السياسية :

مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

نشطت في العقدين الأخيرين العديد من المنظمات والمؤسسات ومراكز الدراسات الصهيونية في المشرق العربي، بعضها بمسمياتها العبرية، وبعضها تحت مسميات غربية وأميركية، في سباق مع الزمن لتحريك مياه التطبيع الراكدة، وهذه المرة توجهت الأنظار إلى المناهج التعليمية العربية، بالتوازي مع تدوير نفايات المسارات السياسية الإنبطاحية الإستسلامية، مُحركها الرئيسي تحسين صورة الكيان الصهيوني الغاصب في أذهان وذاكرة الأجيال العربية الصاعدة، وخلق ذهنية عربية تتماشى مع الهوى “الصهيو – أميركي”، وصهينة الهوى والهوية العربية، وعلمنة الإسلام والأحكام الشرعية.

تغيير المناهج التعليمية العربية وفقاً للهوى “الصهيو – أميركي” جارٍ على قدمٍ وساق تحت شعار “التطوير” و”التحديث” و”الانفتاح”، وقطع أشواطاً كبيرة في العديد من الدول العربية، في مقدمتها مصر والمغرب والأردن والإمارات والبحرين والجزائر، وبصورة نسبية الكويت وقطر، وأخر المهرولين للسباحة في بركة الصهيونية الآسنة “السعودية”، بلد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومبعث نبيهم.

التعديلات التغريبية المتدحرجة طالت المواد المتعلقة بالدور الإفسادي لليهود والمسيحيين الغربيين، والصراع “الصهيوني – الفلسطيني”، وحتى الأحكام الشرعية والفرائض والأخلاق والتعاليم الدينية لم تسلم من عبثهم، والحبل على الجرار.

في هذه القراءة المقتضبة سنكتفي بالتركيز على التغييرات الفلكية التي طالت المناهج التعليمية السعودية في عهد ولي العهد “محمد بن سلمان”، على أمل التوسُّع فيها مستقبلاً، لما لمُخرجاتها من أهمية مفصلية في التأثير على التوجه التعليمي والثقافي الجمعي العربي المستقبلي، بالنظر لأهمية ومكانة السعودية لدى العرب والمسلمين.

الحيثيات والدوافع:

خضعت المناهج التعليمية السعودية لتدقيق مكثف في الغرب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على أميركا، ومنذ ذلك الحين، تعمل الرياض تدريجياً على إزالة المحتوى المنتقد لليهود والصهاينة والغرب من كتبها المدرسية، من أجل تحسين صورتها لدى الغرب، وإبعاد تهمة الإرهاب والتطرف عنها، وهي من اختمرت كتبها التعليمية بالعنف والتطرف والتكفير منذ نشأتها.

بعد وصول “محمد بن سلمان” إلى ولاية العهد، وإعلانه عن خطته “التطويرية” “2030”، مُعززة برزمة من الإصلاحات، على رأسها تغيير المناهج التعليمية، شهدت السعودية تحولات انفتاحية صادمة، تجاوزت كل الخطوط الحمراء والثوابت الدينية والقومية.

ويسعى من وراء هذه الخطوة، العمل على تغيير عقلية المواطن السعودي، كي تتوافق مع ما يريده من اعتماد النهج الغربي في بلاده، والابتعاد عن كل موروث ديني أو عقائدي تربّت عليه أجيال عديدة من شعبه، بحسب مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث المهتم بالشأن السعودي، وصولاً إلى تقبُّل تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني رسمياً، في حال تم اتخاذ القرار بذلك، واتخاذه مسألة وقت بإجماع مُفكري قرود بني صهيون ومُنظّري بقر بني أميركان.

ويبذل النظام السعودي منذ عقودٍ كل ما بوسعه للحصول على الشرعية في الداخل والخارج من خلال وضع بلاده كمهد للإسلام وموطن لأقدس موقعين لدى المسلمين، لكنه في السنوات الأخيرة بدأ ينزع نحو شكل أكثر علمانية من القومية.

وهذا بحسب معهد “إمباكت إس إيه” العبري، “يتسق مع الجهود المبذولة لتخفيف التعصب الديني لليهود، وتمهيد الطريق بشكل تدريجي في حال اتخاذ قرار سياسي بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل”.

ومن أجل إلهاء الشعب السعودي عن جريمة التعديلات في المناهج المدرسية، يعمل “بن سلمان” على تكثيف حفلات المجون، وتحويل بلاده إلى ساحة مفتوحة لاستضافة نجوم الفن والإثارة والدعارة والشذوذ الجنسي في العالم، دون اكتراث للمقدسات الإسلامية في أرض جزيرة العرب.

في تسويق المبررات يدعي “بن سلمان” العمل على تطهير المناهج التعليمية من الشوائب، وإزالة المواد التي تتهجم على الأديان الأخرى، وهي محاولة عبثية لإيهام أولياء نعمته في تل أبيب والبيت الأسود بأن بلاده أصبحت منفتحة، وأنها رمت بكل قيود المؤسسة الدينية عرض الحائط، لكنه للأسف لم يرمِ قيود المؤسسة الدينية وثوابت الزواج المقدس بينها وبين المؤسسة الحاكمة الممتد لأكثر من ثلاثة قرون بل رمى كل تعاليم الإسلام عرض الحائط، غير أسفٍ ما دام ذلك يُمهد الطريق للتربع على كُرسي الحكم.

كما ادعى المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن “فهد ناظر” عام 2020، أن مسؤولي التعليم في بلاده، “وجدوا بعض المواد المرفوضة والمُسيئة في الكتب المدرسية، وبذلوا جهوداً لإزالتها من المنهج بأكمله، واستبدالها بمواد تُعزز الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي”، وهي أكذوبة جديدة تصب في ذات السياق.

إجراءات “بن سلمان” نالت مُباركة واشنطن منذ اليوم الأول لإعلانها، وقال حينها وزير خارجيتها، “ريكس تيلرسون”، أن “السعودية بدأت بمواجهة الدعاية المتطرّفة من خلال إدراج مواد جديدة وسحب أخرى من مناهجها المدرسية”، وأضاف وزير التعليم السعودي حينها، “أحمد بن محمد العيسى”، أن “بلاده بدأت بالتعامل مع الرابطة الأميركية الوطنية لتعليم الأطفال الصغار – نايك، من أجل تصميم مناهج ومعايير منهجية جديدة”.

كبيرة الباحثين المُقيمين في معهد “دول الخليج” بواشنطن، “كريستين ديوان”، أكدت هي الأخرى تماشي:

“التغييرات التي طالت المناهج المدرسية السعودية مع التوجه السياسي الجديد للمملكة “، ومع “أهمية الأسرة الحاكمة في شرعيتها”.

ويدّعي الأميركان وجود العديد من المواد المُثيرة لقلق أمنهم القومي في المناهج التعليمية السعودية، تُحرِّض على قتل وتدمير غير المسلمين، ومُعاداة السامية، لذا حث الكونغرس الأميركي بوضوح في نحو العام 2016 السلطات السعودية، على حذف بعض آيات القرآن الكريم، التي تتناول بني “إسرائيل” والجهاد ضد الكفار، تتابعت بعدها طلبات الحذف والتعديل والإضافة كالسيل المنهمر.

وأعاد مسؤولان أميركيان، في حديث لمجلة “التايم”، الفضل في التغييرات الجديدة في المهلكة، لولي العهد “محمد بن سلمان”، وأكدا تزامنها مع حث واشنطن للمملكة على التطبيع مع الكيان الصهيوني، ووصفت صحيفة “الديلي تليغراف” البريطانية، ذلك التغيير، بأنه “جُزء من تغييرات وتوجهات أعم في المملكة، تسمح بوجود علاقات دائمة مع اليهود والقبول بوجودهم في المنطقة”.

المثير للسخرية وضع النظام السعودي تلك المناهج المعادية للغرب والسامية والكفار التي تطالب واشنطن بتغييرها اليوم بطلب وإشراف من واشنطن ذاتها خلال الغزو السوفياتي لأفغانستان في سبعينيات القرن العشرين الميلادي، واليوم يتم حذفها بطلب وإشراف أميركي وصهيوني لتتماشى مع أجواء التطبيع.

الأهداف والغايات:

تعمل المنظمات “الصهيو – أميركية، على تحقيق عدة أهداف من وراء صهينة المناهج التعليمية العربية، بما لذلك المنحى الخطير من تداعيات كارثية، ستمتد تأثيراتها على الأجيال العربية لعقود قادمة، منها:

1 – تغيير بُنية عقليات وثقافات وقناعات وتوجهات شعوب وأجيال جزيرة العرب والأمة العربية، وتغريبها ثقافياً وفكرياً وأخلاقياً، ومسخ هويتها ومُجتمعاتها، وسلخها عن دينها وعروبتها، وترسيخ مفاهيم تنافي تعاليم الإسلام وأخلاق العرب وتُهدّد بتجريف مبادئ الأجيال وقيمها.

2 – خلق شعوب عربية مُهجنة ومنبطحة لا تفقه من دينها سوى الاسم، وتربية جيل عربي سلبي خانع لا يعرف معاداة أو كراهية الغرب أو الكيان الصهيوني الغاصب، وصولاً إلى ترسيخ مفهوم عدم معاداة السامية في الذهنية العربية، وتحويل العلمانية إلى دين يتعبده الناس من دون الله.

3 – تمهيد “بن سلمان” الطريق أمام بلاده للالتحاق بقطار التطبيع، والذي لم تعد حلقاته مُقتصرة على التماهي الإستلابي في المجالين التعليمي والثقافي.

4 – وضع المناهج التعليمية الجديدة، “اليهود” في مرتبة متساوية مع “المسلمين”، من خلال الاستشهاد بنصوص تدعي اعتراف الإسلام بالتوراة ككتاب مقدس، وأن الإسلام يُبيح أكل طعام “الكوشر”، وهو الأكل الحلال في الدين اليهودي، والاعتراف بحق اليهود في أرض فلسطين السليبة، والادعاء بوجود صلة دينية لليهود بأرض فلسطين التاريخية من خلال تضمين المناهج مُصطلحات جديدة كـ “الأرض اليهودية” و”أورشليم”.

5 – إيهام الطلبة السعوديين والعرب بأن اليهود حِملٌ وديع، لحقهم الكثير من الظلم قبل 70 عاماً ولا زالوا، وأنهم شعبٌ بلا أرض، تعرضوا لأبشع جرائم القتل في تاريخ البشرية من خلال “الهولوكوست”، وهي محرقة مزعومة إدعى اليهود أن “هتلر” والنازية الألمان قتلوا 6 ملايين يهودي حرقاً في الحرب العالمية الأولى، ولا زالت هذه الأكذوبة ورقة ابتزاز يُمارسها الصهاينة على ألمانيا إلى يوم الناس، ويعملون بكل الوسائل على تحويلها إلى حقيقة وتاريخ، وللأسف وجدوا من أشباه الرجال والنساء في أوساط المثقفين العرب من يُصدِّقها ويُسوِّقها.

ولم يتوقف النظام السعودي عند حدود تدريس هذه الأكذوبة في مناهجه، بل وشهدت السنوات الماضية زيارة رئيس رابطة العالم الإسلامي “محمد العيسي” لمتحف تخليد ذكرى المحرقة اليهودية وعِش رجباً ترى عجباً.

فرشات العمل:

تعتمد المنظمات “الصهيو – أميركية” عدة طُرق لتحقيق غايتها الشيطانية الرامية إلى صهينة المناهج التعليمية العربية، منها:

1 – عقد لقاءات مُتتالية مع معظم المسؤولين العرب الزائرين للعاصمة الأميركية والبريطانية، وهذا مقتصرٌ على الدول العربية التي لا زالت تخجل من الإفصاح عن مياه التطبيع الجارية من تحت الطاولة بكرمٍ حاتمي، كما هو حال السعودية.

2 – إثارة أعضاء الكونغرس والمسؤولين الأميركيين ضرورة تغيير وتحديث المناهج في لقاءاتهم مع المسؤولين العرب، وممارسة السلطات الأميركية ضغوطاً واسعة من أجل تمرير عملية الصهينة التعليمية والثقافية بسلاسة.

3 – إدراج المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وهيئات المعونة الإنسانية عملية تغيير المناهج تحت مسمى الابتكار والإصلاح والتطوير والتحديث.

4 – استخدام حملات ضغط أخرى تشمل الإعلام والتشهير.

