انتفاضة الأقصى والتحولات الاستراتيجية
السياسية:
زهراء جوني*
كان أحمد في بطن والدته حين تلقّت خبر شهادة زوجها وهو يواجه العدو الإسرائيلي على أبواب المسجد الأقصى المبارك في أوائل شهر أكتوبر من العام 2000 بعد أيام فقط على انطلاقة الانتفاضة الثانية؛ انتفاضة الأقصى.
كان يمكن لأحمد أن يختار أي طريق غير المقاومة، أو أن يسير مع أبناء جيله في اتجاهات مغايرة، وهم الذين لم يشهدوا أولى الانتفاضات ولم يشاركوا فيها أو يعاينوا قبح الاحتلال وجرائمه في تلك الفترة. ولو أنهم فعلوا ذلك لكانت أحلام العدو بأن يموت الكبار وينسى الصغار تحققت وسلكت الطريق الذي يريده الاحتلال.
لكن أحمد وأبناء جيله خرجوا من رحم أمهاتهم أكثر إصراراً على القتال والمواجهة وخيار المقاومة. كان يكفي للصلابة التي ورثوها عن ابائهم أن تشدّهم إلى الأمام نحو التمسك بالأرض أكثر والدفاع عنها بأرواحهم وأجسادهم، وكانت تكفي عيون الأمهات وقصصهم وثبات مواقفهم وقلبهم القوي أن ينتج أجيالاً لا تعرف الهزيمة ولا لغة الاستسلام والتطبيع.
ثلاثة وعشرون عاماً على انتفاضة الأقصى التي نعيش ذكراها اليوم، نستعيدها مع زخم عمليات للمقاومة استطاعت أن تُدخل العدو في نفق لن يخرج منه إلاّ مهزوماً باعتراف حكومته وقادته وإعلامه الذي يراقب عن كثب ما أحدثه هذا الجيل من تحولات خطيرة تهدد وجود الكيان واستمراريته. هذا الكيان الذي حاول قبل ثلاثة وعشرين عاماً أن يُحدث إنجازاً ما عبر اقتحام رئيس وزرائه حينذاك أرييل شارون للمسجد الأقصى في 28 سبتمبر من عام 2000، ليواجه بانتفاضة أحدثت بلا شك تحولاً استراتيجياً على مستوى المواجهة رغم التضحيات الكثيرة التي قدمها الشعب الفلسطيني من خلالها.
استطاعت هذه الخطوة أن تضع العالم أمام حقيقة واحدة؛ لا شيء يعيد الأرض سوى المقاومة، فأسقطت كل مزاعم السلام التي حاول العدو ومعه بعض العرب تمريرها أو تثبيتها أو الإقرار بأنها العلاج الوحيد لمشكلة الشعب الفلسطيني مع من احتلّ ارضه، وعلى الرغم من اتفاقيات ابراهم الأخيرة ومحاولات التطبيع التي شهدتها السنوات الماضية ولا تزال إلا أنها لا تمثّل سوى حبراً على ورق في معادلات التغيير وموازين الردع التي بنتها المقاومة كإحدى نتائج انتفاضة الأقصى وما تلاها من تطورات ميدانية على الأرض، اخرها عملية “سيف القدس” والعمليات الفردية التي ينفذها الفلسطينيون بشكل كبير وزخم عالٍ أثبت أن الاستراتيجية الأنجع لهزيمة هذا الكيان المؤقت هي في إنهاكه واستنزافه وإشغال جميع الجبهات حتى تثبيت المعادلة الأكثر فعالية حتى اليوم التي تقوم على مبدأ “وحدة الساحات”.
يصرّ كثير من الخبراء على أن الانتفاضة لم تتوقف من حينها. لم تنته مع انتصار قطاع غزة ولا مع انتصارات كثيرة ومحطات مرت بها المقاومة حتى الآن. الانتفاضة مستمرة لكن بأشكال مختلفة ووتيرة منظّمة ومنضبطة تضع الاحتلال كل يوم أمام كابوس جديد من مخيم جنين إلى نابلس والقدس وبوابات المسجد الأقصى وكتائب المقاومة على اختلاف أسمائها، ومن غزة المحاصرة التي يعيش الاحتلال قلق الصواريخ التي تخرج منها وقلق أنفاقها التي خرّجت مقاومين وضباطاً وقادة ينشغلون يومياً في كيفية تحرير كل فلسطين عبر معادلة وحدة الساحات وترابط قوى المقاومة.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر