لعل العلاقة الأنجلو أمريكية مع بيت آل سعود باتت تتجه نحو عاصفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

بقلم: ديفيد ويرنغ*

(صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية, ترجمة: خالد النظاري – سبأ)

 

لندن ـ كان الأسبوع الماضي سيئاً بصورة استثنائية بالنسبة للمملكة العربية السعودية.

ففي يوم الأربعاء، أصدر خبير لدى الأمم المتحدة تقريراً يدعو إلى إجراء تحقيق في دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. وفي اليوم التالي في واشنطن، صوت مجلس الشيوخ على منع مبيعات الأسلحة التي تقدر بمليارات الدولارات، وهو الجهد الأحدث في سلسلة من جهود الكونغرس لوقف الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. وفي نفس اليوم ولكن في لندن، قضت محكمة بأن بريطانيا تصرفت بشكل غير قانوني في الموافقة على تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.

إن هذه الصفعات الكبيرة تشير للأزمة السياسية المتنامية التي لا تزال نتيجتها في علم الغيب. لقد ظلت المملكة العربية السعودية تتمتع بحماية القوى الأطلسية طوال وجودها القريب من القرن.

لكن العلاقات الأنجلو أمريكية مع بيت آل سعود ربما باتت اليوم تتجه نحو عاصفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عند نقطة تصبح فيها العلاقة غير قابلة للاستمرار من الناحية السياسية في حين يبدأ منطقها الاستراتيجي الضمني بالتراجع.

كيف أضحت الأمور هكذا؟ لقد اجتمع حدثان لتقويض السمعة الدولية للمملكة العربية السعودية تقويضاً عميقاً – بل والدعم الذي تعتمد عليه والآتي عبر المحيط الأطلسي.

الأول هو الحرب الكارثية في اليمن. صحيح أن الحقائق معروفة جيدا لكنها تستحق التكرار. إن التحالف الذي تقوده السعودية مسؤول عن غالبية قتلى الحرب المقدر عددهم بعشرات الآلاف وقد أقدم على استهداف المدنيين بشكل “واسع النطاق ومُمنهج”، وفقاً لتقارير خبراء مقدمة لمجلس الأمن الدولي.

كما أن حصار التحالف يُعد السبب الرئيسي لما بات اليوم أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يُعتقد أن 85,000 طفلاً رضيعاً قد ماتوا بسبب الجوع منذ العام 2015.

الرئيس ترامب في عام 2018 يناقش مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية مع ولي العهد محمد بن سلمان.

ولقد ظلت واشنطن ولندن تيسران للمجزرة، إذ قدمتا دعماً حيوياً لم تكن حملة القصف التي تقودها السعودية لتعمل من دونه. ومع تصاعد أصوات الإدانة، فقد أصبح الدفاع عن إمدادات الأسلحة التي لطالما كانت سمة أساسية في علاقات الغرب بالرياض مهمة شبه مستحيلة.

وأما الحدث الرئيسي الآخر فهو القتل المروع لجمال خاشقجي، والذي يعتقد على نطاق واسع أن الأمر بتنفيذه جاء من قمة الحكومة السعودية. في الأشهر التي سبقت عملية القتل، كان الأمير محمد منشغلاً بتقديم نفسه على أنه مصلح مستنير، صورة (رغم أنها غير معقول) كان الكثيرون في واشنطن ولندن سعداء بمنح الثقة لها.

إن جريمة القتل في إسطنبول (إلى جانب حملة القمع المكثفة على المعارضة داخل السعودية) قد جعلت رواية “الإصلاح” في حالة يرثى لها وجاءت لتجسد القسوة وعدم النضج والحكم السيء لولي العهد.

 

صلاة جنازة رمزية لجمال خاشقجي في مسجد في إسطنبول العام الماضي.

في الولايات المتحدة، يمكننا تمييز خطين واسعين لمعارضة الكونغرس ضد الحالة الراهنة للتحالف مع المملكة العربية السعودية, أما الأول فيحتوي على الدمقراطيين الأساسيين وبعض الجمهوريين الملتزمين بالعلاقة الأساسية لكنهم قلقون من أن التوجيه السيئ من قبل الرئيس ترامب والأمير محمد لهذه العلاقة يجعل من الصعب الحفاظ عليها سياسيا. إنهم يريدون حل أسباب الأزمة الحالية، لا أن تـُترك لتتفاقم، مما يعني إنهاء سريع للحرب اليمنية ومحاسبة مُرضية عن مقتل السيد خاشقجي.

وأما المعسكر الثاني (الذي يمثل اليسار الناشئ داخل الحزب الديمقراطي ويحتوي على أمثال السناتور بيرنيساندرز والنائبة إلهان عمر) فإنه يعبر عن مخاوف أكثر جوهرية حول الدعم الأمريكي للمملكة العربية السعودية. إن هدفهم هو إحداث تغيير جوهري في السياسة، وليس الحفاظ على العلاقة الأساسية. وعندما يظهر جيل من الناخبين أصغر عمراً وأكثر تنوعاً ليقف أمام السياسة التقليدية، حينها لا يمكن استبعاد تحقق وجهة النظر هذه.

وعلى الرغم من أن الخطين يلتأمان لتشكيل معارضة مثيرة للإعجاب – أُجبرت إدارة ترامب على الاعتماد على أوامر تنفيذية للتغلب عليها – إلا أن الدعم الشامل للمملكة في واشنطن مستمر حتى الآن. لكن ذلك لا يمكن اعتباره أمرا مفروغا منه.

فلو أصبح العالم في نهاية المطاف جادا في معالجة مشكلة المناخ، فإن نسبة كبيرة من احتياطيات النفط الموجودة سيكون من الضروري أن تبقى في باطن الأرض، تاركةً السعوديين جاثمين على أصول تقطعت بها السبل. وطالما أن النفط هو شريان الحياة للاقتصاد العالمي، فإن السيطرة الاستراتيجية على الاحتياطيات الرئيسية في الخليج تـُعتبر مصدر رئيسي للقوة في النظام العالمي. كما أن ثروة النفط التي تنتجها مبيعات النفط تمثل مصدرا مربحا للاستثمارات وصفقات السلاح. ولكن لو يتخلص العالم من الكربون، فمن الصعب أن ندرك السبب في أن الدعم المستمر لدولة استبدادية تتناقص ثروتها وأهميتها قد يُرى في واشنطن أنه يستحق التكلفة السياسية. إن تغير المناخ قد يؤدي إلى قلب السياسة الخارجية، كما هو الحال بالنسبة لكثير من الأشياء الأخرى.

وهناك حراك مماثل يتكشف في بريطانيا، الحليف الغربي الرئيسي للرياض. فالحكم الصادر عن المحكمة في الأسبوع الماضي لم يمنع جميع عمليات نقل الأسلحة كما أنه خاضع للاستئناف من قبل الحكومة. لكنه في الأساس أعاق هذه الصادرات في الوقت الحالي، وهو أمر مهم بالنظر إلى أهمية الطائرات بريطانية الصنع في حملة القصف التي تقوم بها قوات التحالف وكذا أهمية مبيعات الأسلحة في علاقة بريطانيا بالسعودية.

والأهم من ذلك هو أن حزب العمال البريطاني يمر بعملية تغيير مؤلمة رغم محدوديتها، انعكاساً للتغيير الذي أضحى يشق طريقه داخل الحزب الديمقراطي.

إن القيادة تنتقد باستمرار سجل النظام في مجال حقوق الإنسان وسلوكه في اليمن، وقد ظلت تهمل المشرعين من حزب العمال المؤيدين للسعودية. إن هذه القيادة مدعومة بعضوية حزبية موسعة، وملتزمة كذلك باتجاه جديد في السياسة الخارجية البريطانية.

صحيح أن الروابط الاستراتيجية بين القوى الأطلسية وبيت آل سعود قد نجت من العديد من الأزمات على مر السنين، كما أننا نعلم أنها قد تبقى على قيد الحياة لقرنٍ ثانٍ. بيد أن التهديدات الوجودية أضحت واضحة للعيان، ولو كان لدى أي شخص في الرياض أو واشنطن أو لندن خطة جادة للحفاظ على الوضع الراهن، فإنه يحافظ على سريتها للغاية.

لا شك أن الجهود السعودية الأخيرة للبقاء على مقربة من البيت الأبيض تحت إدارة ترامب كانت ناجحة. ومع ذلك، قد تندم المملكة على المراهنة بكل شيء على رئاسة تبدو أكثر تمثيلا للجوانب الأقبح لماضي أميركا من تمثيلها لمستقبلها.

ففي السنوات المقبلة، يواجه النظام مخاطر أن يجد نفسه ينفد من المال ويفقد الأصدقاء ويفوته الوقت.

*ديفيد ويرنغ (@davidwearing) متخصص في العلاقات البريطانية الخليجية ومؤلف كتاب “أنجلوعربية: لماذا تهتم بريطانيا بثروات الخليج”.