المجالات والفئات المستهدفة:

تعمل عملية صهينة المناهج التعليمية العربية على إضافة 5 مجالات، هي:

1 – الدين المقارن.

2 – كيفية التعامل مع أتباع الديانات الأخرى.

3 – صراع الحضارات.

4 – السلام والحرب والجهاد.

5 – التربية المدنية وحقوق الإنسان.

وجرى التركيز على الفئات العمرية التعليمية الصغيرة بصورة أساسية، بدءً برياض الأطفال وانتهاءً بالجامعات، لأنها الأكثر قابلية للتغيير والتوجيه والبرمجة والتدجين، وفي هذا يقول الرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير “إيه دي إل”، “جوناثن غرينبلات” ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق “توني بلير” في تقريرٍ مشترك:

“إن تربية جيل جديد تحرر من التفكير البغيض في الماضي يمكن أن يُؤدي إلى نشوء أقوى الأبطال ممن يعملون من أجل الرخاء والسلام على نطاق المنطقة”.

بمعنى خلق جيل مسخ مسلوب القرار والإرادة والسيادة والهوية والشخصية.

على مستوى القادة توجهت الأنظار إلى الفئات الحاكمة الشابة خصوصاً في دول الخليج، لأنها الأكثر انبهاراً بالحضارة الغربية والأفكار العلمانية التغريبية، وترى الباحثة المهتمة بدول الخليج في جامعة “إدنبرة” الأسكتلندية “ميرا الحسين” أن: “قادة دول الخليج الجديدة حديثون وذوو تفكير تقدمي وميول علمانية”.

وعن أسباب سُرعة استجابتهم للمطالبة “الصهيو – أميركية” بتغيير المناهج التعليمية في بلدانهم رغم المعارضة الشديدة من شعوبهم، تُعيدها “ميرا حسين” إلى رغبتهم الجامحة في “جذب جمهور خارجي مُحدد إلى دولهم”، و”هذا الأمر طموح للغاية للحكومات أن تقوم فجأة بـ 180 مُنعطف، وتبدأ في الوعظ بالتسامح، إن الاعتماد على ذاكرة الناس القصيرة مُضلل في هذه الحالة”.

وهو بالفعل مُضلل، لأن هذه الزعامات الشابة وجدت في بوابة التطبيع بتلاوينها طوق نجاة لحماية أنظمتها المتهالكة من غضب شعوبها المحكومة بالنار والحديد، والقضاء على معارضيها المحليين، وتبييض سجلاتها السوداء في مجال الحقوق والحريات العامة الداخلية أمام المجتمع الدولي.

المنظمات “الصهيو – أميركية” الناشطة:

هناك العديد من المنظمات التي نشطت في مجال المراقبة والمتابعة والإشراف على عملية تغيير المناهج التعليمية العربية، والدفاع عن الكيان الصهيوني الغاصب، وتحسين صورته في الذاكرة العربية، وتبييض جرائمه، والعمل على إدماجه في منظومات العلاقات البينية في المشرق العربي.

ظهرت هذه المنظمات بصورة علنية على المسرح السياسي الخليجي تحديداً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، مستغلة توجيه الغرب والأميركان الاتهامات لزعامات دينية ممولة من السعودية أو حاضنة لها فكرياً، للتغول في المشهد العربي بكل تفاصيله.

وأصدرت في السنوات الأخيرة العديد من التقارير عن منجزاتها في مجال تغيير المناهج التعليمية، واعتمدت في ذلك منهجية الحذف للنصوص التي لا تتوافق مع الهوى الصهيوني والغربي، الإضافة لنصوص ادعت أنها تُكرّس مفاهيم التعايش والسلام وتقبُّل الكيان الصهيوني الغاصب في منظومة التعاون العربي المشتركة، وإشاعة ثقافة الانفتاح والتحرر العلماني، وعدم معاداة السامية، ومن أبرز تلك المنظمات:

1 – رابطة مكافحة التشهير “إيه دي إل”:

مقرها أميركا، وهي متخصصة بالدفاع عن الكيان الصهيوني الغاصب.

أصدرت في العام 2021 تقريراً بالاشتراك مع معهد “توني بلير للتغيير العالمي” – يُديره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “توني بلير”، حمل عنوان “تعليم السلام والتسامح في العالم العربي بعد عقدين من 11 سبتمبر”.

دعت في تقريرها إلى مواصلة الضغط على الدول العربية من أجل إدراج رُزمة من المطالب في المناهج التعليمية، منها:

أ – إدراج دولة الكيان الصهيوني الغاصب على الخرائط العربية.

ب – تعليم الطلاب العرب عملية السلام مع الكيان الصهيوني الغاصب، وتعريفهم بمذابح الهولوكوست الخرافية الوهمية.

ج – مراجعة المحتويات المُشيطنة للصهاينة والغرب.

د – إزالة الدروس المدرسية التي تتهم الغرب بالغزو الفكري.

هـ – العمل على توسيع الدروس التي تُعلّم الحوار والتعاون بين الحضارات والأديان.

وأشادت بـ “وجود بعض المحتويات الإيجابية والمُبتكرة في الكتب المدرسية لمعظم البلدان العربية، لكن في العديد من المجالات الجوهرية للسلام والتسامح، لا يزال هناك مجال واسع للتحسين”.

2 – معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي “إمباكت إس إيه”:

وهو مركز دراسات عبري متخصص بمراقبة مناهج التعليم المدرسي في البلدان العربية والإسلامية، ورصد حجم التغيير فيها، والإشراف على تغييرها، مقره القدس المحتلة ولندن.

نشط في السنوات الأخيرة في مصر والبحرين والإمارات والسعودية، وأشرف على إحداث تغيير جذري في مناهج تلك الدول، طال كل ما يعتقد الصهاينة أن يتحدث عنهم بصورة سلبية.

أصدر عدة تقارير عن حجم الاستجابة للتغيير في السعودية، أخرها في يونيو 2023، وركز على حجم التغييرات في مناهج العامين الدراسيين “2019/ 2020” و”2022/ 2023″، وسجل عدة ملاحظات على تعديلات العام 2019، منها أن اللجان المعنية بالتعديلات لم تحذف بالكامل الفقرات المعادية لليهود أو الجماعات الدينية الأخرى واضطهاد المرأة، وهو ما تم استيعابه في تعديلات “2022/ 2023”.

وتابع عملية التغيير التي جرت على المناهج التعليمية السعودية منذ أوائل العام 2000، وطالت أكثر من 80 كتاباً مدرسياً في منهج العام الدراسي “2022/ 2023″، وأكثر من 180 كتاباً مدرسياً من المناهج السابقة، مُعتبراً ذلك “علامة مُشجعة، تشير إلى أن التقدم قد يشمل مواقف تجاه إسرائيل والصهيونية”، وتحدث وزير التعليم السعودي الدكتور “حمد آل الشيخ” في تصريحٍ بتاريخ 20 أغسطس 2021، عن إجراء 120 ألف تعديل طال نحو 89 كتاباً تعليمياً، و34 كتاباً ومنهجاً تم استحداثها، ليصل مجموع المقررات المستحدثة إلى 52 كتاباً.

وأكد المعهد إلغاء النظام السعودي أجزاءً كبيرة من مناهجه الدراسية، للتخلص من “أفكار معادية للسامية وأخرى تؤيد المتشددين الإسلاميين”، وهذا بحسب زعمه تحول تاريخي في توجهات المملكة.

ووصف مديره “ماركوس شيف”، تلك التطورات بـ “المدهشة”، وأضاف بأن قُطعان كيان الاحتلال الصهيوني الغاصب فخورين للغاية بإزالة ما يُعادِ السامية من المناهج السعودية، خصوصاً حذف حديث “لن تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبدالله ورائي يهودي فتعال فاقتله”.

وامتدح الكاتب العبري “دانيئيل سلامي” المناهج الدراسية السعودية، لأنها بدأت تشهد “تغييرات جوهرية”، ولم تُعد تتحدث عن “الخطر الصهيوني”، أو “حكم الصهيونية للعالم بالمال والمخدرات”، مؤكداً بأن “روح التقارب بين تل أبيب والرياض قد بدأت بأخذ طريقها نحو إزالة المحتوى المعادي لإسرائيل من الكتب المدرسية السعودية”.

تعديلات سعودية متدحرجة:

أجرت الرياض تغييرات كبيرة على مناهجها التعليمية، للأسف الشديد قامت على تغييب القضية الفلسطينية بصورة كلية منها، بعد أن كانت تتشدق بعدم التفريط بها.

