هاشم أحمد شرف الدين

تعتمد دول العدوان على مجموعة واسعة من المعلومات والمصادر لفهم القيادة اليمنية المقاومة وتقييم تصرفاتها. يتضمن ذلك تحليل الأحداث الجارية والتغيرات في الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي، وعمليات الاستخبارات والتجسس، وتقييم النظام العسكري والقدرات العسكرية والاستعداد القتالي، وتحليل السياسات والخطط والكلمات الرسمية، وغيرها.
وعادةً ما ينال خطاب قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي ـ يحفظه الله تعالى ـ بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف اهتماماً خاصاً لدى المحللين في الداخل والخارج، سواءً كانوا موالين أم أعداء. وبغض النظر عن كون كلٍ منهم ينطلق في تحليله من منظوره السياسي إلا أنهم يُجمعون على براعة القائد ـ يحفظه الله تعالى ـ في مخاطبة الشعب، ومقدرته الفائقة في التعبير الواضح، وتمكّنه من إيصال الرسائل التي يريد أن يوصلها إليهم.

وبرغم اتفاقهم على وضوح خطاب القائد ـ يحفظه الله تعالى ـ إلا أن العدو لا يكتفي بتحليل محتوى الخطاب من ناحية المضمون فقط بل يتعدّى ذلك إلى تحليل الشكل أيضاً، وهو ما يُعرف بـ “لغة الجسد”، باعتبار أن تحليل لغة جسد القادة قد يكون جزءاً من الصورة الشاملة يمكن أن يوفر رؤية إضافية. ويُقصد بتحليل الشكل رصدُ علامات التوتر أو الثقة أو الغضب أو الاستعراض في لغة جسد القادة خلال إلقاء الكلمات الموجهة للشعب.

لذا فإن العدو يعتبر أن لتحليل لغة جسد قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي ـ يحفظه الله تعالى ـ أهمية كبيرة في فهم الرسائل والإشارات غير المباشرة التي يرسلها. فيعمل على رصد تعبيرات الوجه وحركات اليدين وتوجه الجسم ولغة العينين والملامح الجسدية الأخرى، معتبراً أن هذه العناصر تساعده في كشف العواطف والمشاعر تجاه القضايا المختلفة أو الأحداث الجارية، ومحاولاً أن يرى أي تناقض في كلام القائد مع تعبيرات وجهه أو حركات جسده، ليكتشف أن هذا مؤشر على أن هناك مزيدا من المعلومات أو المشاعر غير المعبّر عنها.

كما يعتمد العدو على تحليل لغة الجسد لتقييم مصداقية القائد وصدق تعبيراته. من خلال رصد حركات الجسم العصبية التي قد تكشف عن وجود عدم صدق أو تردد في البيانات المقدمة.

كما يعتمد العدو على تحليل لغة الجسد لقياس القوة والثقة التي يشعر بها القائد. فالخطى الواثقة والتوجه الثابت والتحركات الهادئة، مؤشرات على قوة القائد وثقته بنفسه وبشعبه، وشعوره بالاستقرار والأمان.

وبناءً على تحليل ما تم رصده من لغة الجسد وتحليل العوامل الأخرى، يعمل العدو على رسم صورة متكاملة عن الموقف، يبني عليها تعديلاته في الاستراتيجيات أو يتخذ قرارات تكتيكية.

فماذا عنّا نحن أحرار شعبنا العزيز، هل ترانا نحلّل لغة جسد قائدنا الشجاع الحكيم؟ فلنخض هذه التجربة، ودعوني أولاً أطلب منكم مشاهدة قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي ـ يحفظه الله تعالى ـ خلال الثواني الإحدى عشرة الصامتة قُـبيل إلقائه خطابه بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف 1445هـ، فهي إحدى عشرة ثانية صامتة على الهواء مباشرة، لكنها كانت مدةً كافية لتنقل إلينا رسالة وافية عمّا يريد قائد الثورة أن يحدّثنا عنه.

قبل أن نبدأ التحليل دعونا نشير إلى أن قائد الثورة يصر في مناسبة المولد النبوي الشريف على أن يقدّم خطابه على الهواء مباشرة رغم المخاطر الأمنية، وهذا يعكس رغبته في التواصل والتآزر مع الشعب في هذه المناسبة المباركة التي سيعلن فيها ـ هذه المرة ـ المرحلة الأولى من عملية التغيير الجذري الصعبة.

والآن انظروا إلى القائد وهو يخطو بخطوات واثقة نحو منصة تقديم الخطاب. تلك الخطوات التي تعكس القيادة الثابتة والقوية والثقة، والعزم على مواصلة التقدم والمٌضي قُدماً في سبيل إرساء الاستقرار. إنها رسالة سَيرٍ وتحرك والتزام بتوفير الدعم والحماية اللازمة.

وانظروا إلى عينيّ القائد ـ وهو يخطو نحو منصة تقديم الخطاب ـ واستقبلوا رسائلهما التي تعكس الكثير من العواطف والمشاعر، فهي تعبير صامت لكن ينطق بألف كلمة.

كانتا عينين حازمتين عكستا القوة والعزيمة ونقلتا رسالة الثبات والقوة للشعب والعالم.

وعكستا أيضاً الوعي والتفهم تجاه معاناة الشعب، والتركيز والانتباه للمشاكل والضغوط التي يواجهها أبناء الشعب، ونقلتا رسالة أن القائد يفهم تماماً الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب.

ثم تحولتا إلى عينيّ إرادة وعزم وثبات، تحدّقان إلى المسار بتركيز، وترمقان الغايات في المدى بوضوح، تطلان على أفق المستقبل بنظرة تتخطى العقبات وتحطم الحواجز، وتعكسان تصميم القائد على المواجهة وتحقيق الأهداف المرجوة.

ثم تحولتا إلى عينيّ قائدٍ معجب بشعبه حنونٍ عليه حنوَ الأب لأبنائه، فكانتا عينين تحكيان قصةَ حكمةٍ وشغف ورعاية، والروحَ القيادية الصادقة التي تسعى لخدمة الشعب وتحقيق تطلعاته، لأنها لغةُ عينين تنبع من القلب، تتحدث بصدق وعمق عن رؤية التغيير الجذري والرغبة في بناء مجتمع يزدهر وينمو، من قبل أن يبدأ الكلام.

لقد كانت لغةُ عينيّ قائد الشعب هي لغة الأمل والثقة والتواصل الحقيقي مع الشعب، لغة تجمع بين القوة والرحمة في آن واحد، وتلهم الجميع للعمل من أجل مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً للجميع.

لقد ارتقى القائد درجةً أمام منصة تقديم الخطاب الذي سيعلن خلاله المرحلة الأولى من عملية التغيير الجذري، كامتطاء فارسٍ لصهوة جواد الأمل وهو يخوض معركة العدالة والتغيير بلا خوف أو رهبة. ثم استوى على المنصة بثبات وهدوء، فانبثقت تلك الابتسامة على محياه الطاهر تعبيراً صادقاً عن التواصل القلبي والتآزر الذي يجمعه بشعبه. لم تكن مجرد ابتسامة عابرة، لقد كانت رسالة الحب والإعجاب والتفاؤل والفخر والاعتزاز بأبناء شعبه الذين جسّدوا الوفاء بتلبيتهم دعوته لهم للخروج الحاشد المشرف الأضخم على مستوى العالم نصرةً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم. لقد كانت الابتسامةُ رسالةَ اهتمامٍ حقيقي بالشعب، فقد عكست رغبته في بث الأمل والتفاؤل وتعزيز الروح المعنوية للناس، وشكّلت مع العينيين المضيئتين المشعتين بالثقة والسعادة والتفاؤل الأمل في بناء مستقبل أفضل.

كانت إحدى عشرة ثانيةً فقط لكنها حكت الكثيرَ في مشهدٍ صامتٍ لكنه مُلهمٌ لأحرار الشعب، يحثّ على الوعي والحذر والعمل والتقدم باستمرار مهما كانت التحديات. عزّزه خطابُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي ـ يحفظه الله تعالى ـ الذي أنصت إليه الجميع وعقلوه بقلوبهم فزاد من ثقتهم وقناعتهم بأن السير خلف هذا القائد الحكيم يعني السير على الطريق الصحيح لاستعادة حرية الشعب واستقلال الوطن وإحراز النجاحات وتحقيق الطموحات، فهو القائد القوي القادر على تحمل المسؤولية ومواجهة التحديات، وهو الذي يعتقد ويثق بإمكانية تجاوزها، والعازم على مواجهتها بشجاعة وإصرار، بل ومن يعمل جاهداً وبالتزام لتحقيق مستقبل أفضل للشعب والوطن.

لقد تكاملت لغتا القائد الجسدية والمنطوقة لتؤكدا كل ذلك، فكما كانت لغة جسده تعكس القوة الروحية وتشع بالقوة والعزيمة الحديدية، كانت كلماته تتدفق كنهرٍ قوي يجرف الشكوك والتردد ويملأ القلوب بالشجاعة والإصرار.

ومثلما كان يمشي بثباتٍ كالجبل العملاق الذي يتحدّى الزلازل ويظل ثابتاً في وجه العواصف، كانت عباراته تسقي أشجارَ الأمل والوحدة والتضحية والتلاحم.

ومثلما كان فتحُه ومَدُّه لذراعيه كأنه يجمع الشعبَ كله بروحه القوية وحنانه الكبير، كانت كلماته كالنهر الجاري تروي قلوب الشعب وتغمرهم بالشغف والحماس وتدعوهم إلى التوحد والتضامن.

ومثلما كانت عيناه تلمعان كالنجوم في السماء الصافية، كانت كلماته نجومَ هدايةٍ إلى طريق الخير والأمان.

وإلى جانب أحرار الشعب أدرك كلُ ذي وعي وضميرٍ وولاءٍ وطني أن رسالةَ القائد هي رسالةُ عدلٍ ومساواة، وأنه ينظر للجميع من منظورٍ واحد بلا مناطقية أو طائفية أو عنصرية، ويعمل على توفير فرصٍ متساويةٍ للجميع ضمن شراكةٍ وطنية، فاطمأنوا من كونه القائد الحكيم الموثوق به في إدارة الأمور واتخاذ القرارات الصائبة.

وكعادته أوصل القائد رسائله إلى الشعب باقتدار، وأعلن فيها عمّا يتعلق بالمرحلة الأولى من عملية التغيير الجذري، وفي المقابل لم يكتف الشعب باستقبالها، فقد أظهر رجعَ صدىً قوياً وفورياً لرسائل القائد باستجابةٍ جماعيةٍ سريعةٍ في الواقع العملي، مُؤداها “فوّضناك يا قائد الثورة”، لتزداد علاقة القائد والشعب قوةً ومتانةً بفضل الله سبحانه وتعالى، فله الحمد وله الشكر، وليمت الأعداء والمنافقون غيظاً وكمدا..

19 ربيع أول 1445هـ / 04 أكتوبر 2023م

  • المصدر: المسيرة نت