السياسية:

تكشف التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة التي رصدت في منطقة البوكمال، إضافة للاستهداف الإسرائيلي المتكرر، عن مشروع أمريكي بدأ تنفيذه بالفعل. وبدا من الملاحظ، تداول مراكز الأبحاث الأمريكية قضية الشمال السوري بشكل لافت خلال المرحلة الماضية، من بينها معهد هادسون للأبحاث الأمنية والذي قدم ما أسماها “خارطة طريق للهروب من المتاهة السورية”.

وتقدم الورقة تفاصيل دقيقة لكيفية استعادة السيطرة الأمريكية على سوريا، وتحقيق أهداف استراتيجية تتمثل بقطع طريق الامداد البري في البوكمال عبر انشاء نموذج كردستان في محافظة دير الزور وضمان عدم عودة المناطق النفطية إلى سيطرة الدولة السورية.

ولأجل ذلك، تتطلع الولايات المتحدة إلى تركيا كشريك مثالي يكون ندّاً لروسيا ومشاركاً فاعلاً في تنفيذ المشروع، بعد إرضاء أنقرة بوقف الدعم للأكراد في الشمال السوري.

تكمن أهمية الدراسة كونها قد أتت بعد 6 أشهر من عودة النشاط العسكري والأمني الأمريكي في تلك المنطقة. في حين أن كاتب الدراسة، مايكل دوران، كان قد شغل منصب مدير أول في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، ومستشار كبير في وزارة الخارجية ونائب مساعد وزير دفاع وكان مسؤولاً عن المساعدة في وضع تنسيق استراتيجيات واشنطن بشأن بعض قضايا المنطقة. وهنا أبرز ما ورد في الدراسة التوثيقية والتوصيات التي قدمها دوران:

سرعان ما أدى اندلاع أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945 إلى رفع أولويتين جديدتين إلى قمة أجندة الرئيس جو بايدن: البحث عن شركاء عسكريين قادرين على موازنة روسيا، والبحث عن موردي الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

ورغم أنها ليست موردًا رئيسيًا، فقد لعبت تركيا دورًا أساسيًا في بناء ممر الغاز الجنوبي (SGC)، الذي ينقل الغاز من أذربيجان إلى إيطاليا عبر جورجيا وتركيا واليونان وألبانيا. وفي أكتوبر، بدأت اليونان وبلغاريا التشغيل التجاري لخط ربط داخلي، وهو خط أنابيب يبلغ طوله 113 ميلاً ينقل الغاز الأذربيجاني من SGC إلى بلغاريا، مما يقلل من اعتماد جنوب شرق أوروبا على الإمدادات الروسية.

يقول مارك توين: “لقد خلق الله الحرب لتعليم الأمريكيين الجغرافيا”. إن الشك في أصول هذا القول المأثور لا يقلل من حدته. لقد أقنعت حرب أوكرانيا فريق بايدن ببدء العمل الشاق المتمثل في إعادة “الجغرافيا” إلى الإستراتيجية الجيوستراتيجية الأمريكية من خلال إعادة تقييم دور تركيا في السياسة الخارجية الأمريكية.

في حين، تقف المبادرة الدبلوماسية التي أطلقها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين كحجر عثرة. وإذا أثمرت مناورة بوتين الدبلوماسية الحالية مع أردوغان، فسوف يتمكن من مبادلة وحدات حماية الشعب الكردي (جزء من ميليشيا قسد) بأمريكا في مقابل علاقتها مع تركيا – وهي تجارة غير حكيمة من وجهة نظر الولايات المتحدة.

كيف يمكن أن ترد إدارة بايدن؟

هناك ثلاثة سيناريوهات أساسية:

أولاً، يمكنها أن تلجأ إلى أسلوب التخفيض والهرب، على غرار الانسحاب من أفغانستان. ومن شأن خروجها أن يخلق فراغاً في شرق سوريا ستملأه تركيا وروسيا وإيران.

ثانياً، يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في المضي قدماً، والحفاظ على تحالفها مع وحدات حماية الشعب. ولن ينجح هذا الخيار إلا في استفزاز تركيا، وتحفيزها على العمل مع روسيا، وليس الولايات المتحدة، لحل تحدياتها الأمنية في سوريا. وبعد إنزالها إلى وضع المراقب، ستراقب الولايات المتحدة من الخطوط الجانبية بينما تعمل روسيا (ناهيك عن إيران) مع تركيا لتشكيل مستقبل سوريا. وبمرور الوقت، ستصبح واشنطن غير ذات صلة على نحو متزايد بالتطورات على الأرض وستتفاوض على رحيل قواتها. بمعنى آخر، يقوم السيناريو الثاني بتأخير السيناريو الأول ثم ينتقل إليه.

ويستلزم السيناريو الثالث العمل مع تركيا لبناء سوريا تخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. إن هذه الخطوة منطقية جيوستراتيجية سليمة، لكنها تحمل تكلفة سياسية باهظة في البداية.

يشرح الباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك، المشارك في اعداد الدراسة، كيف يمكن للولايات المتحدة تنفيذ هذه المهمة الصعبة بمسؤولية. تتميز رؤيته بخمس صفات جديرة بالملاحظة:

-تعتمد على الشراكة القائمة بين تركيا وحكومة إقليم كردستان في العراق، وهي شراكة تشعر الولايات المتحدة بالارتياح تجاهها بالفعل.

-من خلال قطع خطوط الإمداد الإيرانية عبر سوريا، تخلق خريطة الطريق الأساس للتحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا في سوريا، على غرار التحالف الذي كان قائمًا في التسعينيات.

-تعمل خريطة الطريق على إضعاف نظام الأسد وراعييه روسيا وإيران، وتخلق إطارًا للعمل الأمريكي التركي المشترك في المستقبل، بما في ذلك القضاء على تنظيم داعش.

-لا يتطلب الأمر أي عمل عسكري أمريكي مباشر ضد القوات الروسية أو الإيرانية.

-خارطة الطريق تشجع الحكم المحلي للعرب على العرب والأكراد على الأكراد في سوريا.

أما بالنسبة لإعادة العلاقات مع تركيا على الولايات المتحدة ان:

هناك سبعة افتراضات أساسية تشكل هذا الاقتراح:

-يتطلب تنشيط الشراكة بين الولايات المتحدة وتركيا إنهاء كامل للتحالف بين وحدات حماية الشعب والولايات المتحدة، مع انسحاب وحدات حماية الشعب بالكامل من مجال النفوذ الأمريكي التركي الذي تم إنشاؤه حديثًا.

-يجب على الولايات المتحدة وتركيا السعي إلى تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا.

-سيكون الجيش التركي وحلفاؤه السوريون والعناصر غير التابعة لوحدات حماية الشعب في قوات سوريا الديمقراطية مستعدين وقادرين على تولي معظم الواجبات الأمنية التي تخص قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب حاليًا.

-يجب أن يعكس التكوين العرقي للهياكل السياسية والعسكرية في كل جزء من المجال المشترك بين الولايات المتحدة وتركيا التركيبة السكانية المحلية.

-سترعى الولايات المتحدة وتركيا تطوير الهياكل السياسية والعسكرية المحلية وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي يعترف بشرعية المعارضة السورية ويدعو نظام الأسد إلى التفاوض معها على عملية انتقال سياسي.

الخطوة الأولى: إخلاء وحدات حماية الشعب من دير الزور

يبدأ الطريق عبر تنشيط التحالف الأمريكي التركي بفصل مجلس دير الزور العسكري عن قوات سوريا الديمقراطية وإجلاء جميع مقاتلي وحدات حماية الشعب من المنطقة.

دمج مجلس دير الزور العسكري بسلاسة نسبية في الجيش الوطني السوري، الذي ينحدر العديد من مقاتليه من المنطقة. يبلغ عدد مقاتلي دير الزور الذين يخدمون حالياً في مجلس دير الزور العسكري حوالي 7000. وعندما ينضم مجلس دير الزور العسكري إلى الجيش الوطني السوري، الذي يضم بدوره سبعة فيالق، فإنه سيصبح نواة الفيلق الثامن الجديد.

الخطوة الثانية: إخلاء وحدات حماية الشعب من محافظة الحسكة

يحتاج التحالف الأمريكي التركي إلى إيجاد شريك كردي في الحسكة تثق به كل من أنقرة والسكان الأكراد المحليين. يعتبر المجلس الكردي السوري (المختصر باللغة الكردية ENKS) وجناحه العسكري، بيشمركة روج آفا، انه يستوفي هذه المعايير وهو جزء من “الائتلاف السوري المعارض”.

الخطوة الثالثة: إشراك روسيا

لاستيعاب موسكو، ستقدم واشنطن وأنقرة على منح الأولى حرية التصرف في الرقة والطبقة ومنبج فتُخضع وحدات حماية الشعب لمؤسسات النظام السوري أو تُبقيها على حالها كعنصر تابع لا مستقل.

إضافة إلى طرح صفقة مع بوتين تقضي بانسحابه من الشمال السوري (عين العرب، كوباني، عامودا، الدرباسية، أجزاء من القامشلي)، وبالتالي تستطيع واشنطن عندها، ربط مناطق نفوذها من الحدود العراقية في شمال شرق سوريا إلى عفرين في الشمال الغربي.

الخطوة الرابعة: تطهير إدلب

-حل هيئة تحرير الشام وضمها إلى الجبهة الوطنية للتحرير المنضوية تحت الجيش الوطني السوري منذ عام 2018 وتشكيل الفيلق الرابع والخامس والسادس والسابع.

-تشجيع الانشقاقات داخل جماعة الجولاني والا تصبح العناصر الرافضة هدفاً للطائرات المسيرة

الخطوة الخامسة: إعادة هيكلة الحكومة السورية المؤقتة

اشراك الائتلاف السوري في الحكومة السورية المؤقتة لتمثيل جميع الشعب والا تصبح حكومة الشمال السوري.

الخطوة السادسة: إغلاق ممر الإمدادات الإيراني

استغلال القبائل وتوظيف الفيلق السوري الثامن المكون من سكان دير الزور العرب، لمنع إيران من السيطرة على المعبر الحدودي عبر البوكمال في المحافظة والاستعداد الأميركي التركي الاستباقي لردع إيران لإقناعها بأنها إذا أعطت الأمر بالهجوم فإنها ستخسر أكثر مما ستكسب.

* المصدر: موقع الخنادق اللبناني

* المادة نقلت حرفيا من المصدر