من أبرز التعديلات في مناهجها للعامين الدراسيين 2019/ 2020 و2022/ 2023:

1 – إلغاء كلمة “فلسطين” من خرائط كتاب الجغرافيا للمرحلة الثانوية، وترك المكان شاغراً، في ظل ضغط أميركي صهيوني لإدراج كلمة إسرائيل في الخرائط، وبالفعل تم إدراجها في مناهج عدة دول عربية، وتجنبت المناهج الجديدة إدراج خرائط تضع حُدوداً للكيان الصهيوني الغاصب، ومناطق السلطة الفلسطينية.

2 – استبدال كلمة “الصهيونية” و”العدو الإسرائيلي” أو “العدو الصهيوني” و”الجيش الصهيوني” بـ “إسرائيل” و”الاحتلال الإسرائيلي” و”جيش الاحتلال الإسرائيلي” و”الجيش الإسرائيلي”، وكلمة “النكبة الفلسطينية” بـ “الحرب الفلسطينية 1948″، في مقدمة لتربية الجيل العربي على أن الكيان الصهيوني الغاصب لم يعد عدو العرب والمسلمين الأوحد، بل صديق حميم وشعب مظلوم له الحق في الحياة والبقاء.

ومن المفارقات العجيبة وصف أدبيات الأمم المتحدة ما جرى في العام 1948 بالنكبة والنكسة، بينما يصفها المنهج السعودي المهجن بالحرب.

3 – إزالة مصطلح “الكيان الصهيوني” أو الدولة “غير الشرعية” التي أقيمت بهدف التوسع على حساب الفلسطينيين.

4 – استبدال مصطلحات مدينة “القدس” أو “بيت المقدس” بمدينة “أورشليم”، وإبراز ارتباط اليهود بما يُسمى “هيكل سليمان” على اعتبار أنه حق توراتي.

5 – إزالة درس للشعر الوطني من كتاب اللغة العربية للمرحلة الثانوية يتحدث عن “معارضة الاستيطان اليهودي في فلسطين المحتلة”، و”احتلال اليهود للأرض المقدسة”، وحذف فصل كامل بعنوان “الخطر الصهيوني”، وإزالة صور للمسجد الأقصى، ومادة تعريفية بأنه موجودٌ في القدس المحتلة.

6 – حذف مادة تتحدث عن النتائج الإيجابية للانتفاضة الفلسطينية الأولى من كتاب الدراسات الاجتماعية المقرر على طلاب الثانوية، وإزالة فصل كامل يتحدث عن القضية الفلسطينية، وإلغاء كتب التاريخ عبارة تقول إنّ منظمة التعاون الإسلامي تأسست إثر “الحريق الإجرامي الذي ارتُكب على يد عناصر صهيونية في مدينة القدس المحتلة عام 1969″، والاكتفاء بذكر تاريخ تأسيس المنظمة وأهدافها، ولم يعد الكتاب يعترف بتورّط إسرائيل في حريق المسجد الأقصى عام 1969.

7 – تغيير عبارة “محاولة إنشاء الكيان الصهيوني” إلى “الانتداب البريطاني لفلسطين”، مُخففاً التدخل البريطاني في عملية إنشاء الكيان الغاصب وتمكينه من أرض فلسطين السليبة، ومُقللاً من أهمية السيطرة اليهودية على أجهزة دولة الكيان الغاصب الناشئة واقتصادها، وإزالة التصريحات المتعلقة بـ “تعيين عدد كبير من اليهود في مناصب رفيعة” من قبل البريطانيين، و”تسهيل شؤون اليهود لتنظيم أنفسهم وتدريبهم على استخدام الأسلحة النارية”، و”دعم اليهود اقتصادياً وعسكرياً”، وحذف بيان يفيد بأن المفوض السامي الأول لفلسطين “هربرت صموئيل” كان يهودياً وليس بريطانياً.

8 – إزالة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحذر من الدور الإفسادي لليهود، وترسم للمسلمين من هم أعداؤهم ومن يشكل خطورة عليهم.

9 – حذف فقرات تتحدث عن سعي اليهود للسيطرة على العالم، وتُحذر من مخططاتهم لإقامة دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات مروراً بالمدينة المنورة.

10 – حذف نص نبوي من منهج الصف السابع يتحدث عن الحرب بين اليهود والمسلمين بأنها أمر حتمي يقتُل فيها المسلمون اليهود، تحدث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنها تكون في نهاية الزمان: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ويختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر ويقول الحجر والشجر، يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي ورائي تعال واقتله”.

11 – إزالة مادة من كتاب الدراسات الاجتماعية الخاصة بالثانوية، تتحدث عن “ذكر أحد المزاعم الصهيونية المتعلقة بحقهم في أرض فلسطين العربية”، ودحضها بالوثائق التاريخية والدينية، وحذف نص يتحدث عن عدم وجود حقوق دينية تاريخية لليهود بأرض فلسطين، ونص يشرح آية من سورة البقرة، تُحذر من تقليد اليهود في عمل الحيل للإفلات من شرع الله، كما فعل “أصحاب السبت” الذين تحولوا إلى قرود.

12 – إزالة أغلب الآيات القرآنية التي تهاجم عبادة الأصنام والشيطان وتشير إلى عذاب الله بتحويل بعض اليهود إلى قرود وخنازير من كتب الدراسات الإسلامية، وحذف الآيات التي تتهم اليهود بالكذب على الله وقتل الأنبياء والخروج عن دين الله، وتدعو لمحاربتهم إلا أن يدفعوا الجزية.

13 – منع عرض الكتب المعادية للسامية في المعارض الدولية للكتاب.

14 – إدراج نصوص في كتب التربية الإسلامية الجديدة تتحدث عن الإيجابية في العلاقات بين اليهود والديانات الإسلامية والمسيحية، باعتبارها المصدر الرئيسي لحقوق الإنسان والحريات العامة، وأن الوصايا العشر التي نقلها نبي الله موسى عليه السلام لقومه، هي الأرضية التي يجب التمسك بها في العلاقات بين الشعوب بغض النظر عن الهوية والدين والعرق، وأن أعظم أشكال التعايش بين الديانات الثلاثة، هي زواج الرجال المسلمين أو المسيحيين من النساء اليهوديات.

والأكثر إثارة تماهي علماء السلاطين في المهلكة مع توجهات “بن سلمان”، من ذلك دعوة إمام المسجد الحرام في مكة المكرمة، “عبدالرحمن السديس” في 6 سبتمبر 2020، إلى الحوار والعطف مع غير المسلمين، وأشار بالتحديد إلى اليهود.

وامتد الأمر إلى وسائل الإعلام السعودية، حيث عرضت قناة MBC قبل ثلاثة أعوام المسلسل الدرامي “أم هارون”، ونالت هذه الخطوة إشادة معهد “إمباكت إس إيه” العبري، معتبراً المسلسل رسالة واضحة أن “اليهود والمسيحيين والمسلمين يعيشون معاً في سلام”.

15 – حذف الإشارات التي تُشيطن اليهود والمسيحيين، وتصفهم بأنهم غير مُؤمنين، والنصوص التي تصف اليهود بأنهم غير مُطيعين.

16 – إزالة 19 محتوى يتعلق بالموقف من المسيحيين واليهود، وإلغاء النصوص القرآنية التي تُحض على “الكراهية” تجاه الأديان الأخرى، وتُحرِّم الصداقات مع اليهود والمسيحيين.

17 – حذف النصوص التي تتحدث عن الأحكام الشرعية في الزنا وأفعال الشذوذ الجنسي “المثليين” وأعمال السحر والكفر والشعوذة، ومنح تسهيلات للمثليين الأجانب، ومُؤيدي الشذوذ الجنسي الزائرين للمهلكة، ما جعل السعودية في الأعوام الأخيرة من أهم الوجهات للمثليين والشاذين في العالم.

18 – إدخال مواد تنتقد الجماعات الإسلامية مثل حزب الله والقاعدة وأنصار الله والإخوان المسلمين.

19 – إدراج المفكر الأميركي المعروف بمعاداته للإسلام “صموئيل هنتنغتون” صاحب نظرية صراع الحضارات وعدد من المفكرين الغربيين الآخرين المعادين للإسلام في المناهج، في سابقة خطيرة.

20 – حذف بعض المناهج من “كتاب التوحيد” لزعيم الوهابية الشيخ “محمد بن عبدالوهاب”.

21 – حذف حديث نبوي يروي أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم طلب من خادمه قبل موته، أن يدخل الإسلام، قائلاً: “الحمد لله إن الله أنقذه من النار”.

22 – حُذف نصّ يذكر أن “الشهادة هدية من الله وشرفٌ إلهي”، والنصوص المتعلّقة بمحو خطايا الشهداء.

23 – حذف وحدة كاملة تتحدث عن الجهاد، وإعادة صياغة كيفية تدريس مفهوم الجهاد بما يتوافق مع الهوى “الصهيو – أميركي”، تحت مبرر الحد مما أسموه “احتمالات تجنيد الإرهابيين”، وإدراج دروس تمنع الجهاد المسلح منعاً باتاً إذا لم يوافق الحاكم أو الوالد على ذلك.

24 – تضمين كتاب الصف السابع صورة كرتونية لامرأة باسمة، تقول: “أعتقد أن إضافة مواد اقتصادية على المقرر أمر إيجابي”.

فيرد رجل: “ما هذا الرأي؟، من أنتِ حتى تقولي هذا الشيئ؟”.

وتعليم الجواب باللون الأحمر من أجل تشجيع التلاميذ على النقد.

ولهذه الغاية تم إضافة كتابين إلى المناهج بعنوان “التفكير النقدي”، بهدف ما أسموه الترويج لـ “الحوار واحترام الآخر، والتشجّع على السلام والتعايش من خلال التركيز على معاهدات واتفاقيات تاريخية بين المسلمين الأوائل وغير المسلمين تحت سقف الإسلام”.

وإضافة نص بعنوان “الإسلام يحمل رسالة السلام”، ضمنوه 8 أمثلة عن اتفاقيات تاريخية عقدها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع مجتمعات غير المسلمين، منها اتفاق المدينة مع اليهود، المعاهدة مع يهود خيبر، سلام نجران مع المسيحيين، عقدَي مصالحة مع قبائل عربية، وأدرجوا تلك الاتفاقيات في إطار “تعزيز الشراكة بين أتباع الديانات والثقافات في القضايا المشتركة، وترسيخ معاني التعايش الإنساني”.

المراجع:

1 – عمر البدوي، 120 ألف تعديل في كتب المناهج بالسعودية، صحيفة الشرق الأوسط، 21 أغسطس 2021.

2 – فراس دالاتي، هل تعديل السعودية لمناهجها الدراسية مؤشر على تغيير سياستها تجاه إسرائيل؟، العربي الجديد، 23 يوليو 2023.

3 – منصور العلي، مناهج التعليم السعودية: نماذج من التعديلات، مرآة الجزيرة، 4 يوليو 2023.

4 – نضال خلف، قراءة صهيونية في مناهج التعليم السعودية: أكثر انفتاحاً واعتدالاً .. وأقلّ عداءً لإسرائيل، صحيفة الاخبار اللبنانية، 23 يونيو 2023.

5 – ياسر باعامر، تغيير المناهج الإسلامية بالسعودية، الجزيرة نت، 26 يوليو 2010.

6 – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث، تغيير المناهج الدراسية السعودية الحلقة الأخيرة قبل التطبيع مع إسرائيل، 23 ديسمبر 2020.

7 – موقع الخنادق نقلاً عن شبكة “سي إن إن” الأميركية، ما وراء التعديلات على المناهج التعليمية في السعودية؟، 4 يونيو 2023.

8 – صحيفة “حديث الناس”، السعودية تحذف حديثاً نبوياً وتُعدّل مناهج التعليم تمهيداً للتطبيع مع إسرائيل، 2 فبراير 2021.

9 – موقع خليج 24، ابن سلمان يحذف آيات من القرآن .. معهد إسرائيلي يكشف المستور عن السعودية، 3 يوليو 2022.

10 – موقع سعودي ليكس، ماذا حذف محمد بن سلمان من المناهج التعليمية؟، 23 ديسمبر 2020.

11 – موقع منتدى العلماء المصري، تغيير مناهج التعليم في العالم العربي .. نحو جيل لا يعرف معاداة إسرائيل، 13 ديسمبر 2021.