بقلم: فرانسوا ميشيل موجيس
ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”

“لتبرير التدخل في شؤون الآخرين، تظهر الإدارة الأمريكية عبقرية من الافتراءات والتأثر ونقصاً واضحاً في الخيال.

لا ينسى قادة الولايات المتحدة مطلقاً اختراع قصة لما قبل النوم، لكنها تبدو دائماً مثل ديجاڤو، وهي كلمة فرنسية تعني «شوهد من قبل».

الشيء الأكثر إثارة للدهشة ليس أن واشنطن تظهر مثل هذا التكرار في ذخيرتها، بل يبدو أننا نكتشفها في كل مرة.

في غضون ذلك، الحقائق تتحدث عن نفسها.

يكشف تحليل صراعات نصف القرن الماضي عن نفس طريقة العمل، ويكشف عن نفس الأوتار الكبيرة: دراسة الحالة الأولى، حرب فيتنام.

في أغسطس من العام 1964، أثارت حادثة خليج تونكين*1 الشهيرة فجأة الرأي العام الأمريكي إلى معسكر إثارة الحرب.

اتهمت واشنطن زوارق طوربيد فيتنامية شمالية بمهاجمة مدمرة البحرية «مادوكس» في وسط المياه الدولية في 2 أغسطس.

في سياق التوترات بين واشنطن وهانوي، يؤكد البيت الأبيض أن هذا الاستفزاز الشيوعي لا يمكن أن يظل دون رد.

تحت الضغط، أذن الكونجرس الأمريكي للرئيس جونسون في 7 أغسطس بالرد عسكرياً.

في الأشهر التي تلت ذلك، هب مئات الآلاف من الجنود لمساعدة النظام الفيتنامي الجنوبي وقصفت قاذفات أمريكية مواقع فيتنامية شمالية.

في ذلك الوقت، أخذت الصحافة الغربية النسخة الرسمية كلمة بكلمة، واعتمدت أطروحة عدوان القوات الشيوعية الفيتنامية الشمالية التي سوف تكون مسؤولة عن التصعيد العسكري.

ومع ذلك، فإن هذا السرد للأحداث وهمي تماماً.

تم تصنيعه من الألف إلى الياء، في الواقع، لم يحدث أي هجوم، كانت «مادوكس» في المياه الإقليمية لفيتنام الشمالية وليس في المياه الدولية.

تم إطلاق 350 قذيفة، لكن في الهواء، ضد عدو خيالي تماماً، ليصدق أنه حدث هجوم، لكن هذا لا يهم.

كان من الضروري لإثبات العدوانية الإجرامية للمعسكر المعارض، لجعله يتحمل مسؤولية حرب شاملة، سوف يقتل ثلاثة ملايين شخص، وسوف تخسرها الولايات المتحدة الأمريكية.

دراسة الحالة الثانية الحرب ضد العراق: وفرت الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 لإدارة الرئيس جورج بوش ذريعة مثالية لشن هجوم واسع النطاق في منطقة الشرق الأوسط.

فهو ينطوي أولاً من خلال تدمير نظام طالبان في أفغانستان (على الرغم من تنصيبه بمباركة أمريكية)، ثم من خلال الهجوم على عراق صدام حسين (مارس 2003).

هذا العدوان العسكري على دولة لا تهدد أحدا، محروما من أي شرعية دولية، يدعي رسميا «سبب مزدوجا للحرب».

وبحسب ما ورد تمتلك بغداد أسلحة دمار شامل تشكل خطراً مميتاً على الأمن الجماعي، ويقدم النظام البعثي المساعدة اللوجستية لتنظيم القاعدة الإرهابي.

كما هو الحال مع حادثة خليج تونكين، فإن هذا الاتهام المزدوج هو مهزلة وتلفيق وحشي.

ومهما كان عدد الذين تظاهروا بالبحث عنهم، لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق، ولم يكن هناك أي تواطؤ بين النظام العراقي والمنظمة الإرهابية التي أسسها بن لادن.

من ناحية أخرى، فإن تورط المخابرات الأمريكية والسعودية في الهجمات الحادي عشر من سبتمبر هو سر مكشوف.

وبالتالي، فإن النسخة الرسمية تجعل من الممكن إخفاء هذه المسؤولية (التي لا تزال غامضة في تفاصيلها) من خلال الانخراط في انعكاس عدائي.

لتبرير تصفية دولة تعارض طموحاتها، تتهمها واشنطن بالفساد، اعتادت الصحافة الغربية على ابتلاع الثعابين- مصطلح يطلق على الشخص الذي يصدق كل ما يقال له- وسوف تعيد إنتاج الحجة ضد بغداد بعبودية.

دراسة الحالة الثالثة، سوريا: منذ ربيع العام 2011، طالبت أقلية وشجعت على الاحتجاج من الخارج، على النموذج الجاهز لـ «الثورات العربية»، والمطالبة بإقالة الرئيس السوري بشار الاسد.

تخلق الاستفزازات والهجمات مناخاً من الحرب الأهلية، والتي تفاقمت بسبب المساعدة الهائلة التي قدمتها القوى الغربية وملكية النفط في الخليج للتمرد.

تفضل واشنطن، التي أنهكتها الأوساط الأفغانية والعراقية، التدخل ضد دمشق، ولكن باستخدام منظمات المرتزقة «الوكلاء».

لكن جزءاً من المؤسسة، الذي لا هوادة فيه، يريد إثارة سقوط بشار الأسد من خلال إقناع باراك أوباما بشن ضربات جوية على القوات السورية.

لتبرير هذا التدخل، من الواضح أننا بحاجة إلى ذريعة: سنجدها بسرعة! استخدام الأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين هو الدافع الأمثل لما يلهمه من رعب.

في 21 أغسطس 2013، انتشرت حول العالم صور أطفال بعد تعرضهم للغاز في ضواحي دمشق.

وفي غياب الأدلة، لا يذكر محققو الأمم المتحدة أي جناة، ستكشف دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق أن هذا الهجوم لا يمكن أن يأتي إلا من مناطق المتمردين.

لكن الوقت قد فات، آلة الكذب تعمل بأقصى سرعة، حيث تم اعتماد النسخة الرسمية من قبل واشنطن، بتأييد من حلفائها، ويتم تناولها من قبل الصحافة والمنظمات غير الحكومية المدعومة.

تصبح «الحقيقة» حول الصراع السوري، ذريعة للتدخل الأجنبي والأنف الزائف للاستعمار الجديد.

فيتنام، العراق، سوريا، ثلاثة أمثلة من بين أمثلة أخرى كثيرة! قائمة البلدان التي عانت من التدخل الذي أثاره التلاعب بالرأي العام لا حصر لها (كوبا وكمبوديا والسودان ونيكاراغوا والصومال وصربيا وليبيا واليمن وتشيلي وفنزويلا وهندوراس، القائمة ليست شاملة).

في كل مرة، يستند هذا التلاعب إلى كذبة افتتاحية، ويفضل أن تكون هائلة، والتي تنتج سبب الحرب الذي يتطلبه التدخل من خلال شل الرأي العام الدولي.

الولايات المتحدة المتخصصة، في هذا الإنتاج للحرب من خلال الاختراع النقي والبسيط لفكرها هو العلامة التجارية للشركة الأم.

ليندون جونسون يخترع قاذفات الطوربيد، كولين باول يلوح بزجاجة عصير التفاح في الأمم المتحدة، باراك أوباما يشير إلى الجاني في هجوم كيميائي نظمه رعاياه.

كل شيء جيد للناس الطيبين، الصيغة الرئيسية لهذه السياسة هي «الكذب والراية الكذبة ومقاطع الفيديو».

الأكاذيب هي مولد الحرب الإمبريالية، موادها الخام، وقودها، اللافتة الكاذبة («العلم الكاذب») هي وضع التشغيل المفضل لديها، لأنها تسمح بالانعكاس الاتهامي، ونسب جرائمه إلى الخصم الذي تريد قتله.

أخيراً، مقاطع الفيديو هي أداة الاتصال التي تعطي الجوهر للحكاية التأسيسية، ومع القوة المقنعة للصورة، بآثارها على الواقع، تسمح باستبدال ما بعد الحقيقة المبنية بصدق الحقائق البسيط.

ليس من قبيل المصادفة أن البنتاغون أنفق 500 مليون دولار لصنع مقاطع فيديو جهادية مزيفة، وأن منظمة الخوذ البيضاء في سوريا كانوا ينظمون مقاطع الفيديو الخاصة بهم في مواقع تصوير الأفلام. “

لذلك ليس من المستغرب ألا تحمل جميع البلدان التي وقعت ضحية هذه الغدر والمكائد الدنيئة على الولايات المتحدة والعالم الغربي في قلوبهم.

يتبع معاداة الشيوعية الأولية بعض المكيافيلية الاستبدادية في العالم وهذا يفسر بلا شك هذا التقسيم المميت للبشرية إلى كتلتين متعارضتين هدد وجودهما ذاته سلام العالم لفترة طويلة جدا.

 

*(1) حادثة خليج تونكين وقعت في مياه خليج تونكين، بين فيتنام الشمالية والولايات المتحدة وهي مواجهة حصلت في 2 أغسطس و4 أغسطس، تبادلت خلالها كل من فيتنام الشمالية أنذاك بواسطة زوارق الطوربيد ومدمرتين من الولايات المتحدة، إطلاق نار على أهداف قيل أنها رصدت بواسطة الرادار.

ورغم تحميل التقرير الأمريكي الأصلي فيتنام الشمالية المسؤولة عن الحادثين، إلا أن الشكوك المتباينة في نهاية المطاف حول إمكانية مسؤولية فيتنام الشمالية على إحدى أو كلا الحادثين بقيت مريبة، حتى صدر تقرير في عام 2005 من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، أنه لم يكن هناك هجوم من فيتنام الشمالية في 4 أغسطس.

  • موقع ” zinfos974″ الفرنسي
  • المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع