ثنائيات الأكاذيب والحروب غير القانونية
بقلم البروفيسور: رودريغ تريمبلاي————-
, ترجمة: أسماء بجاش- سبأ———————
“يشبه الثنائي ترامب-بولتون الثنائي بوش-تشيني, فكلاهما دعاة حرب, استخدموا الأكاذيب لشن الحروب غير القانونية”
تستخدم القوى العظمى مصطلح “الراية-المزيفة” لخلق مناخ موات للحرب, فهذا المصطلح يُستخدم لوصف العمليات السرية لأهداف عسكرية أو سياسية أو استخباراتية التي تَستخدم لتمويه, بحيث يظهر كأن مجموعة أخرى خططت وقامت بهذه العمليات السرية, كما يُطلق مصطلح “الراية- المزيفة” أيضاً على العمليات التي تحدث في أوقات السلام عن طريق مؤسسات مدنية أو وكالات حكومية سرية إذا كان المنفذ للعملية ينوي إخفاء الهوية الحقيقة له لتجنب اللوم.
– عرف الكاتب الأسترالي “جيمس موركان” مصطلح “الراية-المزيفة” أنها حدث مرعب ومراحل موجهة إلى عدو سياسي يُستخدم كذريعة لشن حرب أو لتمرير قوانين صارمة باسم الأمن القومي, فجميع الحروب تبدأ بشكل تقريبي بعمليات “الراية المزيفة”.
– فيما عرف الكاتب لاري شين من أمريكا الشمالية من خلال تقرير الأعلام الكاذب “الراية- المزيفة” أنها إسناد فعل للآخرين إلى نفسك واستخدامه كسبب لمهاجمتهم.
– الفيلسوف الكندي “جون ماكمورتري” من خلال “فك التشفير الأخلاقي من 11/9 : ما بعد الدولة الجنائية الأمريكية”، مجلة دراسات 9/11 فبراير 2013”, “إن وجود شخصيات في كل بلد يكسبون رزقهم من خلال شن الحرب وخلق التوتر بين الدول أمر مثير للصدمة بقدر ما هو حقيقي, ولكن عندما يسعى أولئك الذين هم على رأس حكومة بلد ما إلى زرع الفتنة وغرس التحيز بين الأمم، يصبح الأمر شيئاً لا يغتفر.
– توماس باين- (1737-1809) ، ناشط ومفكر وسياسي أمريكي- في كتابه “حقوق الإنسان” الصادر في العام 1792:”كنت آنذاك على راس وكالة المخابرات المركزية “CIA”, كذبنا، خدعنا، سرقنا, كان الأمر كما لو كان لدينا دورات تدريبية كاملة, فهذا يذكرك بالتاريخ المجيد للتجربة الأمريكية!
– مايك بومبيو (1963-)، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووزير الخارجية الحالي في حكومة الرئيس دونالد ترامب، منذ أبريل من العام 2019, بينما كان يتحدث إلى طلاب في “جامعة تكساس”: التاريخ يميل لتكرار نفسه, ففي أيامنا هذه، يستفيد بعض الأشخاص من الحروب, حيث يعملون اليوم على تأجيج نيرانها.
جريمتهم: إطلاق الحروب غير القانونية من خلال ارتكاب هجمات إجرامية تحت مسمى “الراية المزيفة” ، واتهام دولة أخرى بأعمالهم الإجرامية.
حول هذه النقطة، يتصرف الثنائي الحالي “دونالد ترامب” و”جون بولتون” بنفس الطريقة التي تصرف بها “جورج دبليو بوش” و”ديك تشيني” قبل الحرب على العراق، في مارس من العام 2003.
ومن المثير للدهشة أنه في عالم المعلومات لا يزال هذا النوع من النشاط مستمراً, ففي الفترة ما بين 2002-2003, استخدم الثنائي بوش-تشيني بمساعدة البريطاني توني بلير الأكاذيب لتبرير الحرب العدوانية ضد العراق، متشدقين بحجة أن الرئيس صدام حسين كان بحوزته مخزون ضخم من “أسلحة الدمار الشامل”، وأنه كان يستعد لشن هجوم على الولايات المتحدة الأمريكية.
واستناداً لذلك, أثار الرئيس جورج بوش في السادس من أكتوبر من العام 2002, الخوف من خلال تنبؤه بسحابة نووية كبيرة ستلقي بظلالها على الولايات المتحدة الأمريكية، في حال لم يتم التصرف ضد العراق.
هذا الدمية الكبيرة كانت، في الواقع، مرحلة خيالية ووهمية للغاية لخداع الكونغرس الأمريكي الساذج (!) ووسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية وأغلبية الأمريكيين الذين وقعوا في الفخ.
واليوم, نحن في العام 2019 أي بعد ستة عشر عام من تمرير تلك الاكذوبة، وما زلنا نستخدم نفس الحيلة لإطلاق حرب عدوان غير شرعية، ولكن هذه المرة ضد إيران.
سادة الكذب والخداع ينسجون عملاً جديداً مرة أخرى, عملاء سريون من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل و / أو من المملكة العربية السعودية في منطقة الشرق الأوسط هم على الأرجح وراء الهجوم غير مبرر في المياه الدولية ضد ناقلة النفط اليابانية, حينها هرع صناع القرار الأمريكي إلى المنابر الاعلامية وتوجيهه التهم لإيران, إذ يزعمون أن هذا البلد -طهران- هو من شن الهجوم ضد ناقلة النفط “كوكوكا كريسوس” في بحر العرب.
ومع ذلك، كان لديهم القليل من الحظ, ففي الواقع، تناقضت تصريحات مالك الناقلة اليابانية على الفور مع التصريحات “الرسمية”, إذ قال “يوتاكا كاتادا”, رئيس شركة الشحن “كوكوكا سانجيو” ومالك السفينة، أن الأضرار التي لحقت بالناقلة كان سببها هجوم بقنبلة, إليكم ما قاله “كاتادا” للصحفيين: “يخبرنا الطاقم أن السفينة أصيبت جراء جسم طائر, فقد كان هناك شيئاً ما يطير نحو الناقلة، ثم وقع الانفجار، وتم العثور على ثقب في الناقلة”.
كما أصدرت الشركه بياناً قالت فيه, أن السفينة قد اخترق فوق خط المياه، إلى الميمنة”، بمعنى أن السفينة لم تصطدم بلغم تحت سطح الماء، كما ألمحت إدارة ترامب, وفي نفس الوقت تعرضت أيضاً سفينة نرويجية لهجوم بيد أنه أقل خطورة.
هذه المرة، يبدو أن مناورة الهجوم “الراية- الزائفة” قد فشلت, ومع ذلك، يمكنك أن تكون على يقين من أن الذين يقفون وراء الهجوم سيحاولون الهجوم مرة أخرى عاجلاً أم آجلاً، تماماً كما نجحت القوى التي تقف وراء “الهجمات الكيميائية” في سوريا في خداع الرأي العام في تورط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
يبدو أن الرئيس “دونالد ترامب” سيستفيد شخصياً من هذه الحرب، التي ستصل إلى نقطة تشتيت انتباه وسائل الاعلام, والزج بتقرير مولر إلى غياهب النسيان، (على الأقل الجزء المنشور منه بالفعل)، ونسيان المشاكل السياسية المتنامية لشاغلي البيت الأبيض, كما سيحتاج الرئيس”دونالد ترامب” في الوقت الحالي، إلى سيناريو مماثل لتلك الموجودة في رواية “ذيل الكلب” والذي تم انتجه النسخة المصورة منها سينمائياً في العام 1998.
يمكن لشخصيات في محيطه مثل “جون بولتون” وبعض حلفائه في الشرق الأوسط مساعدته بكل سهولة.
من الجدير بالذكر أن نعرف أنه قبل أسبوعين كان “جون بولتون” احد دعاة الحرب، بالصدفة، في جولة في منطقة الشرق الأوسط، زار خلالها دولة الإمارات العربية المتحدة!
ولابد من القول أيضاً, إضافة إلى طعن مالك السفينة اليابانية، يجب أن نعرف أنه في الوقت الذي تم الهجوم فيه على الناقلة اليابانية، كان رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” في زيارة رسمية إلى طهران, من أجل إجراء محادثات مع الحكومة الإيرانية حول التعاون الاقتصادي بين البلدين, خاصة فيما يتعلق بشحنات النفط الإيرانية إلى اليابان.
وبما أن إيران اصبحت ضحية للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأمريكية، فإن مثل هذا التعاون الاقتصادي بينها وبين اليابان كان من الممكن أن يقع ضحية لعملية “الراية المزيفة”, بيد أنه لا يبدو أنها قد حققت مآربها, ولكن يمكنك أن تكون على يقين من أن المسؤولين لن يتم محاكمتهم.
الخاتمة:
أننا نعيش اليوم في فترة نفتقر فيها لشخصيات تتمتع بالاستقلالية الأخلاقية, في حين أن الذين تدعمهم القوى العظمى يمتلكون الكثير من المال ويكتسبون السلطة ويحدثون الكثير من الضرر, لذا كيف يمكن لديمقراطياتنا البقاء على قيد الحياة وفي مثل هذا السياق يبقى السؤال دون إجابة.
*رودريغ تريمبلاي, أستاذ فخري في الاقتصاد بجامعة مونتريال الكندية والفائز بجائزة ريتشارد آريس في عام 2018, عن كتابه الذي نشرته دار “إديشنز فيدس” لنشر والمعنون “الانحدار الهادئ في كيبيك، 1980-2018”, لديه العديد من المؤلفات: “الإمبراطورية الأمريكية الجديدة” و”مدونة الأخلاقيات العالمية”.
(موقع” -mondialisationمونديليزاسيون” الكندي الناطقة بالفرنسية)