“إزفستيا”: رؤية روسية للتغيير في الغابون
السياسية:
يتحدث نائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، أوليغ كاربوفيتش، على صفحات “إزفستيا” المسكوفية، عن السبب الذي جعل ثوره الغابون يُظهر تغييرات عميقة في القارة الأفريقية، وعن كيفية فهم الاتحاد الروسي لسياق الصحوة الأفريقية الأخيرة.
وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
تغيير عسكري آخر في أفريقيا، هذه المرة في الغابون. يعتبر هذا الانقلاب دليلاً واضحاً على التغيرات البالغة الأهمية والعميقة التي تجري في هذه القارة. خضعت معظم البلدان الأفريقية لمنطق الاستعمار الجديد، لسنوات عديدة، تحت سلطة عواصم الاستعمار السابقة والولايات المتحدة الأميركية.
استخدم الغرب الجماعي الدول الأفريقية، في البداية، كمعقل للحرب الباردة، ثم كمنابع للمواد الخام، وحدّث السكان المحليين بالديمقراطية، بينما في الواقع كل ما فعله هو إبقاء الشخصيات التابعة له في السلطة إلى أجل غير مسمى، فهيمن على تلك الدول الدكتاتوريون وزعماء القبائل والمحتالون السياسيون.
أما الغابون، فقد أغرقتها عائلة بونغو، التي حكمت البلاد لأكثر من نصف قرن، في الفساد والمحسوبية، على الرغم من أنها ضمنت لبعض الوقت مؤشرات اقتصادية لائقة نسبياً وفقاً للمعايير الأفريقية. وفي النيجر وبوركينا فاسو ومالي، حيث حدثت انقلابات في وقت سابق، غضّ القيمون الغربيون الطرف تماماً عن انهيار مؤسسات الدولة والفقر المدقع، واكتفوا بإيهام شعوبها بتقديم المساعدة.
يمكن للمرء أن يتذكر كيف قامت الولايات المتحدة في السابق بتحويل أفريقيا، غير مرة، إلى منطقة من الفوضى الخاضعة للسيطرة، حيث دعمت أولاً، الديكتاتوريات الدموية في دول مثل زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن)، والصومال، وليبيريا، وسيراليون، ثم شاهدت بسخرية كيف أن جيوش المتمردين والفصائل المسلحة المختلفة تجزئ البلاد وتقطع أوصالها. كما أن تصاعد الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي الشمالي منشؤه الغرب أيضاً، فبعد إطاحة معمر القذافي غزت البلدان المجاورة موجات من الأسلحة والمقاتلين المتطرفين. وقد تولت فرنسا إنجاز المغامرة الليبية، واستنسختها في البلدان الأخرى، وهي تستمر في امتصاص موارد مستعمراتها السابقة.
لم تعاني الغابون من خطر الإرهاب، ولكن كما هي الحال في دول غرب أفريقيا، شمال خط الاستواء، سئم السكان المحليون من المنطق الاستعماري لباريس وواشنطن، اللتين لم تعيرا المشاكل المتزايدة في البلاد واغتصاب السلطة من قبل قبيلة قمعية أي اهتمام. فضلاً عن ذلك، فقد تعلمت القوى الغربية كيف تفرض ببراعة تهديداً إرهابياً في بعض البلدان، مستشعرة خطر إضعاف سيطرتها.
حتى وقت قريب، كان من الصعب تصور ظهور جماعات إسلامية مسلحة في موزمبيق أو جمهورية الكونغو الديمقراطية أو بوركينا فاسو، لكنها باتت ترهب هذه البلاد بكل قوتها اليوم. ويمكن القول إن الجيش الغابوني، الذي لاحظ هذه السوابق، نفذ خطوة استباقية، مفضلاً تولي زمام الأمور بيده وإطاحة الزعيم الذي لا يحظى بشعبية كبيرة.
بطبيعة الحال، تتغير السلطة في عدد متزايد من البلدان نتيجة للثورات وليس الانتخابات، وهو أمر مثير للقلق، ولكن الدعم الشعبي الهائل الذي يتلقاه المتمردون في ما يخص الدول الأفريقية، يظهر أن الديمقراطية الزائفة المستوردة لم تحظ بالقبول الجماهيري قط. في الدول الأفريقية، يظل الجيش الذي يتمتع بخبرة قتالية أحد المؤسسات القليلة الجديرة بالثقة.
في الوقت نفسه، وكما أظهرت قمتا “روسيا وأفريقيا” وقمة مجموعة “البريكس”، فإن القادة الأفارقة من الجيل الجديد، بما في ذلك أولئك الذين وجدوا أنفسهم على رأس السلطة نتيجة للأزمات الأخيرة، يحولون أنظارهم بشكل متزايد نحو لاعبين عالميين جدد. ليس من المستغرب أن تُرى الأعلام الروسية بشكل متزايد في المسيرات الداعمة للانقلابات العسكرية.
فبعدما أصيبت الشعوب بخيبة أمل كاملة من النظام العالمي المتمركز حول الغرب، يرى سكان القارة الأفريقية في موسكو قوة عادلة وقوية يمكنها، من دون محاضرات أو مواعظ أخلاقية، أن تساعدهم في حل المشكلات التي طال أمدها لتحقيق الاستقرار. ستتخطى هذه الشعوب الثورات العسكرية التي لن تغدو تقليداً، وسوف نقدم لها المساعدة بالتأكيد.
* المصدر: موقع الميادين نت
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر