بقلم أسماء معاد

(صحيفة “لوموند –le monde ” الفرنسية, ترجمة : أسماء بجاش- سبأ)

هل يحترم قصر الإليزيه  الفرنسي التزاماته الدبلوماسية فيما يخص ملف مبيعاته من الأسلحة إلى البلدان التي تعيش حالة حرب، وذلك وفقاً  لما أكده العديد من أعضاء الحكومة في مايو ويونيو؟ فالمسألة حساسة للغاية, إذ لطالما أكدت السلطة التنفيذية احترامها للمعاهدات النافذة, بيد أن الوثائق التي كشف عنها موقع التحقيقات الاستقصائية “”Disclose في أبريل المنصرم حول استخدام الأسلحة الفرنسية في الصراع الدائر في اليمن قد وضع الأغلبية في موضع حرج, إذ تم الكشف عن تورط الأسلحة الفرنسية المباعة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المنخرطة في الصراع الدائر في هذا البلد منذ اواخر مارس من العام 2015, بعد أن اخذت قوات التحالف العربي المنضوية تحت راية الرياض على عاتقها دحر حركة التمرد الحوثي.

عمل موقع “”Disclose على كشف تقريراً وصف بالسري تم إرساله إلى السلطة التنفيذية الفرنسية في خريف العام الماضي، والذي أشار إلى أن “العديد من الأسلحة المصنوعة في فرنسا تستخدم في الصراع الدائر في اليمن, حيث تم توجيه افواهه تلك الاسلحة صوب المناطق السكنية, ومن جانبها عملت السلطات الفرنسية على استجواب العديد من الصحفيين من قبل أجهزة المخابرات في المديرية العامة للأمن الداخلي.

يصعب في هذه الحرب تحديد حجم الخسائر البشرية بسبب عدم وجود تدابير موثوقة, حيث تم اعتماد الرقم 10 آلاف حالة وفاة، في حين أن منظمة ” Acled ” المستقلة أشارت إلى أن العدد الفعلي لضحايا الصراع بلغ 60 الف حالة وفاة منذ العام 2016, كما وصفت هيئة الأمم المتحدة هذا الصراع بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم, ومن جانبها, لطالما أكدت الحكومة الفرنسية التزامها بمواقفها من خلال التأكيد على أن قصر الإليزيه  يحترم كافة اتفاقيات بيع الأسلحة، بما في ذلك معاهدة تجارة الأسلحة (TCA).

ماذا قالوا؟

من على منبر راديو تيلي لوكسمبورغ “” RTL اشارت وزيرة الدفاع الفرنسي ” فلورنس بارلي” في السادس من هذا الشهر إلى أن: “فرنسا لا تبيع الأسلحة كما تبيع الخبز، أولاً لأن ذلك ممنوع, إذ توجد قواعد دولية, ونحن في الحكومة الفرنسية  لا نحترمهم فحسب، بل لدينا عمليات صارمة للغاية قبل منح الإذن للمصنعين بتصدير الأسلحة إلى الخارج”.

ومن خلف ميكروفون راديو “فرنس انتر”, دعا وزير الخارجية “جان إيف لو دريان” في  28 مايو الحكومة الفرنسية إلى أن تكون يقظة للغاية بشأن ملف مبيعات الأسلحة لهذه الدول”، قبل أن يضيف :”أننا نحترم تماما معاهدة تجارة الأسلحة,  فهي  معاهدة دولية يلتزم على الجميع احترام كافة بنودها بدقة”.

ولم تختلف تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية عما ادلى به وزير الخارجية, حيث أكد من تحت قبة الجمعية الوطنية في 14 مايو المنصرم:” أن فرنسا تحترم التزاماتها الدولية، فهذه الالتزامات ليست بالتزامات النظرية”.

لماذا يتم الطعن في موقف الحكومة؟

أولا, وقبل كل شيء، يجب علينا أن نتذكر أن عمليات بيع ونقل الأسلحة الفرنسية تم تأطيرها بإطار تشريعي وتنظيمي صارم جداً, فعلى الصعيد الدولي، صادقت فرنسا في مطلع أبريل من العام 2014 على معاهدة تجارة الأسلحة (TCA) التي تم اعتمادها في 2 أبريل من العام 2013 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة, إذ تنص هذه المعاهدة والتي تهدف إلى تنظيم تجارة الأسلحة بشكل خاص على حكومة البلد البائع تقييم المخاطر المرتبطة بهذه الصفقة, كما تحظر المعاهدة ايضاً نقل المعدات في حال وجود خطر حدوث انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي, حيث أشارت وزيرة الدفاع أن فرنسا كانت من أوائل الدول التي وقعت على هذه الاتفاقية, كما تعمل اليوم من أجل تعميمها وتنفيذها بشكل كامل وفعال,  أضف إلى ذلك اتفاقية جنيف للعام 1949, والتي تشير إلى أهمية حماية السكان المدنيين في وقت الحرب.

في أوروبا، تبنى البرلمان الأوروبي الذي يجمع بين طياته وزراء الدول الأعضاء في العام 2008 موقفاً مشتركاً نص على ضرورة مراقبة تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية, والتي تنص على أن الدول الأعضاء مصممة على منع تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية التي يمكن استخدامها في عمليات القمع الداخلي أو العدوان الدولي، أو المساهمة في عدم الاستقرار الإقليمي.

يعتمد كلاً من وزيري الدفاع والشؤون الخارجية على وجه الخصوص, في هذه النصوص على التذكير بأن فرنسا لم تفرط مطلقاً بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي.

ولكن هذا الخطاب لم يفي بالغرض، وذلك بحسب منظمة العفو الدولية غير الحكومية، والتي تنبه الرأي العام منذ بدء الصراع اليمني في العام 2015, حيث يرى “إيمريك إلوين”، مسؤول المناصرة في برنامج “مسؤولية الدولة والشركات” في منظمة العفو الدولية:”أن هناك خطر كبير في استخدام الأسلحة الفرنسية ضد السكان المدنيين أو البنى التحتية”, كما أستشهد بالوثائق المسربة التي اخرجها للنور موقع “Disclose  ” وكذلك التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، والذي “يستهدف التحالف العربي – الذي يستخدم الأسلحة الفرنسية – في الانتهاكات الواسعة النطاق والمنهجية ولأن غالبية الضحايا سقطوا بفعل الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف, حيث قال: “كان فريق الخبراء قادراً على توثيق الحقائق الناجمة عن عدد من الغارات الجوية التي تشنها قوات  التحالف والتي كان  المدنيين فيها لقمة صائغة أمام فوهات تلك الأسلحة, حيث تم استخدام القنابل الموجهة بالليزر, ومع ذلك، فإننا نعلم أن فرنسا واصلت تزويد الرياض وأبو ظبي منذ  بداية الصراع بأنظمة اليزر لتوجيه مثل هذه القنابل”.

ففي إبريل الماضي أوضحت منظمة العفو الدولية أنها أثبتت أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد استخدمت أسلحة برية خلال معركة مدينة الحديدة, حيث أشارت إلى أن دبابات “لوكليرك” المصنعة في فرنسا والتي بيعت إلى دولة الإمارات كانت جزءاً من المعدات الحربية المستخدمة خلال معركة الحديدة, ووفقاً لمعلومات الوصول المفتوح، فقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتحويل معدات عسكرية مماثلة، مثل المركبات القتالية المدرعة إلى الميليشيات التي تدعمها والتي لا تخضع للمساءلة.

وقعت عشر منظمات غير حكومية عريضة إلى الحكومة الفرنسية تدعو فيها إلى وقف أي عمليات نقل للأسلحة للجاني السعودي والإماراتي, كما دعوا في هذه العريضة الحكومة الفرنسية إلى الكف عن “وضع المصالح الاقتصادية على حساب حياة المدنيين واحترام الالتزامات الدولية”, ومن جانبه, أدان “إلياس جيوفروي” من جمعية مكافحة الفساد في فرنسا وهي منظمة غير حكومية تكافح من أجل إلغاء التعذيب، ما يلي: “إن مثل تلك المعلومات المنشورة اليوم في الصحافة هي تلك التي يجب على النواب الحصول عليها من أجل ضمان امتثال قصر الإليزيه  الفرنسي لالتزاماته الدولية, ولا سيما معاهدة مكافحة الإرهاب والموقف الأوروبي المشترك، فالغاية المنشودة من وراء ذلك تكمن في عدم التواطؤ في ارتكاب جرائم الحرب أو غيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان”.

المعاهدات غير الملزمة والتعتيم الحكومي

لماذا، عندما تسعى المنظمات غير الحكومية والخبراء إلى تعبئة الرأي العام، لا يتم استدعاء فرنسا من قبل المجتمع الدولي؟ بالنسبة إلى “ايمريك ايلين” فأن فرنسا “تستقر” على الواقع القانوني, لأن “ما يهم هو المصالح الاقتصادية والسياسية”, حيث أشار إلى أن:”المعاهدات والالتزامات الدولية لا تنص على أنه يتعين على فرنسا وقف صادراتها من الاسلحة  بمجرد أن يكون لديها دليل على أن تلك الاسلحة كانت سبباً في سقوط ضحايا في صفوف المدنيين,  أضف إلى ذلك إنه يجب ألا تسمح الدول بمبيعات الأسلحة لأن هناك خطراً محتملاً في إمكانية استخدام هذه الأسلحة لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان”, كما استطرد إلى أن المعاهدات الدولية القائمة ليست ملزمة بما فيه الكفاية، لأن النص يركز على منع العقوبات: “من اللحظة التي لا توجد فيها آلية ملزمة للعقوبات، حيث أصبح من السهل على الدول محاولة الهروب من القاعدة المحددة, وبما أنك لا تملك حق ممارسة متجانسة في ملف مبيعات الأسلحة، فإن هذا يجعل من تطبيق الالتزامات الدولية وتنفيذها يمر بالعديد من العقبات والتعقيدات”.

يرى “باتريس بوفريت” مدير مرصد الأسلحة أن المعاهدات الدولية لا تبرر كل شيء, ومن جانبها, اتصل به فريق صحيفة لوموند, متسائلاً حول هذه القضية, حيث أجاب بأن السبب يكمن في انعدام مبدأ الشفافية من الجانب الحكومي على المستوى الوطني, على الرغم من أن وزارة الدفاع مطالبة بنشر التقارير إلى البرلمان كل عام عن صادرات الأسلحة الفرنسية, إلا أن المعلومات الواردة فيه غير دقيقة :”نحن نعلم جيداً أن ما صرحت به وزيرة الدفاع “فلورنس بارلي ووزير الشؤون الخارجية جان إيف لو دريان لا يمت للواقع بصلة، فهما يعتمدان على حقيقة أنه من المستحيل معرفة ما يتم بيعه بشكل رسمي ودقيق, إذ تسلط تقارير الإدارات الضوء فقط على الجوانب المالية، مثل أنواع العقود والمعاملات, ومع ذلك، فأن هذا لا يسمح لنا أن نحدد تحديداً دقيقا للأسلحة المباعة وكمية المعدات التي تم تسليمها والاستخدام النهائي”.

إن هذا التعتيم يمنع البرلمان من مناقشة وممارسة حقه في الاستجواب, إذ لطالما ندد النائب سيباستيان نادوت بهذا الامر.

ففي التقرير الصادر في 4 من يونيو من هذا العام  حول صادرات الأسلحة المنشورة لا يبشر بأي شيء ثوري فيما يخص الشفافية، وفقاً  لما قاله “باتريس بوفيرت” فقد تم تعديل بند السرد فقط، و ليس البيانات الموجودة في الملاحق والمرفقات التي من شأنها تحسين فهم الشفافية و واقع الأسلحة المصدرة، وبالتالي الرقابة البرلمانية.”

ومن جانبها , حاول فريق صحيفة لوموند توضيح هذا الامر من خلال وزيرة الدفاع إلا أنها لم تستجب بعد لنا.