ماذا لو شهدت الدول المهرولة نحو التطبيع احتجاجات شعبية..!
السياسية || نصر القريطي :
رد الفعل الشعبي المزلزل الذي ابداه الليبيون تجاه عملية “جسّ النبض” التي سرّبها الإعلام الصهيوني بشأن لقاء وزير خارجية الكيان مع وزيرة الخارجية الليبية وما ترتب عليه من استجابةٍ رسميةٍ ولّد فينا الحماسة لنضع سؤالاً نشعر بالحنين حقاً للحصول على إجابةٍ شافيةٍ له..
ماذا لو أن المغرب والإمارات والبحرين والتي أبرمت حكوماتها صفقات تطبيع مذلّةٍ وغير مبررةٍ مع كيان الاحتلال شهدت احتجاجات كاسحةٍ على غرار ما شهدناه في المدن الليبية بالأمس هل كان “مشهد التطبيع الاماراتي البحريني المغربي سيتغير عمّا هو عليه اليوم..!
ظنًّ العدو ان شعوبنا فقدت القدرة على استيعاب فداحة المؤامرات التي تستهدفها وباتت تتعامل مع كل ما يفرض عليها كأمرٍ واقعٍ مسلّمٍ به وأن الشعوب لم تعد قادرةً على ابداء أي ردة فعلٍ مهما كان حجم الطعنات الغادرة الموجهة الى خاصرتها وظهرها..
مشاهد تثلج الصدر تلك التي شاهدناها بالأمس في العاصمة طرابلس وعددٍ من المدن الليبية..
لا تزال الشعوب العربية حيّةً وإن بدت مخدرةً بعد أن تكاثرت على هذه الأمة الخطوب والأحداث والمؤامرات وعواصف الربيع الصهيوني وخيانات صهاينة العرب..
بات الإعلام الصهيوني والغربي يعمل بوقاحةٍ مستفزةٍ يجاهر معها بهرولة الخونة من العرب والأعراب للارتماء في احضانه بعد ان كان يتسلل ليصافح هذا الوزير أو ذاك المسئول العربي في السر في مؤتمرات الخارج وكان يواري تلك الجريمة لسنين..
ما حصل بالأمس ان دوائر القرار الإسرائيلية سارعت للكشف عن اللقاء الذي جمع وزير خارجية الكيان بوزيرة الخارجية الليبية في إيطاليا ظنّاً من الصهاينة انه لم يعد في العرب شعبٌ حيٌّ ينبض قلبه بكره إسرائيل والولاء لفلسطين..
الهرولة والارتخاء الذي لمسه الصهاينة بعد توقيع ما عرف بـ”اتفاقات ابراهام” مع دولٍ عربية أوصل رسائل خاطئة لليهود ملخصها ان الشعوب العربية لم تعد تملك القدرة على رفض التطبيع وأن بإمكان تل ابيب ان تحدد مكان وزمان ودول التطبيع المفترض دون التفاتٍ لأري رفضٍ شعبيٍّ عربيٍّ لهذه المهازل..
أضغاث أحلام الصهاينة اوهمتهم ان كل العرب هم أمثال عيال زايد ومن هم على شاكلتهم من المتصهينين العرب لكن الرد جاء سريعاً من شوارع العاصمة الليبية طرابلس التي صاحت بصوتٍ واحدٍ لا للتطبيع ولا مكان بيننا لمن يريد ان يطبّع مع إسرائيل..
ردةُ فعلٍ لم يتوقعها الصهاينة ولا من يقف خلفهم من الأمريكان والانجليز والغربيين لكن تسارع خطواتها شكل صدمةً في العواصم التي سارعت للتطبيع مع كيان الاحتلال اكثر مما حصل في تل ابيب..
انه صوت العروبة الذي كان ولا يزال يرى في فلسطين قضيته المركزية الأولى على الرغم من كل ما وصلنا اليه من الانقسام والذل والهوان والاحتراب..
بالعودة للسؤال المهم الذي فرض نفسه على سطح الاحداث والذي يجب ان يصبح التساؤل المطروح في كل وسائل اعلامنا ومواقع تواصلنا وندواتنا ومجالسنا وحتى مؤتمراتنا العربية الرسمية ان امكن..
ماذا لو ان الشعوب العربية في دول المطبعين الجدد انتفضت منذ اليوم الأول لتوقيع اتفاقيات العار مع إسرائيل وماذا لو ان ما حصل بالأمس في العاصمة الليبية صار ملهماً لتلك الشعوب اليوم لمراجعة حساباتها وعودة موقعها المهم في خارطة الفعل الشعبي العربي..!
لا نحمل الشعوب مسئولية تماهي حكامها وساستها العملاء مع المشروع الصهيو امريكي في المنطقة..
لا نطالبهم ايضاً بدفع ثمن ارتماء قياداتهم في احضان الصهيونية.. لكن لنا كشعوب عربية مناوئة لكل ارتباط او علاقة مع كيان الاحتلال الاسرائيلي ان نسأل سؤالاً فرضه المشهد الاخير الذي رأيناه في بلد “عمر المختار”..
“ماذا لو ان شعوب الدول التي هرول حكامهم لعقد اتفاقيات تطبيع مجانية مع الاحتلال انتفضت منذ اليوم الاول لإعلان اتفاقات الخزي والعار وخرجت الى الشارع في مظاهرات ترفض التطبيع..!”
هل كان مشهد التطبيع الاماراتي البحريني المغربي سيتغير..!
ما الذي كان سيتغير في مستقبل علاقة أبوظبي والمنامة والرباط مع كيان الاحتلال الإسرائيلي عمّا هي عليه اليوم..!
لن نجزم بأن حكام تلك الدول كانوا سينصاعون لرغبات شعوبهم ورفضها للتطبيع لكن على الاقل لم يكن اولاءك المتصهينين ليجدوا الاريحية في مضيهم نحو الارتماء في احضان الصهاينة على حساب شعوبهم كما يفعلون اليوم..
مشاهد الاحتجاجات الشعبية التي شاهدناها في العاصمة والمدن الليبية بعثت فينا الأمل لأن نقول وبأعلى الصوت أين انتم يا شعب المغرب ومواطني الامارات والبحرين..
نعرف انكم مغلوبون على امركم لكن عليكم ان تدركوا انه مهما كان الحكام متصهينين وعملاء للامريكان واليهود فإن كلمة الشعوب دوماً هي الفصل ولنا في الشعب الليبي خير مثالٍ وشاهد..
لو ان المغرب والامارات والبحرين شهدت احتجاجات شعبية مناهضة لتوقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل لكان هؤلاء الحكام الخونة على الأقل سيفكرون الف مرة قبل ان يقدموا على اي خطوة تصعيدية باتجاه الانغماس في التطبيع مع كيان الاحتلال..
ليس بالضرورة ان يراجع أولاءك الحكام الخونة مواقفهم المتماهية مع التطبيع والتي منحت الصهاينة ما يريدوه منهم دون مقابلٍ او ضمانة حتى على صعيد خارطة السلام العربية الاسرائيلية المزعومة..
لكن الضروري والملزم والذي لا خيار أمامنا سواه ان تعبر شعوب تلك الدول عن رفضها للتطبيع إن لم يكن أمام أجهزة الأمن الاستبدادية في تلك الدول فعبر وسائل الاعلام وفي المجالس العامة والخاصة ومن خلال المقاطعة لأي مظهرٍ من مظاهر التطبيع سواءً السياسية أو الاقتصادية أو الإعلامية والرياضية وغيرها..
لو ان الشعب المغربي والاماراتي والبحريني عبّرت عن رفضها وبقوةٍ للتطبيع مع إسرائيل لكانت الدول التي لا تزال تخفي نية الانضمام لقطار التطبيع المهين فكرت الف مرةٍ ومرّة قبل ان تلتحق بركب من سبقوها من المتصهينين العرب الذين فرضوا على شعوبهم التطبيع..
يدرك العالم كله واولهم الاسرائيليون أنفسهم ان اقامة علاقات عربية مع اسرائيل هو خيار بعض الحكام الذين خانوا الامة وليس على الاطلاق خيار الشعوب العربية المغلوبة على امرها..
ظن ساسة تل ابيب وحكماء صهيون ان حالة الانقسام والاعتراك التي يعيشها الليبيون فيما بينهم ستسمح لإسرائيل بتمرير مشروع التطبيع مع طرابلس كما فعلت من قبل مع دول الارتهان واذناب المطبعين..
لكن الشارع الليبي قال كلمته في اباءٍ نحن شعبٌ يتنفس الكرة لإسرائيل ويحن لأن تعانق اقدامه تربة فلسطين وتتنفس رئتيه هواء ثالث المساجد التي تشد اليها الرحال..
قال الليبيون كلمتهم شعبياً وعلى الصعيد الرسمي.. وسواءً كانت الدولة الليبية على علمٍ بالخطوة التي أقدمت عليها وزيرة خارجيتها كما ادعت الوزيرة المنقوش أم لا فإن الحكومة الليبية قد قامت بعين الصواب حينما أقالت تلك العميلة وهي إقالةٌ معززةٌ بصوت البرلمان الليبي الذي اعتبر ما قامت به خيانة للأمة وليس لليبيين فقط..
غادرت الوزيرة الخائنة البلاد الى تركيا خوفاً على حياتها فلم يعد لها مكان في الأرض الليبية التي تكره الصهاينة حد الحكم على من يتماها مع التطبيع مع إسرائيل بالموت..
مشهد الامس سينقضي وسيعمل الصهاينة ومن خلفهم الامريكان والانجليز والاوربيون على المضي قدماً في استكمال مخطط التطبيع مع الأنظمة العربية العميلة لكنهم سيسلكون من اليوم دروباً مغايرةٍ للطريقة المستفزة التي أرادوا بها جرّ الليبيين الى التطبيع..
بالمقابل فإن التساؤل الذي يجب ان يبقى حيّاً في كل عربيٍّ لا سيما من سارعت حكوماتهم للتطبيع مع اليهود هو هل لا تزال شعوبنا قادرةً على فرض خياراتها على حكامها بعد ان اثبت لنا الليبيون ان التطبيع لم ولن يكون امراً واقعاً يقرره الخونة والعملاء فقط..
ليس ادل على ذلك من الشعب الليبي الذي يعاني من الانقسام والاحتراب والتآمر لكن شعبه وحكومته ومشرعيه وسياسييه وكل نخبه قالوا كلمتهم اليوم في وجه الصهاينة والمتصهينين..!
لم يفت الأوان بعد فما نحن مؤمنون به ان كل الشعوب العربية لا تزال حيّة وذاك هو ايضاً حال الشعوب الذين خان حكامهم الامة والقضية.. ولعل القادم خير.