السياسية:

حقق الاتحاد السوفيتي في 4 أكتوبر عام 1959 إنجازا علميا هو الأول من نوعه، وتمثل في التقاط المسبار “لونا – 3” أول ثلاث صور للجانب المظلم من القمر.

كان القمر منذ فجر العلوم الفلكية دائما لغزا غامضا، ويجهل بشكل تام ما يوجد في جانبه المظلم، ما أدى على ظهور العديد من الأساطير.

الجانب المظلم للقمر:

تساوي قوى الجاذبية على مدى مليارات السنين الفترات الزمنية التي يقوم خلالها القمر بدورة كاملة حول محوره ودورة كاملة حول الأرض. لذلك نرى دائما أقرب جرم سماوي لنا من جانب واحد فقط.

هذا الجانب المظلم للقمر أصبح منذ زمن طويل محط اهتمام كبير ليس فقط من قبل العلماء والمتخصصين، بل وكتاب الخيال العلمي والمهتمين.

على سبيل المثال، وصف الكاتب والمخرج البولندي الشهير أندريه زولافسكي في بداية القرن العشرين في رواية “على الكوكب الفضي”، الجانب المظلم للقمر بأنه تضاريس تعج بالحياة البرية المختلفة، وذهب الخيال بالبعض بعيدا وافترض وجود قواعد لكائنات فضائية على الجانب المظلم للقمر.

تعددت النظريات الغريبة عن جانب القمر المظلم حتى أن صانع النبيذ الفرنسي الشهير هنري مايور، وعد بجائزة تتمثل في ألف زجاجة من الشمبانيا الفاخرة لمن يقوم بتصوير هذا الجانب المظلم للقمر، وكان يُعتقد بالطبع أن مثل هذه المهمة مستحيلة!

كان السباق في الفضاء على أشده بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في الخمسينيات وازداد مع نجاح السوفييت في إرسال أول قمر صناعي إلى المدار في عام 1957.

الجانب المظلم للولايات المتحدة

الواقع أن الحكم على مجريات السباق بين الدولتين العظميين في تلك الحقبة وخاصة في مجال الفضاء يخضع في الغالب إلى قواعد غير عادلة.. الجانب المغفل للقضية هو أن الاتحاد السوفيتي خرج من فترة الغزو النازي في الحرب العالمية الثانية منهكا ومستنزفا بشدة في جميع المجالات، ومع ذلك حقق إنجازات علمية كبيرة في الفضاء وتجاوز الولايات المتحدة بأشواط، رغم أنها لم تعان من ويلات الحرب على أراضيها، بل وتعزز اقتصادها الذي كان يعمل بأقصى طاقاته حينها، وهذا الأمر يتم إغفاله من قبل أغلب الخبراء والباحثين.

المسبار السوفيتي “لونا – 3” كان مشروعا يعمل على تطويره مكتب تصميم كوروليوف منذ عام 1958، وكانت مرحلته الأولى هي إيصال المسبار إلى مدار حول القمر.

بعد محاولتين، نجح العلماء السوفييت في تحقيق اختراق تاريخي، ووصل المسبار “لونا – 3″ إلى هدفه.

المرحلة الثانية لتلك المهمة القمرية، تتمثل في التقاط صور للجانب المظلم للقمر وإرسال الصور إلى الأرض.

استخدم العلماء السوفييت عند حساب مسار رحلة المسبار ” إي -2 أ” المعروف أيضا باسم “لونا – 3” “مبدأ الجاذبية” لأول مرة، وتمكنوا بفضل استغلال قوة جاذبية القمر من توجيه المسبار إلى الاتجاه الصحيح، كما سمح ذلك بتلقي وإرسال إشارات من مركز على قمة جبل “كوشكا” في شبه جزيرة القرم.

جرى تزويد المسبار السوفييتي بكاميرا مزودة بفيلم خاص مقاوم للأشعة الكونية ولدرجات الحرارة العالية، وكان قادرا على قراءة الخلية الضوئية للصورة وتثبيت المناطق البيضاء والسوداء وتحويل كل التفاصيل إلى نبضات كهربائية، ومن بعد إرسال النبضات إلى محطة الاستقبال، حيث تجري عملية عكسية بتحويل النبضات إلى بقع داكنة وفاتحة.

العملية اكتملت بنجاح ووصلت أول صور للجانب المظلم لقمر إلى الأرض في 4 أكتوبر 1959، سميت على الفور بـ “صور القرن”، وبسرعة تداولت الصحف في مختلف أرجاء العالم تلك الصور الأولى على الإطلاق للجانب المظلم للقمر.

ماذا أظهرت تلك الصور؟

تبين من تلك الصور الأولى أن الجانبين المشرق والمظلم للقمر غير متماثلين وتضاريسهما مختلفة تماما. ويتميز الجانب المظلم للقمر بتضاريس جبلية للغاية، ولا يوجد به إلا “بحران” فقط والعديد من “البحيرات” الصغيرة، وهي تسميات للبقع الداكنة على سطح القمر، وليست بطبيعة الحال بحارا ولا بحيرات حقيقية، بل تجاويف ضخمة وحفر توجد منها أعداد كبيرة في جانب القمر المضيء، فيما تمثل في الجانب المظلم ما نسبته أقل من 1 بالمئة من المساحة الإجمالية.

علماء الفلك كانوا أحصوا 21 “بحرا” على سطح الجانب المرئي من القمر، وهي تشكل مع “البحيرات” أكثر من 30 ٪ من مساحة سطحه، كما أن بقية مناطق جانب القمر المضيء مسطحة في الغالب، على الرغم من وجود سلاسل جبلية.

بالمناسبة، صانع النبيذ الفرنسي هنري مايور، أوفى بالوعد الذي قطعه، وقام بزيارة سفارة الاتحاد السوفيتي في فرنسا وسلّم آلاف من زجاجات الشمبانيا الفاخرة لنقلها إلى مكتب تصميم كوروليوف، ولا تزال واحدة منها حتى الآن محفوظة في متحف رواد الفضاء بموسكو.

* المصدر: موقع روسيا اليوم
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر