير وزارة حقوق الإنسان المحافظات والمديريات التي استهدفها تحالف العدوان بالذخائر العنقودية خلال الثماني السنوات الماضية، وتصدّرت محافظة صعدة قائمة المحافظات التي تعرضت 15 مديرية فيها لإجمالي ألف و108 غارات، تلتها محافظة حجة بإجمالي 422 غارة ثم محافظة صنعاء بـ 366 غارة باستخدام قنابل عنقودية.

كما استهدف العدوان بالقنابل العنقودية محافظة الحديدة بـ 232 غارة ومأرب بـ 223 غارة وتعز بـ 222 غارة والجوف بـ 76 غارة وذمار بـ 33 غارة وأمانة العاصمة بـ 15 غارة، وتوزعت بقية غارات العدوان على محافظات عمران والبيضاء وإب وعدن وأبين ولحج وريمة والمحويت والضالع وشبوة.

وعلق وزير حقوق الإنسان في حكومة تصريف الأعمال علي الديلمي، على الجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، بالقول “لا يحق لأي دولة التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى، فما بالك بالتدخل العسكري والغزو والاحتلال المباشر المخالف لنصوص قرارات مجلس الأمن”.

واعتبر جرائم وانتهاكات العدوان، منافية للمواثيق والقوانين الدولية الإنسانية، محملاً أمريكا وتحالف العدوان مسؤولية الكارثة الإنسانية من خلال استمرار العدوان والحرب والحصار، ورفض أمريكا وقف دعم السعودية في عدوانها على اليمن.

ووصف الوزير الديلمي الموقف الأممي بغير المنصف ويغالط في تصنيف ما يجري من عدوان على اليمن رغم حقائق الواقع التي لا مجال فيها للتشكيك والتردد فيما يجري إلى جانب كونه عدواناً سافراً ينتهك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة عبر أدوات ووكلاء عملاء جندتهم دول العدوان لحماية مصالحها وأطماعها الاستعمارية.

وأضاف “مشكلتنا مع الأمم المتحدة يتعلق بفشلها الذريع في إدارة الملفات المدنية ورضوخها للتهديدات الدولية وأوضح مثال على ذلك إخراج النظام السعودي مراراً من قائمة العار وإقرار أمينها العام السابق بان كي مون بتعرضه للضغوط لاتخاذ مثل تلك القرارات المشينة والمسيئة لحيادية الأمم المتحدة وإنسانيتها”.

ورغم هذه المأساة والمعاناة الإنسانية التي تعرض لها اليمن على مدى ثماني سنوات، استطاع الشعب اليمني وقطاعات الدولة الصمود وتجاوز تحديات العدوان والحصار، والمضي في تحقيق النجاحات على مختلف القطاعات والمسارات والأصعدة.

سبأ