بقلم: مورييل بارادون

(موقع “rfi”- راديو فرنسا الدولي, ترجمة :أسماء بجاش-سبأ)

تم استدعاء ثلاثة صحفيين فرنسيين في منتصف شهر مايو إلى مقر المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI), بعد أن كشفوا في ابريل  المنصرم عن مذكرة تم تصنيفها على أنها “دفاع سري” في وسائل الإعلام الخاصة بهم, إذ توضح تلك الوثائق أن قصر الإليزيه الفرنسي قد باعت أسلحة ومعدات حربية إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث انتهاء بها المطاف في اليمن الغارق في خضم  في مستنقع صراع مميت.

دبابات لوكليرك ومدافع قيصر وطائرات ميراج 9-2000… وغيرها الكثير من المعدات العسكرية الفرنسية المنتشرة بشكل ملحوظ في حرب اليمن، إذ تستخدمها كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والجهات الفاعلة الاخرى في حيثيات الصراع اليمني الذي أسفر عن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص منذ  أربع سنوات.

كشفت مذكرة إدارة الاستخبارات العسكرية (DRM) التي تم إظهارها للملأ على موقع التحقيقات الاستقصائية “Disclose”، أن الأسلحة الفرنسية قد تم استخدامها بالفعل في حرب اليمن, وليس ذلك فحسب, بل تم تقيّم عدد المدنيين الذين يحتمل أن يكونوا قد تأثروا بفعل نيران المدفعية, والذين من المحتمل ايضاً أن يصل عددهم إلى أكثر من 400 الف شخص.

تؤكد هذه المذكرة المصنفة على أنها  “دفاع سري” على عدد من المعلومات التي سبق وأن كشفت عنها المنظمات غير الحكومية, واليوم تندد سبعة عشر منظمة غير حكومية بعملية  استدعاء  الصحافيين إلى المديرية العامة للأمن الداخلي, حيث يعتبر هذا العمل بمثابة “تهديد لحرية الصحافة”.

يقول توني فورتين، مسؤول الأبحاث في مرصد الأسلحة: “أن مثل هذا الآمر غير مقبول في الديمقراطية الحديثة”, فالمصالح العليا، مثل تورط فرنسا المحتمل في الجرائم ضد الإنسانية، قد تبرر الكشف عن مثل هذا النوع من مذكرات الدفاع السرية, ومن هنا يجدد سبعة وثلاثون فريقاً تحريرياً دعمهم  الكامل، بما في ذلك الفريق الصحفي  في “”RFI راديو فرنسا الدولية، الصحفيين المستهدفين.

إيمانويل ماكرون “يفترض” ويتحدث عن “الضمانات”:

شكلت الأسلحة الفرنسية المستخدمة في حرب اليمن موضع انتقادات بشكل كبير، بيد أن قصر الإليزيه يواصل التأكيد على أن تلك الاسلحة والمعدات العسكرية يقتصر استخدامها على العمليات الدفاعية وليس الهجومية.

تم إحياء الجدل خلال الفترة الماضية, مرة أخرى حول ملف مبيعات الاسلحة الفرنسية لرأس الحربة في منظومة التحالف العربي الرياض, وذلك بعد رسوا سفينة الشحن السعودية “بحري ينبع” في ميناء “أنتويرب” والتي كان من المقرر لها نقل شحنة من الأسلحة, حينها تعرضت الأمم المتحدة لوابل من صرخات الاستنكار والاستهجان  كما تعرض المئات من الساسة لذلك أيضا جراء انحيازهم  إلى صف الأصوات الموافقة على مشروع بيع الأسلحة, وفي الأخير استمرت شحنة الاسلحة بالإبحار دون أن تأخذ على ما يبدو ما جاءت لأجله، ولكن كان على الرئيس إيمانويل ماكرون أن يبرر لنفسه ما حدث.

إذ يقول الرئيس الفرنسي أن تحمل  مبيعات الأسلحة هذه إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة ، “الحليفان في الحرب ضد الإرهاب” أنه مسألة “ذات أولوية” ووفقاً له فقد حصل على “ضمانات” بعدم استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين.

ولكن ما هي تلك الضمانات؟ يقول جاك ماير، النائب عن حزب الأغلبية الرئاسية “الجمهورية إلى الأمام”  والمقرر المشارك للبعثة الإعلامية عن صادرات الأسلحة:”لدينا القدرة على تحديد ما نريد القيام به أو ما لا نريد القيام به في وقت التصدير، ولكن بمجرد بيع الأسلحة، سيكون من الصعب للغاية العمل, لأن الدول المستوردة دولاً ذات سيادة”.

شكك الكثير من الخبراء في تلك “الضمانات” المقدمة من الرئيس إيمانويل ماكرون, إذ تقول “هيلين ليغاي” مستشارة حقوق الإنسان والمتخصصة في قضايا بيع الأسلحة: “إنه لأمر مخزي” أن نعلم  بالفعل أن السفن الحربية الفرنسية الصنع التي يستخدمها السعوديون والإماراتيون في تجويع الشعب  تشارك في الحصار المفروض على اليمن والذي تسبب في سقوط الكثير من المدنيين, واستناداً إلى ما جاء ذكره في  مذكرة” “DRM فإن طائرات الميراج الفرنسية التي تستخدمها الإمارات العربية المتحدة كانت ضمن الاسطول الحربي الاماراتي الذي يشن غارات على اليمن, وبالتالي, ما الذي يضمن لفرنسا أن هذه الغارات لم تتسبب في وقوع خسائر بشرية؟ لا شيء على الإطلاق”.

تحسين الرقابة على صادرات الأسلحة:

تدعو العديد من المنظمات غير الحكومية ورجال الساسة إلى تعليق ملف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، كما فعلت ألمانيا أو على الأقل فرض السيطرة البرلمانية على صادرات الأسلحة, حيث أشار توني فورتي” من مرصد التسلح إلى أن السويد أو المملكة المتحدة، يمكن لأعضاء البرلمان الأوروبي الوصول إلى ملفات الدفاع السرية, كما قد تكون لديهم معلومات حول العقود قيد التفاوض, كما يمكنهم ممارسة حقهم في تنبيه الحكومة, أما في فرنسا ، لا يوجد مثل هذه السيطرة, إذ أن السلطة التنفيذية هي المسؤولة عن ترويج مبيعات الأسلحة, وليس هذا فحسب, بل فهي المسؤولة ايضاً عن السيطرة عليها، وبالتالي فهذا ما هو إلا انفصام  شخصية!

أشار “جاك ماير” أحد المقررين المشاركين في مواجهة هذه الضغوطات، إلى أنه تم إنشاء بعثة إعلامية لتقصي الحقائق حول صادرات الأسلحة في خريف العام الماضي, والتي من المقرر أن تعيد مزاولة مهامها في نهاية العام، حيث يكمن الهدف في السماح “بحق التدقيق الخارجي، حق البرلمانيين في الصادرات، حتى لو كان في نهاية المطاف السلطة التنفيذية هي من تقرر”.

إجراءات قانونية:

ترى “هيلين ليغاي” مستشارة حقوق الإنسان والمتخصصة في قضايا بيع الأسلحة أن هذه السيطرة البرلمانية ستكون كحد أدنى، ولكن ينبغي أن يتم السماح للرأي العام الفرنسي من اغتنام هذه القضية واتخاذ إجراءات قانونية, كما تدرك أن الأمر معقد للغاية، نظراً لأن “القضاة الإداريين يرون في أن مبيعات الأسلحة تخص فقط السلطات العليا.

وفي هذه الأثناء، رفض القضاء الفرنسي الدعوى التي تقدمت بها الرابطة المسيحية للفرانكفونية والتي تسعى إلى منع نقل شحنات الأسلحة بحجة أنه يمكن استعمالها ضد مدنيين في اليمن المكان الذي تقود الرياض فيها تحالفا دعما للرئيس اليمني.

كما تتوقع “هيلين ليغاي” أنه سوف يكون هناك إجراءات أخرى، حيث تأسف  لكون فرنسا لم تحترم التزاماتها الدولية التي وقعتها في العام 2014، على معاهدة تجارة الأسلحة التي تنص على أنه يجب ألا تسمح الدولة بنقل الأسلحة إذا كانت على علم أنها يمكن أن يتم استخدامها في ارتكاب هجمات ضد أهداف مدنية.