من إنجازات تموز ٢٠٠٦: كيان الاحتلال يخاف الأراضي المشجّرة
السياسية:
شارل أبي نادر*
إن تخاف “إسرائيل” من امتلاك حزب الله صواريخ مضادة للدروع مثل الكورنيت أو غيره فهو أمر طبيعي، ويجب أن تخاف ذلك، حيث أهوال مجزرة وادي الحجير وبعض المناطق الأخرى التي دُمِّر فيها عدد كبير من درة دباباتها (الميركافا) في حرب تموز ٢٠٠٦، ستبقى في ذاكرتها وذاكرة جنودها طويلا، وربما إلى الأبد…
وإن تخاف “إسرائيل” من امتلاك حزب الله صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى، عادية أو دقيقة، أيضا هو أمر طبيعي وضروري، حيث ذاقت الأمرين في تلك الحرب من عام ٢٠٠٦، من صواريخ حزب الله ــ العادية حينها، والتي بقيت تتساقط على الجليل وعلى المدن والبلدات المحتلة في فلسطين طيلة فترة الحرب دون توقف، رغم المروحة الكثيفة من عمليات المسح الجوي المدمر بالقاذفات والطوافات والمسيرات التي نفذتها طيلة دقائق الحرب أيضا، ليلا ونهارا.
وان تخاف أيضا “إسرائيل” من شبكات الانفاق المفترض ان حزب الله أقامها على كامل جبهة المواجهة الحدودية بين الأراضي اللبنانية وأراضي فلسطين المحتلة، والممتدة بين الجهتين (مفترض هكذا)، فهذا أيضا امر مقبول وضروري أن يحصل ويجعلها تقوم بكل الإجراءات الهندسية او غيرها لكشف تلك الانفاق، لأنها أيضا عاشت هاجسها طيلة فترة الحرب حينها وما زالت تعيشه اليوم.
ولكن ان يصل بها الامر إلى الخوف من توسّع وانتشار المناطق المشجرة على الحدود في جنوب لبنان، والتي هي مناطق جبلية وزراعية خصبة، مثلها مثل كل أراضي لبنان، ساحلا وجبلا، فهو امر غير طبيعي (خوفها هذا)، ويمكن القول انه تجاوز للمنطق وللمعقول ولكل مفاهيم الحروب وقواعد المواجهات العسكرية.
نعم، هذا الخوف من توسع المناطق المشجرة على الحدود مع لبنان، عبرت عنه “إسرائيل” في اكثر من مناسبة، سابقا عام 2017 وعام 2020 واليوم، حيث شكلت أشجار جنوبي لبنان، الممتدة عند طول الخط الحدودي مع فلسطين المحتلة، محط أنظار الاحتلال الإسرائيلي وهواجسه، إذ أن الزرع الأخضر أرعب الكيان المغتصب، على نحو دفعه إلى ملاحقة جمعية “أخضر بلا حدود”، المتخصصة بالتشجير منذ انطلاقتها، ومستعينا بالإدارة الأميركية، فرضت مؤخرا وزارة الخارجية لدى الأخيرة عقوبات على الجمعية المذكورة، والتي رد رئيسها بأن “الجمعية متخصصة بالشأن البيئي فقط”.
ولكن، عسكريا، على ماذا يقوم الخوف الإسرائيلي من زيادة نسبة الأراضي المشجرة على الحدود، وهل خوفها في مكانه من الناحيتين العسكرية والأمنية؟
في الواقع، ومن خلال اجراء متابعة لمسار المواجهة بين حزب الله وبين العدو الإسرائيلي، منذ ما قبل التحرير عام 2000 وامتدادا الى حرب تموز عام 2006، كان هناك عدة أسلحة مميزة، استطاع حزب الله من خلالها، ان يكسر معادلة التفوق العسكري لدى العدو، واهمها سلاح التمويه والتخفي، والانتقال في أماكن غير مكشوفة أو التربص في أمكنة مخبأة بالأشجار او بالأعشاب الكثيفة، وهذا السلاح، شكل رافعة أساسية لكل العمليات الحاسمة التي نفذتها المقاومة ضد العدو في اغلب المواجهات، وخاصة في مواجهات حرب تموز، والتي كانت منقسمة بين عمليات كمائن مقاتلي حزب الله ضد وحدات العدو الخاصة، وبين عمليات كمائن وحدات او عناصر المضاد للدروع ضد دبابات ومدرعات العدو في عدة مناطق مواجهة، في الخيام وفي الطيبة ورب ثلاثين وفي وادي الحجير، وبين قواعد اطلاق الصواريخ، والتي نجحت، بفضل الانفاق وبفضل مناطق الاطلاق المخفية بالأشجار، بإبقاء الأراضي المحتلة تحت تأثير صواريخها طيلة فترة الحرب (33 يوما) وعلى نفس وتيرة ومستوى الاطلاق.
هذا الخوف من المناطق المخفية، الذي واكب تلك المواجهات قبل التحرير، والذي تطور اكثر مع حرب تموز 2006، وشكل سلاحا فاعلا من ضمن الأسلحة التي حسمت المواجهة وحققت انتصار المقاومة في تلك الحرب، والتي كانت حتى تاريخه، حربا دفاعية خاضتها المقاومة ضد العدو داخل الأرضي اللبنانية، أصبح اليوم خوفا مضاعفا، لأنه أصبح مرتبطا بالحرب الهجومية التي يحضر لها حزب الله ضد العدو، وخطورته الحساسة بالنسبة للأخير، ان تكون قواعد انطلاق مجاهدي المقاومة ووحداته الخاصة (الرضوان) لاختراق الحدود جنوبا، وتنفيذ اعمال قتالية واسعة في قرى ومستوطنات الجليل وأبعد ربما، قواعد مخفية بالأشجار الكثيفة، محمية بشكل كامل عن مراكز الرصد والمراقبة البرية والجوية العدوة، والأخطر أيضًا، ان قواعد العمليات القتالية، من غرف عمليات ونقاط تنسيق ميدانية بالإضافة لقواعد مساندة الهجوم داخل الجليلي، ستستفيد حكما من المساحات المشجرة، والتي أصبحت موزعة بطريقة مدروسة على الحدود بشكل يناسب أغلب مناورات المقاومة المرتقبة.
من هنا، يمكن ان نتفهم الخوف الإسرائيلي من المناطق المشجرة على الحدود مع لبنان، ومن هنا أيضا، يمكن ان نستنتج القيمة العسكرية والميدانية والاستراتيجية من حملة المقاومة الفعالة والواسعة والمركزة، لزيادة نسبة المناطق المشجرة في جنوب لبنان، وأيضًا في كل الأراضي اللبنانية، حيث المواجهة المرتقبة مع العدو، لن تكون محصورة في منطقة حدودية فقط، بل سوف تكون أبعد في المدى وفي الجغرافيا وفي الصواريخ، والتي أصبحت غير مقيدة، لا في المدى ولا في القدرات التفجيرية والتدميرية.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر