نازحون ولاجئون
العناوين الرئيسية والخطوط الأمامية: كيف تكشف التغطية الإخبارية الأمريكية للحروب في اليمن وأوكرانيا عن التحيز في تسجيل معاناة المدنيين
بقلم: إستر بريتو رويز وجيف باكمان*1
ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”
الحرب تستلزم المعاناة، ومع ذلك، كيف وكم مرة يتم الإبلاغ عن هذه المعاناة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي لا تكن منصفة.
خذ على سبيل المثال التدخل بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن في مارس من العام 2015 والغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
يكشف اهتمام وسائل الإعلام بالأزمات عن تحيزات لا تتعلق بالعواقب الإنسانية للصراعات بقدر ما تتعلق بدور الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقتها بالأطراف المتحاربة المعنية.
في اليمن، تقوم الولايات المتحدة بتسليح ودعم دول التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والذي تسببت الغارات الجوية التي يشنها والحصار الذي أطبقه على الشعب اليمني في معاناة إنسانية هائلة.
في غضون ذلك، في أوروبا الشرقية، تقوم الولايات المتحدة بتسليح ومساعدة جهود أوكرانيا من خلال المساعدة في مواجهة الضربات الصاروخية التي استهدفت البنية التحتية المدنية واستعادة الأراضي المحتلة حيث وقعت عمليات قتل مروعة.
بصفتنا باحثين يدرسان الإبادة الجماعية وغيرها من الفظائع الجماعية الأخرى، فضلاً عن الأمن الدولي، عملنا على مقارنة عناوين صحيفة نيويورك تايمز التي تغطي ما يقرب من سبع سنوات ونصف من الصراع المستمر في اليمن والأشهر التسعة الأولى من الصراع الدائر في أوكرانيا.
أولينا اهتماما خاصا للعناوين الرئيسية المتعلقة بالخسائر التي وقعت في صفوف المدنيين والأمن الغذائي وتوفير الأسلحة.
اخترنا صحيفة نيويورك تايمز بسبب شعبيتها وسمعتها كمصدر موثوق ومؤثر في الأخبار الدولية، مع شبكة واسعة من المراسلين العالميين وأكثر من 130 جائزة بوليتزر للصحافة.
عن قصد، ركز تحليلنا فقط على العناوين الرئيسية فقط، في حين أن القصص الكاملة قد تجلب سياقاً أكبر للتقارير، فإن العناوين الرئيسية مهمة بشكل خاص لثلاثة أسباب:
إنها تؤطر القصة بطريقة تؤثر على كيفية قراءتها وتذكرها؛ تعكس الموقف الأيديولوجي للمنشور بشأن قضية ما؛ وبالنسبة للعديد من مستهلكي الأخبار، هم الجزء الوحيد من القصة الذي يُقرأ في كل الأوقات الإطلاق.
يُظهر بحثنا تحيزات واسعة النطاق في كل من حجم ونبرة التغطية وتؤدي هذه التحيزات إلى تقارير تسلط الضوء على المعاناة الإنسانية في الصراعين أو تقلل من شأنها بطريقة تتزامن على ما يبدو مع أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
أوكرانيا في دائرة الضوء:
من الواضح أن الحرب في أوكرانيا تعتبر أكثر أهمية للقراء الأمريكيين، قد يكون لهذا المعيار المزدوج علاقة أقل بالأحداث الفعلية من أن الضحايا من البيض و «الأوروبيين نسبياً»، كما قال أحد مراسلي شبكة سي بي إس نيوز.
أسفر بحثنا الواسع في عناوين صحيفة نيويورك تايمز المتعلقة بالتأثير المدني العام للصراعين عن 546 قصة في اليمن بين 26 مارس 2015 و30 نوفمبر 2022.
بينما تجاوزت العناوين الرئيسية في أوكرانيا هذا العدد في أقل من ثلاثة أشهر ثم ضاعفتها في غضون تسعة أشهر.
كانت قصص الصفحة الأولى عن أوكرانيا شائعة منذ بدء الغزو الروسي في فبراير 2022.
وبالمقارنة، كانت قصص الصفحة الأولى عن اليمن نادرة، وفي بعض الحالات، كما هو الحال مع تغطية الأمن الغذائي في البلد، جاءت بعد أكثر من ثلاث سنوات من بدء التحالف الحصار الذي أدى إلى خلق أسوأ أزمة إنسانية.
نُشر أول مقال على الصفحة الأولى مع تركيز صريح وواضح على أزمة الجوع في 14 يونيو 2018، بعنوان «الهجوم بقيادة السعودية يعمق أسوأ أزمة إنسانية في العالم».
وبحلول هذه المرحلة، كان 14 مليون يمني يواجهون بالفعل «انعدام الأمن الغذائي الكارثي»، وذلك بحسب التقارير الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
المزيد من السياق حول أوكرانيا:
عندما حللنا العناوين الرئيسية عن اليمن وأوكرانيا، صنفناها إما على أنها «عرضية»، أي تركز على أحداث محددة، أو «موضوعية»، أي أكثر سياقية.
مثال على العنوان العرضي هو «غارة سعودية تقتل تسعة على الأقل من عائلة اليمنية».
مثال على العنوان المواضيعي هو «الهجمات الروسية الشرسة تحفز الاتهامات بالإبادة الجماعية في أوكرانيا».
ركزت عناوين صحيفة نيويورك تايمز حول اليمن في الغالب على الأحداث، حيث شكلت 64٪ من جميع العناوين الرئيسية.
في المقابل، تضمنت العناوين الرئيسية حول أوكرانيا تركيزاً أكبر على السياق، حيث شكلت 73٪ من إجمالي المقالات.
والسبب في أهمية ذلك هو أنه من خلال التركيز بشكل أكبر على القصص العرضية أو السياقية، فإن الصحف قادرة على قيادة القراء إلى تفسيرات مختلفة.
قد تعطي العناوين العرضية إلى حد كبير حول اليمن الانطباع بأن الضرر المبلغ عنه عرضي، وليس من أعراض عنف التحالف.
وفي الوقت نفسه، تتبع المقالات السياقية حول أوكرانيا الآثار الأوسع للنزاع وتعكس قصصاً عن المسؤولية والمساءلة الروسية المستمرة.
الاختلافات في إلقاء اللوم:
كما أن المساءلة في التغطية تختلف اختلافا كبيرا، حيث وجدنا 50 عنواناً رئيسياً في اليمن أبلغت عن هجمات محددة نفذها التحالف بقيادة السعودية.
ومن بين هؤلاء، عزا 18 – 36٪ فقط – من المسؤولية ترجع إلى المملكة العربية السعودية أو التحالف.
مثال فظيع يغفل المسؤولية هو هذا العنوان الرئيسي الصادر في 24 أبريل 2018: «اليمن: غارة جوية تضرب حفل زفاف وتقتل أكثر من 20 شخص».
يمكن للقارئ أن يفسر ذلك بسهولة على أنه يعني أن الحوثيين هم من كانوا وراء الهجوم وليس السعوديين – كما كان الحال.
من الصعب تخيل ضربة روسية على حفل زفاف في أوكرانيا بعنوان «أوكرانيا: غارة جوية تضرب حفل الزفاف وتقتل أكثر من 20».
خلال الفترة التي نظرنا فيها، كان هناك 54 عنواناً رئيسياً لهجمات محددة في أوكرانيا – 50 منها أبلغت عن هجمات روسية، بينما أشارت التقارير الأربعة المتبقية عن الهجمات الأوكرانية.
هنا، من بين 50 عنواناً حول الهجمات الروسية، نسب 44 منها – أو 88٪ – المسؤولية صراحة إلى روسيا.
في غضون ذلك، لم تنسب أي من العناوين الأربعة للهجمات الأوكرانية المسؤولية إلى أوكرانيا.
يُظهر هذا انتقائية إسناد المسؤولية – وهو أمر واضح في أوكرانيا عند تغطية تصرفات روسيا، لكنها غالباً ما تكون محجوبة عندما يتعلق الأمر بهجمات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن.
علاوة على ذلك، يصور عنوان رئيسي صدر في يونيو 2017 التحالف على أنه قلق بشأن الدمار الذي تسبب فيه: «السعوديون يتحركون لمعالجة الخسائر المدنية في اليمن».
قارن هذا بكيفية رفض محاولات روسيا لمواجهة المدنيين بشكل قاطع: «تفسيرات روسيا لمهاجمة المدنيين تذبل تحت التدقيق».
قصة أزمتين إنسانيتين:
أدى كلا الغزوين إلى حالات من انعدام الأمن الغذائي – في اليمن خلق خطر وطني للمجاعة، وفي أوكرانيا يعرض إمدادات الحبوب العالمية للخطر.
ومع ذلك، فإن الطريقة التي تتحدث بها القصص الإخبارية عن الجوع في كلا البلدين ليس لها الكثير من القواسم المشتركة.
يتم تصوير الإجراءات الروسية التي تمنع صادرات الحبوب وتدمير المحاصيل والبنية التحتية الزراعية على أنها متعمدة ومسلحة: “كيف تستخدم روسيا الجوع في أوكرانيا كسلاح حرب”.
في المقابل، نادرا ما تم منح هذا القصد لحصار التحالف الذي تقوده السعودية، على الرغم من كونه المحرك الرئيسي للمجاعة وحتى أنه يعادل التعذيب من قبل المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.
في الواقع، غالباً ما لم تذكر تغطية أزمة الجوع التحالف على الإطلاق، كما هو الحال في العنوان الصادر في 31 مارس 2021: «المجاعة تطارد اليمن، مع استمرار الحرب وتراجع المساعدات الخارجية».
من بين 73 قصة على نطاق واسع عن الأمن الغذائي في اليمن، عزت أربع قصص فقط بشكل لا لبس فيه المجاعة المتزايدة إلى تصرفات التحالف وأدانت دوره.
الغضب الأخلاقي مقابل الحياد
وجدنا أن العناوين الرئيسية في أوكرانيا تميل إلى المساس بالأحكام الأخلاقية، مقارنة بنبرة أكثر حيادية بشأن اليمن.
يتم تصوير روسيا على أنها شريرة عنيفة ولا هوادة فيها ولا ترحم:
«القوات الروسية تقصف المدنيين»… «روسيا تضرب أوكرانيا»….
في المقابل، يتم تقديم الأوكرانيين كأبطال يقاتلون من أجل بقاء أمتهم، ويتم إضفاء الطابع الإنساني عليهم في معاناتهم: “لقد ارتقوا إلى السماء على جسر في أوكرانيا، هذه قصتهم”.
هذا الموقف الأخلاقي من الصراع الدائر في أوكرانيا ليس بالضرورة مشكلة.
بعد كل شيء، فإن المساواة الكاذبة بين تصرفات أوكرانيا وتصرفات روسيا لا تفسر العدوان الروسي، الذي بدأ الصراع المسلح، فضلاً عن استهداف روسيا الروتيني للمواقع المدنية.
ومع ذلك، يشار إلى أن عناوين صحيفة نيويورك تايمز عن اليمن تفشل في استخدام روايات إدانة مماثلة تجاه التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
هذا على الرغم من التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان ومتتبعي النزاعات والخبراء الدوليين والإقليميين الذين ألقوا باللوم على التحالف في الغالبية العظمى من المعاناة التي يعيشها المدنيين في اليمن.
ونتيجة لذلك، يصبح المدنيون في اليمن ضحايا منسيين، ولا يستحقون الاهتمام وتحجب معاناتهم أعداد غامضة ومبهمة، ولغة منفصلة عن عواقب عنف التحالف، وروايات حتمية الحرب.
تحجب هذه القرارات التحريرية دور الولايات المتحدة في المعاناة اليمنية – حتى لو لم تعكس النية الأساسية وراء التقارير.
صحافة الاحترام
في كل من الصراعات اليمنية والأوكرانية، أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية عشرات المليارات من الدولارات : أكثر من 75 مليار دولار في المساعدات الإنسانية والمالية والعسكرية لأوكرانيا وأكثر من 54 مليار دولار في الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الفترة بين عامي 2015 و 2021 فقط.
الأمر المختلف هو أن الولايات المتحدة في الأساس على طرفي نقيض في هذه الصراعات عندما يتعلق الأمر بعلاقتها بأولئك الذين يوقعون أكبر عدد من الضحايا في صفوف المدنيين.
أصدر مسؤولون في واشنطن تصريحات مفتوحة ومباشرة حول وحشية الفظائع في أوكرانيا وفي المقابل تجنب التحقيق وإدانة تلك الفظائع المرتكبة في اليمن.
يشير بحثنا إلى أن مثل هذه الرسائل قد تكون مدعومة من قبل وسائل الإعلام.
– موقع ” جوانكول- juancole” الإنجليزي
– المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع