السياسية:

في خطاب السيد حسن نصر الله الذي ألقاه مساء الثلاثاء بمناسبة الذكرى الثانية عشر للانتصار في حرب تموز (يوليو) عام 2006، أثارت عبارته الأهم انتباه الكثيرين، بمن في ذلك أعداؤه، وفي تلك العبارة، أكد بقوة أن “حزب الله” أصبح اليوم أقوى من “إسرائيل”، وتتحدث المعلومات عن تصاعد التحذيرات والتهديدات من “إسرائيل” بشأن خوض معركة قريبة مع حزب الله أو المقاومة اللبنانية، مع زيادة تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية لاحتمالية وقوع حرب بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية، وتأكيد تحول حزب الله إلى قوة تمتلك القدرات العسكرية والحنكة السياسية، ويشير الخطاب إلى تصعيد الإعلام الإسرائيلي في التحدث عن المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ويتم التأكيد على أن نصرالله هو الأكثر سعادة في المنطقة وأن الحرب معه أصبحت حتمية ولا مفر منها، إضافة إلى تعزيز استعدادات الدفاع ونشر أجهزة القبة الحديدية في الشمال.

قوة متناميّة

لا شك أنّه توجد بعض الآراء التي اعتبرت ربما أن نصر الله قد بالغ في وصفه، بسبب وجود قدرات جوية متطورة لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تمتلك طائرات حديثة مثل “إف-15″ و”إف-16″ و”إف-35” التي تم إنتاجها بواسطة صناعة الطائرات الأمريكية، إضافة إلى القبب الحديدية المجهزة بصواريخ قادرة على التصدي لأي غارات جوية أو صاروخية، لكن من الناحية النظرية، يبدو أن وجهة النظر هذه صحيحة، حيث لا يستطيع أي مراقب أن ينكر أو يتجاهل ضخامة وفاعلية الترسانة العسكرية الإسرائيلية وحداثتها، ومع ذلك، فإن هذه الترسانة، التي تتمتع بقدرة تدميرية هائلة، لم تعد قادرة على حسم الحروب كما كانت في الماضي، ففي السابق، كانت هذه الحروب تخوض ضد أنظمة تستسلم وتطلب وقف إطلاق النار بعد الغارة الجوية الأولى وتتوجه إلى مجلس الأمن الدولي.

وإن أطول حروب الأنظمة “السابقة” التي خاضتها ضد “إسرائيل” لم تستغرق سوى بضعة أيام، أو بالأحرى بضعة ساعات، وكانت آخر هذه الحروب عام 1973، التي استمرت عملياً لمدة عشرة أيام فقط، بينما استمرت حرب تموز عام 2006 لأكثر من 33 يومًا، وحرب صيف 2014 في قطاع غزة استمرت لأكثر من 45 يومًا، وفي هاتين الحربين، لم تتمكن قوات الاحتلال تحقيق تقدم يُذكر على الجبهتين، بسبب شراسة المقاومة وبطولات رجالها، ونحن ندرك أننا لسنا جنرالات سابقين أو خبراء في الحروب، وعلى الرغم من احترامنا لجميع الجنرالات العرب الذين يظهرون على وسائل الإعلام، ومعظمهم لم يخوضوا حربًا واحدة، وإذا خاضوها لم ينتصر جيشهم الرسمي فيها، إلا أننا نستنتج بعض الأفكار من ما يتم ذكره على ألسنة الخبراء العسكريين الإسرائيليين.

ومع ذلك، يجب أن نشير إلى أن خطاب نصر الله، الذي نعتبره أحد الجنرالات العرب الاستراتيجيين البارزين، بفضل خبرته وانتصاراته في جميع معاركه، يحتوي على جوانب مهمة، حيث يُكشَف في مقالة المحلل العسكري الإسرائيلي يوسي ميلمان في صحيفة “معاريف” عن سيناريو أعده كبار الجنرالات في قيادة جيش الاحتلال بشأن المواجهة القادمة مع حزب الله، ومن بينهم الجنرال غادي آيزنكوت، رئيس هيئة الأركان، وقد قدموا هذا السيناريو إلى المجلس الوزاري المصغر قبل أسبوع، وأكدوا فيه أن هذا الحزب، الذي يمتلك في ترسانته 120 ألف صاروخ، قادر على إطلاق 700 صاروخ يوميًا بمدى يصل إلى 45 كيلومترًا في اتجاه عمق الكيان الصهيوني، وتحمل هذه الصواريخ رؤوسًا متفجرة بوزن 15 كيلوغرامًا، ومن الصعب على القبب الحديدية إسقاطها، وإضافة إلى ذلك، هناك صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تحمل رؤوسًا متفجرة بوزن 500 كيلوغرام.

حضور محور المقاومة

في مقالة نُشِرت في صحيفة “يسرائيل هيوم”، التي ترتبط بنتنياهو، ذكر إيال سيزر، المؤرخ الإسرائيلي ونائب رئيس جامعة تل أبيب، أن حزب الله استغل حالة الهدوء التي استمرت لمدة 12 عامًا وطوّر ترسانة عسكرية متقدمة جدًا، وفي الوقت نفسه، لم يقم جيش الاحتلال بأي عمل مشترك خلال هذه الفترة، وأشار إلى أن حركة حماس ترغب في تكرار تجربة حزب الله في قطاع غزة، ويؤكد الجنرال يعقوب عميدرور، رئيس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، أن تزايد قوة إيران في سوريا هو المشكلة الحقيقية التي تواجه “إسرائيل” وأن حركة حماس نجحت في تحويل اهتمام الجنرالات الإسرائيليين بعيدًا عن هذا التهديد الحقيقي إلى قطاع غزة.

ومن وجهة نظرنا، يتم التأكيد في هذه الحقائق بأن قيادة الاحتلال تهدد منذ 12 عامًا بغزو قطاع غزة وإعادة احتلاله، والانتقام من هزيمتها في تموز عام 2006، وتدمير الوجود الإيراني في سوريا، ومع ذلك، لم تنفذ أيًا من هذه التهديدات، ولن تكون قادرة على تنفيذها في المستقبل المنظور بسبب قوة الردع التي فرضها الطرف المقابل بقوة السلاح، وبسبب الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي يمكن أن تترتب على مثل هذه المغامرات الخطيرة، وقدم الغرب خدمة لا تقدر بثمن لإيران عندما حظر بيع أي طائرات حربية لها منذ إسقاط حكم الشاه وانتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني في عام 1979.

وأحدث الطائرات في سلاح الجو الإيراني هي من طراز “إف 5” الأمريكية، وقد دفعت هذا الحظر إيران إلى تطوير صناعة صاروخية متقدمة ألغت فاعلية سلاح الطيران بشكل عملي وزادت قدرتها على حسم الحروب.

وفي الآونة الأخيرة، حصلت إيران على صواريخ “إس 300” الروسية المتقدمة المضادة للطيران والصواريخ، وهذا يكمل المعادلة بعد تأخر بارز، وحزب الله وحركة حماس قد أصبحا يمتلكان القدرة على الردع ونشر الرعب في نفوس الإسرائيليين، سواء الشعب أو القادة، ويعود ذلك إلى نجاحهما في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصواريخ من خلال تطوير خطوط إنتاجية متطورة ومحصنة تحت الأرض، وهنا يكمن الإعجاز في قدرتهما على تحقيق ذلك.

في النهاية، إن السلاح الاستراتيجي الأقوى والأكثر فاعلية لمحور المقاومة هو الإرادة القوية والإيمان بالنصر والقتال حتى الشهادة، وذلك بسبب الوازع الديني والوطني الذي يحركهم، ويُذكر أن “إسرائيل” لم تنجح في الفوز بأي حرب منذ عام 1973، ويُعزى ذلك إلى تغير استراتيجية المقاومة وتحول أساليبها ومرتكزاتها بشكل جذري، وتم تجاوز نظرية “المفاجئة والإرباك” التي كانت تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة في الماضي، واستبدلت باستراتيجية “القصف مقابل القصف” و”النار مقابل النار”.

واليوم، من المستحيل على وزير دفاع الاحتلال إفيغدور ليبرمان، أن يجرؤ على تنفيذ تهديداته بالاحتلال والقضاء على الوجود الإيراني في سوريا أو قطاع غزة أو جنوب لبنان، وذلك يعود إلى أن محور المقاومة أصبح أكثر قوة وصلابة وعزيمة من جيش “إسرائيل”، كما أن الانتصارات التي حققها محور المقاومة في سوريا وقطاع غزة وجنوب لبنان عام 2006 هي دليل على ذلك.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة الصحفية نقلت حرفيا عن المصدر