كيف تحول تاريخ العلاقات الأمريكية السعودية إلى عقود بيع أسلحة بمليارات الدولارات
في حين يتعين على مجلس الشيوخ الأمريكي التصويت لمنع أو عدم بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، أبدت الإدارة الأمريكية تساهل تجاه الرياض والذي اصبح موضع خلاف.
بقلم شيرين خليل, واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية
(موقع”ميدل اس اي- “Middle East Eye البريطاني, النسخة الفرنسية, ترجمة :أسماء بجاش – سبأ)
اسراع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى شحن مليارات الدولارات من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية دون أي إشراف من الكونغرس, حيث إستخدمت إدارة ترامب صلاحيات استثنائية في أواخر مايو لتجاوز الكونغرس, إذ سمحت بشكل مباشر بتمرير 22 عقد مبيعات منفصلة للأسلحة للمملكة العربية السعودية ودولة الأمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص, ولتبرير ذلك، تشدق “ترامب” بحالة الطوارئ التي أثارتها إيران.
بدأ منتقدو الدعم الثابت الذي يوليه الرئيس دونالد ترامب لدول الخليج ومبيعات الأسلحة الأمريكية للحكومة السعودية على وجه الخصوص بالتعب من ما يعتبرونه عناد الرياض, ولكن مع إصرار الرئيس “ترامب” على أن صفقات الأسلحة جزء أساسي من خطة إدارته للحفاظ على علاقات قوية بين واشنطن والرياض، يبدو أن حدوث تحول كبير أمر غير مرجح، على حد قول العديد من الخبراء لـ Middle East Eye.
قال “جودي فيتوري” الباحث غير المقيم في برنامج كارنيجي للديمقراطية والصراع والحكم, أن الحجة كانت أن مبيعات الأسلحة تشتري الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التأثير على أشياء مثل حقوق الإنسان, ولكن من الصعب معرفه أين يمكن استخدام وسيلة الضغط هذه بنجاح, في الوقت الذي يزداد فيه سجل حقوق الإنسان السعودي سوءاً.
1933 وبداية التنقيب عن النفط”علاقات طويلة الأمد”
لفهم كيف أصبحت العلاقة الأمريكية السعودية راسخة للغاية، وكذلك كيف تم تشجيع الحكام في الرياض تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، يجب على المرء أن يعود إلى بدايات الدولة السعودية الحديثة.
ففي العام 1933, أي بعد أقل من عام على تأسيس المملكة ، منحت العربية السعودية تصاريح تنقيب عن النفط لمجموعة من الجيولوجيين الأمريكيين مع شركة “ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا” (SoCal)، وهي شركة سابقة لشركة “شيفرون” العملاقة للنفط في الولايات المتحدة الأمريكية, إذ دخل النفط في مهمة الاستكشاف لمدة خمس سنوات، مما عزز العلاقات الأمريكية السعودية لعقود قادمة, وأصبحت الشراكة بين شركة “ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا” والمملكة العربية السعودية معروفة باسم الشركة العربية الأمريكية للنفط (أرامكو).
في أوج الحرب العالمية الثانية، عمّق الرئيس “فرانكلين روزفلت” علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية، معلناً أن دفاع عن المملكة “أمر حيوي للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية”, حيث بدأ “روزفلت” بإرسال المساعدات العسكرية الأمريكية إلى المملكة في العام 1943 كجزء من برنامج الإقراض الأمريكي، الذي وفر ما مجموعه 50 مليار دولار من المعدات العسكرية إلى 30 دولة مختلفة.
وفي المقابل، منحت المملكة العربية السعودية الولايات المتحدة الأمريكية الحق في بناء المطارات على أراضيها, كما وقعت واشنطن والرياض في العام 1951, اتفاقية الدفاع المشترك والتي أصبحت أساس المبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة, كما تم إنشاء بعثة تدريب عسكرية أمريكية دائمة في المملكة العربية السعودية.
استمرت العلاقة السعودية الأمريكية في التوسع طوال فترة الخمسينيات والستينيات، حيث شهدت تلك الفترة تدفق الأسلحة الأمريكية الصنع إلى المملكة.
وبحسب وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأمريكية (DSCA) قدمت الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1950 و1969, ما مجموعه 218 مليون دولار من المبيعات العسكرية الأجنبية للسعودية.
كانت منطقة شبه الجزيرة العربية أوائل سبعينيات القرن الماضي على موعد مع الاستقلال, فعندما كانت بريطانيا تهم بالانسحاب من الخليج سمحت هذه الخطوة لكلاً من البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان بإعلان الاستقلال وبالتالي رأت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوضع فرصة لمضاعفة مصالحها في المنطقة.
ووفقًا لـ DSCA, ففي الفترة بين عامي 1970 و1972, ارتفعت القيمة الإجمالية لمبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الرياض من 14.8 مليون دولار إلى 296.3 مليون دولار, هذه الزيادة في معدل مشتريات الأسلحة تزامنت مع زيادة هائلة في عائدات النفط الحكومية السعودية والتي بلغت 25.7 مليار دولار في العام 1975 مقارنة بـ 1.2 مليار دولار فقط في العام 1970.
واليوم، تمد المملكة العربية السعودية حوالي 9٪ فقط من إجمالي واردات النفط الخام إلى الولايات المتحدة، مع تركيز واشنطن على الموارد المحلية مثل صفقات بيع الأسلحة محلية الصنع.
اشترت الرياض بين عامي 2013 و 2017, ما يقرب من 18% من أجمالي مبيعات الأسلحة الأمريكية، بقيمة إجمالية بلغت حوالي 9 مليارات دولار، وذلك وفقًا للتقرير الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لابحاث السلام الذي يتتبع تدفق الأسلحة في جميع أنحاء العالم, فهذا المبلغ يساوي تقريباً مبيعات الأسلحة التي بلغت 8.1 مليار دولار للسعودية والإمارات العربية المتحدة التي دعمتها إدارة الرئيس ترامب على الرغم من اعتراضات الكونغرس.
رفض الكونغرس
يأتي قرار الرئيس الأمريكي بتمرير عملية البيع هذه بعد التذرع بحالة الطوارئ, في وقت من التدقيق الذي لا مثيل له للمملكة العربية السعودية في الكابيتول هيل- كناية عن كونغرس الولايات المتحدة – الأمريكية – ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الحرب المدمرة التي قادتها السعودية في اليمن ومقتل كاتب العمود في صحيفة “الواشنطن بوست” الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وعلى مدار العامين الماضيين، حاول الكونغرس استخدام سلطته للضغط على الرياض لإنهاء الحرب في اليمن من خلال طرق متعددة, أحد هذه العوامل هو تجميد مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة, وهي شريك رئيسي في التحالف الذي تقوده السعودية في هذا البلد الذي مزقته الحرب.
لكن الرئيس الأمريكي شدد على أن دعم واشنطن للرياض يجب أن يستمر، وبالتالي, فإن قرار ترامب الأخير تحدى الكونجرس الذي قدم منذ ذلك الحين تجميد 22 قراراً نقل مزمع للأسلحة.
أوضح “سيث بيندر” ضابط دفاع في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (POMED), “أن سواء نجح المشرعون أم لم ينجحوا في عرقلة صفقة بيع الأسلحة مع إدارة “ترامب”، فإن الضغط يجب أن يدفع المملكة العربية السعودية إلى أن تصبح أكثر اتساقا مع الموقف الأمريكي” و”لكن لا يوجد شيء في إجراءات المملكة العربية السعودية ما يشير إلى حدوث تغيير في ممارساتها في مجال حقوق الإنسان”.
وعلى الرغم من الاحتجاجات الأخيرة من قبل المشرعين الأمريكيين، يلاحظ بيندر أن موافقة الإدارة الأمريكية على سلوك الحكومة السعودية الأخيرة يعتبر علامة مقلقة ولكنها كاشفة على الوضع الراهن, ولكن مع ما قيل، ما يحدث بشكل واضح هو أن المزيد من أعضاء الكونغرس يعارضونه .. وبالتالي فهذه الديناميكية اخذت زخم متزايد, ويبدو أن هذا الوضع الراهن لن يستمر إلى الأبد، خاصة إذا استمرت هذه الأفعال الوقحة والمخزية من جانب المملكة العربية السعودية.
سباق تسلح أحادي الجانب
في الوقت الراهن، يبدو أن المملكة العربية السعودية تشعر بالراحة تحت حماية إدارة ترامب، على حد تعبير بيندر .. مشيراً إلى إعلان الطوارئ باعتباره “مثالاً مثالياً” على كيفية حماية الرئيس للبلدان الخليجية من أي مسؤولية.
يوافق جيف أبرامسون، العضو في جمعية الحد من انتشار الأسلحة وهي مجموعة غير حزبية تركز على سياسات فعالة للحد من انتشار الأسلحة, كما يرى أن من الواضح أن الولايات المتحدة ليس لها نفس القدر من التأثير كما يعتقدون، وبالنظر إلى سلوك المملكة العربية السعودية في اليمن.
لدى المملكة العربية السعودية خيارات أخرى فيما يتعلق بشراء الأسلحة – وهو ما ذكره “ترامب” نفسه- كمبرر لمواصلة السماح بنقل الأسلحة، حتى بعد مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية في الخريف الماضي.
قال “ترامب” في الأسبوع الذي تلا مقتل خاشقجي في 2 أكتوبر, أن هم سوف يأخذون هذا المال وينفقونه في روسيا أو الصين أو في أي مكان آخر.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم دول أخرى أسلحة لا تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، مثل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية المحظور بيعها في الولايات المتحدة بموجب لائحة حظر بيع الصواريخ القادرة على حمل أسلحة الدمار الشامل.
أوضحت المملكة العربية السعودية من جانبها, أنها تنظر إلى برنامج أسلحتها كطريقة للحفاظ على سكانها وتحدي أعدائها في المنطقة، أي إيران.
وفي تصريح لمحطة “سي.بي.اس” التلفزيونية في مقابلة العام الماضي قال ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان أن المملكة العربية السعودية لا ترغب في امتلاك أي قنبلة نووية, ولكن دون شك إذا عملت طهران على تطوير قنبلة نووية فسنتبعها في أسرع وقت ممكن.
الآن، مع وجود أسلحة أمريكية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات في طريقها إلى المملكة العربية السعودية، من المحتمل أن يتصاعد سباق التسلح, إذ يقول جيف أبرامسون من جمعية الحد من الأسلحة ان الوضع الحاصل يشير إلى أن مجلس التعاون الخليجي يقوم بتسليح نفسه كوسيلة لمواجهة إيران، ولكن إيران ليست هناك عندما يتعلق الأمر بالأسلحة, فالحقيقة هي أن سباق التسليح ما هو الا أحادي الجانب, والخلل في القوة لافت للنظر بالفعل.