السياسية ـ وكالات:

للمرة الأول في تاريخ الولايات المتحدة، صوت مجلس النواب (الكونغرس) أمس الثلاثاء لصالح إقالة رئيسه الجمهوري كيفن ماكارثي من منصبه. الخطوة التاريخية أحدثت زلزالا في أروقة السياسة الأمريكية، خاصة وأنها جاءت أثناء انعقاد الدورة الطبيعية للمجلس، وبعد أيام من التوصل لاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين أتاح استكمال بنود تشريعية وتمويلية حالت دون وقف عمل الحكومة الأمريكية.

أثار الزلزال التشريعي الأمريكي، إقالة رئيس الكونغرس الجمهوري كيفن ماكارثي، جملة من الأسئلة حول ما سيحدث لاحقا، وهل سيتمكن الكونغرس من التوافق على رئيس خلال فترة زمنية قصيرة؟ خاصة وأن هناك الكثير من الملفات المركونة لديه والتي تحتاج لأن يتم البت فيها بأقصى سرعة، منها الداخلي كتمويل عمل الإدارات الفدرالية والخارجي كاستمرار دعم أوكرانيا.

بداية، فلنبدأ من حيث بدأت القصة، ما الذي سيحل بالكونغرس الآن؟ وما هي الخطوات التي سيقدم عليها النواب لتجاوز الأزمة؟

وفقا للأنظمة الداخلية للكونغرس، في حالة وجود شغور في منصب رئيس المجلس، يتولى العضو المسمى من قبل الرئيس السابق، في هذه الحالة باتريك ماك هينلي العضو الذي سماه ماكارثي في كانون الثاني/يناير بعد انتخابه، الرئاسة بشكل مؤقت.

يمكن للرئيس المؤقت تسيير الأمور التشريعية الضرورية ريثما يتم انتخاب رئيس جديد، لكن في هذه الحالة ومع الأخذ بعين الاعتبار الخلافات الجوهرية بين الجمهوريين والديمقراطيين والنواب الذين اصطلح على تسميتهم “بنواب اليمين الأقصى”، يبدو أن الرئيس المؤقت لن يتمكن من فعل شيء سوى التحضير والدعوى لانتخابات جديدة. في هذا الوقت، من المؤكد أن عمل الكونغرس لن يكون كالمعتاد.

من غير الواضح متى ستبدأ عملية انتخاب خليفة لماكارثي. ففي كانون الثاني/يناير، استغرق الأمر 15 جولة تصويت على مدار أربعة أيام حتى يتمكن مكارثي من تأمين الدعم الذي يحتاجه للفوز بمنصب رئيس الهيئة التشريعية في البلاد.

لكن فوز ماكارثي في حينه لم يأت بلا ثمن، إذ جاء بعد اتفاقه مع نواب من اليمين المتطرف على عدد من مقترحاتهم، كان من بينها، وهو ما جاءه في مقتل، خفض عدد النواب المطلوب لاقتراح إقالة رئيس المجلس، ليصل لعضو واحد.

“سوف تكون أوكرانيا ضحية وتخسر الحرب أمام روسيا”

النائب الجمهوري عن كاليفورنيا توم مكلينتوك، حذر من أن إقالة ماكارثي ستؤدي إلى توقف مجلس النواب عن العمل إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد.

وقال مكلينتوك في تصريحات في قاعة المجلس “إذا تم تنفيذ هذا الاقتراح (إقالة ماكارثي)، فسيصاب مجلس النواب بالشلل، وسيمر الوقت أسبوعا بعد أسبوع من الاقتراع غير المثمر بينما لا يمكن القيام بأي عمل آخر”.

النائب الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا بريان فيتزباتريك، شدد بدوره على أنه “إذا أخلينا الكرسي، ستغلق الحكومة أبوابها. سوف ينخفض تصنيفنا الائتماني”، قبل ساعات من التصويت على الإطاحة بماكارثي، معربا عن خوفه من أن “أسعار الفائدة سترتفع”.

وأضاف فيتزباتريك “سوف تكون أوكرانيا ضحية وتخسر الحرب أمام روسيا. هذا هو ما هو على المحك الآن، ناهيك عن التآكل المؤسساتي الذي سيحدث”.

هل نشهد تناميا للفوضى في صفوف الحزب الجمهوري؟

تأتي الفوضى التي تعصف بالكونغرس الآن في أعقاب أسابيع من سياسة السير على حافة الهاوية بشأن ميزانية الحكومة الفدرالية، لتجنب إغلاقها. إضافة لذلك، هناك الجدل الذي يثيره المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب، الذي يواجه 91 تهمة في أربع قضايا جنائية، وإمكانية خوضه الانتخابات الرئاسية والضرر الذي سيلحق بالجمهوريين في أعقابها.

لكن بنظرة سريعة على أداء الحزب الجمهوري الأمريكي في السنوات الماضية، نجد أنهم غالبا ما استفادوا من أجواء المشاحنات والأزمات في صناديق الاقتراع. مثال الإغلاق الحكومي الذي فرضه الجمهوريون على حكومة أوباما في عام 2013، ساهم بشكل غير مباشر بسيطرتهم على مجلس الشيوخ في عام 2014.

يمكن للمتابعين القول بأن الديمقراطيين الآن يستمتعون برؤية خصومهم التاريخيين وهم على أعتاب حرب داخلية شرسة، خاصة وأن إقالة ماكارثي لم تكن لتحصل لولا تواطؤ بعض النواب الجمهوريين. كما أن الفوضى التي يواجهها الجمهوريون ستساهم من جهة أو أخرى بالحفاظ على الوحدة الداخلية للحزب الديمقراطي.

لكن بنظرة فاحصة لأحوال الحزب الديمقراطي، نجد أنه ليس بعيدا عن الأجواء التي يعيشها خصمه الجمهوري. فالمنافسة على خلافة بايدن بدأت تستعر في صفوف الحزب، ما ينذر بفوضى “ديمقراطية” خاصة بالحزب عندما يحين وقت البحث عن بديل للرئيس الحالي.

عودة ترامب أم فرصة ذهبية للديمقراطيين؟

لا يمكن التكهن حاليا بمجريات الأمور، فالمؤكد هو أن الأعصاب مشدودة للغاية في واشنطن، والعلاقات بين الأطراف السياسية المختلفة متشنجة، إن لم تكن منهارة. فضلا عن ذلك كله، على الكونغرس الإجابة السريعة عن أسئلة ملحة حول تجنب إغلاق الحكومة وتمويل دفاع أوكرانيا ضد الغزو الروسي وما إذا كان سيستمر في التحقيق في عزل الرئيس جو بايدن، وهذا أيضا أمر غير مسبوق في كثير من النواحي.

ترقب عواصم العالم التطورات في الولايات المتحدة بعين من القلق، فهل ما يحصل قد يمهد لعودة ترامب إلى البيت الأبيض؟ ربما قد يقول متابعون، قبل أن يعود آخرون ويعلقوا بأن الفوضى في صفوف الجمهوريين ستؤدي لإقناع ناخبي الضواحي الأمريكية بصوابية الخيار الديمقراطي في الانتخابات القادمة.