علي ظافر*

بعد أيام من المفاوضات المكثفة والحاسمة بين وفد الجمهورية اليمنية من جهة ومسؤولين سعوديين من جهة أخرى في العاصمة السعودية الرياض، عاد الوفد الوطني المفاوض برئاسة محمد عبد السلام مع الوفد العماني الوسيط إلى العاصمة صنعاء، بهدف التشاور مع القيادة بشأن “مسودة الاتفاق”، تمهيداً لجولة مفاوضات مقبلة لم يحدد زمانها ومكانها بعد.

ويشير مصدر سياسي على صلة بالمفاوضين إلى أن “هناك تقدماً في الملفات الإنسانية المرتبطة بالمطار والميناء وصرف المرتبات،” وأن مسودة الاتفاق بين صنعاء والرياض باتت “شبه ناجزة” بهذا الخصوص، وفقاً للمصدر، بانتظار ما سترسو عليه مشاورات الوفد اليمني المفاوض مع القيادة في صنعاء، مع أن المسودة، بحسب المصدر، ربطت بين الإنساني والاقتصادي والسياسي،” على أن يكون الإنساني أولاً، ويليه الاقتصادي، ومن ثم السياسي، بعد أن يُحسم الملفان السابقان.

لم يكشف الوفد الوطني بالتفاصيل ما تم الاتفاق عليه وما لم يتم الاتفاق عليه والنقاط العالقة من النقاط التي تم حسمها، لكن رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام أشار بعد الوصول إلى العاصمة صنعاء إلى أن الأيام الخمسة الماضية شهدت “لقاءات مكثفة مع الجانب السعودي ناقشنا فيها بعض الخيارات والبدائل لتجاوز قضايا الخلاف التي وقفت عندها الجولة السابقة”، في إشارة إلى جولة “مفاوضات رمضان” التي تمت بين الجانين في العاصمة صنعاء خلال نيسان/أبريل المنصرم.

ورغم أنه لم يكشف أيضاً “الخيارات والبدائل” التي تمت مناقشتها مع المسؤولين السعوديين، فقد أشار إلى أنه “سيتم رفعها إلى القيادة للتشاور حولها، بما يساعد في سرعة صرف المرتبات ومعالجة الوضع الإنساني”.

يوحي هذا البيان المقتضب بأن هناك تقدماً في ملف المرتبات والوضع الإنساني المرتبط بمطار صنعاء وميناء الحديدة، وربما ملف الأسرى والمعتقلين، لكنه يوحي في المقابل بأن ثمة تعقيدات لا تزال تلفّ مسألتي “خروج القوات الأجنبية وإعادة إعمار اليمن”، وهي من أبرز بنود أجندة التفاوض التي حملها الوفد الوطني المفاوض قبل توجهه إلى الرياض الخميس الماضي.

إجمالاً، وضع وفد صنعاء على طاولة النقاش أبرز الملفات الملحة المتصلة بملف المرتبات والملف الاقتصادي ورفع الحصار عن المطارات والموانئ وتبادل الأسرى وفقاً لمبدأ الكل مقابل الكل، إضافة إلى ملفات سيادية، أبرزها سحب القوات الأجنبية واحترام السيادة والتعويضات وجبر الضرر وإعادة الأعمار.

ولا نستبعد أن المسؤولين السعوديين -نظراً إلى الضرورات التي تفرضها المرحلة على المملكة- أبدوا مرونة حيال هذه الملفات، وطرحوا مخاوفهم على الطاولة، وخصوصاً ما يتصل منها بالحدود البرية الممتدة بين اليمن والسعودية، ولم يخفوا مخاوفهم من تجدد العمليات الاستراتيجية باتجاه العمق السعودي، بالنظر إلى أولويات النظام السعودي المتصلة بالاستثمار والاقتصاد وأمن الطاقة.

وبخصوص مسألة إعادة الإعمار كاستحقاق (قدرها البنك الدولي العام المنصرم بـ25 مليار دولار، مع أنها بسيطة جداً مقارنة بفاتورة إعادة إعمار الكويت والعراق التي بلغت 300 مليار دولار)، نتوقع أن الرياض تؤمن بأنها ستدفع هذه الفاتورة، وإن كانت ستطرح فكرة مؤتمر دولي للمانحين لإعادة إعمار اليمن، وإنشاء صندوق تشرف عليه جهات إقليمية ودولية هي من بينها، كما طرحتها في الجولات السابقة. وقد أبدت صنعاء ملاحظاتها على الموضوع، ولا يفترض أن تبقى موضع نقاش، على قاعدة أن من “صعد بالحمار فلينزل به”، و”من دمّر عمّر”.

وبعيداً من كل هذه التفاصيل، وحتى نبقي بصيص أمل، فقد قال سياسيون، من بينهم عضو المكتب السياسي لأنصار الله علي القحوم، إن جولة مفاوضات الرياض اتسمت إلى حد كبير بـ”الجدية والتفاؤل في تجاوز العقد”، وهذا ما نأمله.

ميزات مفاوضات الرياض
ما ينبغي التوقف عنده هو أن جولة مفاوضات الرياض بين صنعاء والنظام السعودي تتميز مقارنة بما سبقها بأنها تمت للمرة الأولى بشكل معلن ومباشر بين الوفد الوطني الممثل لصنعاء والمسؤولين السعوديين، فيما كان العليمي يشكو بثه وحزنه إلى سيده الأميركي مما وصفه بـ”الإمامة الجديدة”.

من ناحية أخرى، أثبتت هذه الجولة وذهاب الوفد الوطني إلى الرياض جدية صنعاء في الذهاب نحو السلام، وأن “السلام خيار”، كما صرح رئيس الوفد الوطني لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، وباتت الكرة في ملعب النظام السعودي ليثبت فعلاً جديته في خيار السلام كخيار، وليس تكتيكاً، ولن يتحقق السلام وفي اليمن جندي أجنبي واحد، كما لن يتحقق السلام واليمن مدمر أو محاصر، وهذا يتطلب من السعودية الجرأة والشجاعة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب العدوانية التي كانت قائدها المباشر منذ 9 سنوات خلت، وسحب كل عوامل التفجير، ومن بينها وجود القوات الأجنبية المحتلة، لأن السعودي باختصار أحوج من اليمن إلى حالة الاستقرار الأمني والعسكري.

الميزة الثانية أن المفاوضات المباشرة بين صنعاء والرياض أسقطت كل الآمال والأماني بإسقاط المدافعين عن اليمن واجتثاثهم، وفي مقدمتهم أنصار الله، وباتت السعودية تفاوضهم بشكل مباشر وندي، وهذا تحول إيجابي في السياسة الخارجية للمملكة، ونحن نشجعها على ذلك لما فيه من مصلحة لها، وهو يخدم طموحاتها الاقتصادية والاستثمارية، بما فيها مشروع نيوم والممر الاقتصادي الذي أعلن في نيودلهي مؤخراً، وهي تعد جزءاً أصيلاً فيه.

الميزة الثالثة من وجهة نظري الشخصية أن التفاوض المباشر بين صنعاء والرياض لحل الملف الإنساني (المرتبات والحصار والأسرى…)، وكذلك إعادة الإعمار وسحب القوات الأجنبية، هو الطريق المثالي لتهيئة المناخ السياسي لمفاوضات يمنية – يمنية، ببساطة لأن أدوات السعودية لا تملك القدرة على حل الملفات السابقة.

أما الميزة الرابعة، وهي باعتقادي أهم نقطة، فقد جاءت بالتزامن مع تحضير صنعاء أضخم عرض عسكري ربما في تاريخ اليمن في الذكرى التاسعة لثورة 21 سبتمبر، وهذا يعطي مؤشراً واضحاً على أن صنعاء تفاوض من موقع قوة، وليس من موقع ضعف، كما قد يتوهّم البعض.

الميزة الخامسة هي أن هذه الجولة من المفاوضات تمت بعيداً من منطق الاستسلام والإملاءات، كما كان في مفاوضات الكويت، بمعنى أن منطق العدو تغير. وهنا، من المفيد التذكير بمنطق المعسكر الآخر، وفي مقدمته الأميركي، خلال مفاوضات الكويت، إذ طلب من الوفد المفاوض حينها الخروج من صنعاء، وتسليم المؤسسات، وتسليم السلاح، والقبول بصفقة أميركية أو إضعاف العملة الوطنية.

هذه المرة لم يعد شيئاً من هذا القبيل يقال، بل تابعنا كيف رحّب مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، صاحب أعلى منصب أمني في الولايات المتحدة، بهذه الجولة وبزيارة الوفد الوطني للرياض.

ومن ميزات هذه الجولة التفاوضية أن انطلاقتها تزامنت مع ذكرى أشهر ضربة يمنية في تاريخ الحرب على منشأتي بقيق وخريص التابعتين لشركة أرامكو، وتحديداً في 14 أيلول/سبتمبر 2019. هذا التزامن، في اعتقادي، لم يكن مخططاً ولا مرتباً له، إنما التدبير والتهيئة الإلهية اقتضت التذكير بأن ضريبة الحرب والعدوان والحصار واستمرارهما مكلف جداً.

* المصدر: الميادين نت
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب