السياسية: بقلم: معتصم دلول

في منتدى الاستثمار السعودي الهندي الذي عقد عقب اجتماع مجموعة العشرين في الهند، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن إنشاء الممر الاقتصادي الذي أعلنت عنه نيودلهي، والذي سيربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا معاً، سيكون بمثابة تحقيق المصالح المشتركة “لبلداننا من خلال تعزيز الارتباط الاقتصادي”.

ومع العلم أن هذا الممر يشمل كيان إسرائيل، أكد بن سلمان أنه سيساهم في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك السكك الحديدية واتصالات الموانئ وتحسين تدفق السلع والخدمات وتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية.

وبغض النظر عن كل الجدل المتعلق بالشروط السعودية لتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع كيان إسرائيل، فإن هذا يثبت أن المملكة تمضي قدما بسرعة كبيرة في الأمر.

تصريحات بن سلمان بشأن الممر الاقتصادي أزالت كل الغموض عن العلاقة الحقيقية بين السعودية وكيان إسرائيل وتحدث بوضوح عن المصالح المشتركة والتبادل التجاري بين الدول المشاركة في المشروع.

وأوضح المحلل السياسي الإماراتي سالم الكتبي، أن هذا “المشروع الطموح يشكل أرضية مشتركة للتعاون والتكامل”، لافتا إلى أن “الاقتصاد بمثابة بوابة للسياسة”، وقال “يمكنه رسم خريطة جيوسياسية جديدة بشكل فعال”.

خريطة التحالفات، حيث أصبحت مصالح هذه الأطراف أكثر تشابكاً من أي وقت مضى، وهو ما ينعكس بدوره على سياساتها وتوجهاتها الإقليمية والدولية.

وأشار الكتبي، الذي نشر رأيه على موقع صحيفة صهيونية يومية، إلى أن السعودية منخرطة بالفعل في ترتيبات جيوسياسية تشمل كيان إسرائيل كجزء أصيل من المنطقة، دون أن تعطي أي اهتمام للقضية الفلسطينية.

قال المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، الذي يزور السعودية بشكل متكرر الآن، إن المملكة تمر بـ ”تحول لا يصدق”، ونصح الرئيس الأميركي جو بايدن بالتركيز على المحادثات المباشرة وتجنب الضغط على كيان إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية.

“وراء ما يريده السعوديون”

وذكر أن بن سلمان لا يريد ما يريده الفلسطينيون، لافتا إلى أن السعوديين يحتاجون فقط إلى تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين، وهذا ما حدث بالفعل.

وقال غرينبلات، وهو يهودي، إنه حضر احتفالاً برأس السنة اليهودية في السفارة الأمريكية في الرياض.

وقال غرينبلات إنه يرتدي القلنسوة اليهودية في المملكة دون أن يشعر بأي رد فعل سلبي من السعوديين.

هذا إلى جانب ما قاله عن المطالب السعودية؛ تثبت أيضاً أن الدولة الخليجية قد تجاوزت بالفعل مرحلة التوقيع على اتفاق التطبيع.

وفي سبتمبر، قام وفد صهيوني مكون من تسعة موظفين، بقيادة وزير السياحة، حاييم كاتس، بزيارة المملكة العربية السعودية كمراقبين في اجتماع لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو.

وقال كاتس إن “التعاون في مجال السياحة لديه القدرة على جمع القلوب وتحقيق التقدم الاقتصادي”.

وألمح إلى أن تطبيع العلاقات قد تم بالفعل، لكنه قال إن القلوب لا تزال بحاجة إلى التقارب.

ويعني ذلك أن تسويق التطبيع للسعوديين لا يزال العائق الوحيد، متعهدا بأنه “سيعمل على تعزيز التعاون والسياحة والعلاقات الخارجية لكيان إسرائيل”.

وبعد أيام من زيارة كاتس، وصل وزير الاتصالات الصهيوني، شلومو كارهي، على رأس وفد مكون من 14 شخص من كبار المسؤولين الصهاينة، إلى المملكة العربية السعودية لحضور المؤتمر الاستثنائي الرابع للاتحاد البريدي العالمي.

وأخذ كارهي، وهو يهودي متشدد، مسألة الزيارة إلى أبعاد تتجاوز العلاقات السياسية التي اعتقد اليهود أن الوصول إليها يحتاج إلى عقود بعد توقيع الاتفاق.

ونشر كارهي صورا ومقطع فيديو له وهو يشارك في صلاة يهودية صباحية في السعودية، كما ألمح إلى أن صلاته من الرياض باتجاه القدس تبشر بعودة اليهود إلى السعودية.

وقال في بيان، في إشارة إلى دانيال، الشخصية التوراتية المنفية إلى بابل: “تماما كما فُتحت نوافذ بيت دانيال في مواجهة القدس، كذلك تمكنا في الرياض من الصلاة والنوافذ مفتوحة في مواجهة القدس”.

وشددت في مقال سابق على أن السعودية ستمضي في تطبيع العلاقات مع الاحتلال الصهيوني، بغض النظر عن مطالب الفلسطينيين وبغض النظر عن حقوقهم والانتهاكات الصهيونية المستمرة ضد الفلسطينيين.

وأثناء زيارة الوزراء الصهاينة للمملكة العربية السعودية، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى، وكان المستوطنون اليهود يدنسون ويعتدون على المصلين المسلمين داخله.

وأكثر من هذا، ففي حين أن البلد الذي يضم الحرمين الشريفين لدى المسلمين، مغلق أمام ملايين المسلمين، إلا أنه مفتوح أمام اليهود لممارسة الأعمال التجارية وأداء طقوسهم الأسطورية وبثها مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وبينما يقوم السعوديون بالفعل بتسهيل دخول اليهود إلى المملكة، فإنهم يقومون بإنهاء العقود مع فلسطين من العمال وطردهم.

اتصل بي أحد أصدقائي الذين درسوا معي في الجامعة الشهر الماضي وأخبرني أنه تم إنهاء عقد عمله وأنه أصبح غير قانوني للعمل في البلد، أخبرني أنه ليس لديه مكان يذهب إليه مع عائلته.

توفي عمي منذ ثلاث سنوات، إلا أنه قام بالتدريس في المدارس السعودية لأكثر من 30 عاماً؛ ولم تتمكن عائلته من العثور على قبر له بعد أسبوع من وفاته.

الحقيقة على الأرض فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بين السعودية وكيان إسرائيل لا علاقة لها بتوقيع صفقة، إن توقيع الاتفاق لا يقل أهمية عما يجري فعلياً على الأرض.

علاقات جيدة وتبادل زيارات رسمية وطائرات إسرائيلية تحلق في أجواء السعودية والتنازل عن المطالب الفلسطينية وتجاهل تدنيس اليهود الصهاينة للمقدسات والانتهاكات ضد الفلسطينيين وحقوقهم تمر دون أن تلاحظها الرياض.

هذا أكثر من مجرد تطبيع للعلاقات، ولكنه مشاركة مع الصهاينة في احتلال فلسطين.

* 22 ربيع أول 1445 الموافق 7 أكتوبر 2023 (موقع ” ميدل إيست مينتور- Middle East Monitor” البريطاني -ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع.