السياسية:
لقمان عبدالله*

تزوّدت مدينة عدن المحتلة، خلال الأسابيع الماضية، بالوقود التجاري من مدينة المخا الساحلية الخاضعة هي الأخرى لسيطرة ميلشيا مدعومة من تحالف العدوان، فيما استوردت محطات الكهرباء وقوداً من مدينة المكلا، عاصمة حضرموت. ويعيد هذا الواقع تسليط الضوء على الأضرار التي تعانيها المدينة نتيجة تعطيل مينائها، وهو أحد أهم الموانئ في العالم، بإرادة إماراتية، جراء تخوّف أبو ظبي من منافسته ميناء جبل علي.

لأول مرة في تاريخها، تستورد مدينة عدن الوقود من مدينة المخا، فيما واصلت مؤسسة الكهرباء في المدينة استيراد حاجتها من الوقود عبر ميناء المكلا. ونقلت وسائل إعلام موالية لحكومة المرتزقة أن ميناء الزيت توقف عن إمداد المحطات التجارية بالوقود بعد نفاد مخزون الوقود الخاص بالتجار القادم إليه، لأسباب ربما تتصل بضعف الحركة التجارية وكساد الأسواق. وذكر عاملون في مجال تزويد محطات الوقود التجارية أنها باتت تتزود بالوقود عبر مكتب تجاري يدعى «الوداد»، يقوم باستجلاب كميات من الوقود إلى عدن، ومن ثم بيعها إلى محطات الوقود التجارية الخاصة. يأتي هذا في وقت ترغب فيه السعودية في أن تعيد حكومة المرتزقة بسط سيطرتها على كامل المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة، ومنها مدينة عدن، مركز الثقل السياسي والتجاري، فيما تعمل دولة الإمارات على الاستفادة من حال التشرذم المستمرة في البلاد، إذ يسمح لها ذلك بمواصلة سيطرتها على الموانئ اليمنية. مع هذا، يلقي القريبون من أبو ظبي باللوم على كبار التجّار في عدن الذين «يعمدون إلى المضاربة التجارية على حساب عدن ومينائها».

في ظاهر الأمر، يأتي انحسار الدور الملاحي لميناء عدن، نتيجة قرار حكومة المرتزق معين عبدالملك، رفع قيمة الدولار الجمركي بداية العام الحالي، ورفضها التراجع عن القرار، على رغم تحذيرات الاقتصاديين والتجار من الانعكاسات السلبية لذلك على حركة التجارة في الميناء، وارتفاع الأسعار في المناطق المحتلة، وخاصة بعد منع حكومة الإنقاذ في صنعاء دخول الشاحنات القادمة من عدن إلى مناطق سيطرتها. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنه في السنوات الأولى للحرب على اليمن، تعرّض ميناء عدن للتعطيل المتعمّد من قبل ميليشيات موالية للإمارات، حتى إن معدّاته تعرّضت للصدأ والتلف بسبب الإهمال والترك من دون صيانة. وفي إطار مساعيها لاستعادة زمام المبادرة في جنوب اليمن، وتحت ضغط أغلب القوى المشكّلة لما يسمى بالمجلس القيادة المدعوم من تحالف العدوان، عمدت السعودية إلى تقليص الطموح الإماراتي بتعطيل ميناء عدن، إذ زوّدت الميناء المذكور بالعديد من الرافعات، فضلاً عن صيانة المعدّات الأخرى، حيث سجّل الميناء عام 2019 حركة هي الأكبر في تاريخه على الإطلاق، وذلك قبل أن ينحدر إلى أدنى المستويات في العام الحالي.

وطوال السنوات الماضية، أُلزم المستوردون من التجار بإدخال بضائعهم عبر المنافذ الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان والحكومة المدعومة منه، واضطرّوا إلى دفع كل الجبايات والأموال التي تطلبها تلك الحكومة وفصائلها المسلحة. وما إن تم فتح ميناء الحديدة العام الماضي، حتى اتّجه التجار إلى الاستيراد عبره، بسبب التسهيلات التي منحتهم إياها حكومة صنعاء وعدم وجود عصابات وميليشيات مسلحة كما في الجنوب تتبع أطرافاً متعدّدة، كل منها يفرض الجبايات على التجار وعلى ناقلات بضائعهم.

ومنذ عام 2018، باشرت الإمارات إعادة توجيه استراتيجيتها من خلال تغليب مصالحها على مصالح حلفائها. وتمثّلت أهدافها الرئيسيّة في السيطرة على سواحل اليمن وممرّات الشحن، وتطبيق استراتيجية «سلسلة الموانئ»، لكن هذه الخطوات أوقدت جذوة الخصومة بين الرياض وأبو ظبي لأنها أماطت اللثام عن تباين مصالحهما في اليمن. فقد أحكمت الإمارات قبضتها على موانئ جنوبية أساسية والمناطق المحيطة بها. وفعلت ذلك في محافظات عدن وحضرموت وشبوة وتعز (ميناء المخا)، إضافة إلى أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون (المعروفة أيضاً باسم جزيرة بريم) في مضيق باب المندب.

وتعتبر الإمارات أن ميناء جبل علي في دبي هو المركز اللوجستي والتجاري الأساسي الذي يربط بين أفريقيا وآسيا. لذا، وفي وجه المنافسة الصينية والسعودية المتزايدة على موانئ القرن الأفريقي، اختارت أبو ظبي التركيز أكثر على اليمن، حيث كانت المنافسة الدولية أقل. أما الاستراتيجية البحرية السعودية، فتركّز بشكل أساسي على ساحل البحر الأحمر. ويُعدّ تأمين هذا الممر البحري ضرورياً كي تتمكّن السعودية من تحقيق طموحها الأوسع المتمثّل في ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للسياحة والخدمات اللوجستية في البحر الأحمر. غير أن الرياض سلكت في الآونة الأخيرة مساراً مشابهاً لمسار أبو ظبي، وبدأت تنتهج استراتيجية خارج البحر الأحمر، ونجحت في وضع موطئ قدم على بحر العرب من خلال إحكام سيطرتها على ميناء نشطون في محافظة المهرة الواقعة على الحدود مع عُمان، وخصوصاً مشروعها السياحي الضخم في مدينة ميون الذي يندرج ضمن إطار «رؤية 2030».

وفي هذا السياق، جاءت زيارة رئيس ما يسمى «المجلس الرئاسي»، المرتزق رشاد العليمي الموالي للرياض، إلى المهرة قبل أيام، وذلك في إطار تعزيز السيطرة السعودية على الموانئ المطلّة على بحر العرب، حيث تعمل المملكة على مدّ أنبوب لتصدير النفط، يمكّنها من تجاوز مضيق هرمز.

* المصدر: الاخبار اللبنانية

* المادة نقلت حرفيا من المصدر وبتصرف