بقلم: جون ب. ألترمان*

(مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الامريكي ، ترجمة: جواهر الوادعي-سبأ)

إذا ما كانت هناك إستراتيجية حالية للولايات المتحدة تجاه المملكة العربية السعودية فيبدو أنها ستكون عبارة عن مزيج حرج من الوقائع والنقد والإهمال. لطالما كانت العلاقات الثنائية معقدة، إلا أنها الآن محفوفة بالمخاطر. وبشكل خطير، يبدو أن الحكومة الأمريكية كانت تقوم بشخصنة العلاقات والتأكيد على روابط البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي. تتطلب المصالح الأمريكية مقاربة أوسع ،لكن يبدو أن العلاقات تضيق.

ومن الجدير أن نتذكر سبب أهمية العلاقات الأمريكية السعودية بالنسبة للولايات المتحدة. ليس الأمر، كما يفترض الكثيرون ، لأن السعودية تبيع الولايات المتحدة الكثير من النفط. في الواقع انخفض اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي بشكل كبير في العقد الماضي. وبينما لا يزال السعوديون ينظرون إلى علاقات المملكة مع الولايات المتحدة على أنها مهمة من الناحية الإستراتيجية ، فقد تخلوا منذ فترة طويلة عن السعي لأن يصبحوا أكبر مورد أجنبي للنفط للولايات المتحدة ويتطلعون بشكل متزايد إلى آسيا بحثاً عن أسواق نمو جديدة.

ومع ذلك ، فإن المملكة العربية السعودية هي المورد الرئيسي ليس فقط لحلفاء الولايات المتحدة في آسيا مثل كوريا الجنوبية واليابان ، بل أيضًا للصين والهند نظراً لاحتياطياتها الكبيرة. فقدرة المملكة العربية السعودية على فتح صنابيرها النفطية تعمل على تعزيز استقرار أسواق النفط وتحمي هذه الأسواق من الاضطراب بسبب الطقس أو السياسة أو الأعطال الميكانيكية.

لا تساعد حماية الولايات المتحدة لتجارة النفط السعودية في استقرار الأسواق الأمريكية فحسب ، بل تساعد أيضًا في تأمين حلفاء الولايات المتحدة وتبني الدعم المتحالف للولايات المتحدة.

تعد المملكة العربية السعودية أيضًا جهة فاعلة عالمية قوية ، حيث تتمتع بواحد من أكبر عشرين اقتصادًا في العالم ، كما أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي يُعد أعلى من أي اقتصاد كبير باستثناء الولايات المتحدة, صنع القرار فيها مركزي، مما يعني أنه يمكن اتخاذ قرارات كبيرة بسرعة. الحكومة السعودية هي أيضًا مستثمر عالمي رئيسي ، حيث يتم استثمار عشرات المليارات من الدولارات حول العالم بالإضافة إلى عشرات المليارات من الدولارات من الثروات الخاصة المستثمرة.

كما تعد المملكة العربية السعودية ذات ثقل دبلوماسي في الشرق الأوسط ، حيث تستخدم ثروتها ووصايتها على الأماكن المقدسة الإسلامية للتأثير على جيرانها. هناك القليل من الأشياء التي تسعى الولايات المتحدة إلى القيام بها في الشرق الأوسط والتي لا يسهلها التعاون السعودي، والأشياء القليلة التي لا يصعّبها العائق السعودي. في حين أن الولايات المتحدة لا تفعل كل شيء في المنطقة بالتعاون مع شركاء سعوديين ، الا أن تنوع جوانب التنسيق الحكومي الدولي – في الاقتصاد والتمويل ومكافحة الإرهاب والأمن والاستخبارات والدبلوماسية ومجموعة كاملة من الأنشطة الأخرى – ينافس أي حكومة أخرى في العالم.

رغم كل نقاط قوتها تلك، الا أن المملكة العربية السعودية تعاني من نقاط ضعف شديدة. من أهم هذه العوامل الاقتصاد المحلي الذي يعتمد على قوة عاملة أجنبية منخفضة الأجور وعالية الإنتاجية تدعم القوى العاملة السعودية عالية الأجور ومنخفضة الإنتاجية. في حين أن هذه المعادلة كانت تعمل في الماضي ، عندما كان عدد السكان السعوديين أصغر وكان توقعاتهم أقل للخدمات الحكومية ، إلا أنها غير مستدامة.

الانتقال بعيدًا عن تلك الصفقة – إجبار السعوديين على العمل بجدية أكبر وأكثر ذكاءً وبشكل أفضل وضبط توقعات السعوديين لبيئات العمل والأمن الوظيفي نزولاً باستبدال السعوديين عديمي الخبرة بالوافدين ذوي الخبرة والتعامل مع الأثر الاقتصادي لنزوح العمال الأجانب – أمر مؤلم. هذا الانتقال لا يعرض أرباح القطاع الخاص فحسب للخطر ، بل خدمات القطاع العام. ستستغرق إدارة المرحلة الانتقالية عقودًا ونحن فقط في المراحل الأولى.

وهنا تتفاقم مشكلات المملكة العربية السعودية. ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو المهندس، والواجهه، والمؤيد الرئيسي لبرنامج الانتقال في المملكة العربية السعودية، رؤية 2030.

إن المبادرات التي تحمل موافقاته تبحر خلال العقبات البيروقراطية ، وقد لاقى دعمه التنظيمي والمالي والمعنوي للتغيير الحماس الشعبي خاصة في المملكة.

ومع ذلك ، فإن التماهي مع ولي العهد يعد مسؤولية أيضًا. تورط زملائه المقربين في اغتيال الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، قيادته للجهود السعودية لمحاربة ما برز كحرب غير حاسمة في اليمن ومشاركته المباشرة في سجن رئيس وزراء لبنان و علاقته بالاحتجاز المفاجئ لمئات من الأثرياء السعوديين في فندق ريتز كارلتون بالرياض بتهم الفساد وعلاقته بسجن أكثر من عشرة سعوديين يدافعون عن حقوق أكبر للنساء قد جعلته راعياً للمشاكل.

لقد تبخرت حماسة مستثمري التكنولوجيا الغربيين والجامعات والمتاحف التي كانت واضحة جدًا في جولته الأمريكية في الربيع الماضي. كذلك تبخرت الآمال الغربية لنهضة ثقافية سعودية تجلب ليبرالية أكبر وتسامح من خلال التزاوج بين المؤسسات الغربية والسعودية. غلبة الاهتمام بالاستثمار الغربي في المملكة العربية السعودية هي فقط الآن بين البنوك وصناعة النفط ، حيث أن نفس المستثمرين الأجانب الذين وقفوا إلى جانب السعوديين منذ عقود إلا أنهم لم يفعلوا الكثير لتنويع أثر المملكة.

في وقت قريب من زيارة ولي العهد للولايات المتحدة العام الماضي ، قدم له الكثير من الأميركيين الإصلاحات الضرورية في المملكة العربية السعودية. وقالوا “علينا مساعدة ولي العهد على النجاح”. لقد كان من الخطأ التركيز على الفرد وليس على المهمة.

وبالمثل ، من الخطأ الآن أن يتخلى الأمريكيون عن الاهتمام بمشروع الإصلاح السعودي بسبب ارتباطه بولي العهد. المملكة العربية السعودية بلد كبير وتؤثر على مجموعة واسعة من المصالح الأمريكية. لقد تم الاعتراف بضرورة الإصلاح ويتلقى دعم واسع في الحكومة وفي مجتمع الأعمال وفي أوساط الجمهور بشكل عام.

في الوقت نفسه ، من المهم للسعوديين أن يفهموا أنه بقدر ما هو الإصلاح ضروري ، فإن ولي العهد لا يمكن أن يكون سفيرها الرئيسي في العالم. لقد تركت السنتين الأخيرتين علامات بارزة على سمعته ووحّدت مجموعة من منتقدي المملكة العربية السعودية الأجانب الذين لديهم مجموعة متنوعة من المظالم. ففي حين أن الحكومات تسعى للتكيف مع العامة في كثير من الأحيان ، إلا أن العامة يرونهم مستبدين ، والشركات والمؤسسات الثقافية تعتبر نفسها جسوراً للمستقبل تحمي على نحو غيور سمعتهم . هذا الأخير حيوي لانتقال المملكة العربية السعودية.

المملكة العربية السعودية بلد مهم جدًا بالنسبة للولايات المتحدة ليستقر مصيرها على رجل واحد. وكلما أسرع الأمريكيون في تركيز اهتمامهم على المملكة ككل ، كان ذلك أفضل. تدين القيادة السعودية لمواطنيها بتسهيل هذا الانتقال.

………………..

*جون ب. ألترمان النائب الأول للرئيس ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.