الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت.. هل تغطي شوائب التحقيق على حقيقة ما حصل؟
السياسية:
يحيي لبنان، اليوم، الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت المروّع، أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، في وقت يجد فيه اللبنانيون أنفسهم أمام عدالة معطلة جرّاء تعليق التحقيق بفعل تدخلات قضائية وسياسية.
حملت السنوات الثلاث الماضية، الكثير من الروايات والشهادات الملتبسة والمشوشة، في ما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت. واتخذت قضية التحقيق في الانفجار أبعاداً دولية وسياسية، دفعت بعض الأطراف اللبنانية إلى التشكيك في نزاهة الآليات القضائية، والتخوّف من تسييسها، الأمر الذي حوّل القضية الإنسانية البارزة إلى فرصة للمناوشات والتصفيات السياسية.
قضية تشتّتت، وتداخلت في قضايا أكبر وأصغر منها، والمتأذي الأبرز كان أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين، الذين حرموا، فضلاً عن الرأي العام اللبناني، من معرفة ما حدث عصر 4 آب/أغسطس 2020.
بعد ثلاث سنوات من انفجار المرفأ، الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصاً، وتسبب بسقوط 6500 جريح، ما زال ملف التحقيق في شأنه طيّ النسيان.
يواجه عراقيل عدة مرتبطة بالأزمة السياسية التي يعيشها البلد، إذ فاقم الانفجار الذي تحل ذكراه الثالثة اليوم، الأزمة الاقتصادية، التي كانت ملامحها قد بدأت قبل نحو عام من وقوعه، وتسارعت وتيرتها بعده.
ثلاثةُ أعوام مرّت، كلّ يوم فيها يتذكرُ أكثرُ من6000 جريحٍ لحظةَ الانفجار، فيما يبحث أهالي 221 شهيداً عمّا يُسكّن ألمَ الفِراق.
منذ حدوث انفجار مرفأ بيروت، لم تتوقف الدعوات في لبنان من جانب سياسيين وإعلاميين وناشطين ومواطنين، إلى المطالبة بتحقيق دولي في القضية.
وجهت “منظّمات حقوقية” رسالة إلى مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، تطالب فيها بإنشاء بعثة تحقيق دولية في الانفجار، ودعا الموقّعون إلى “إنشاء بعثة تحقيق دولية ومستقلّة ومحايدة”.
لكن تجربة لبنان مع التحقيق الدولي فشلت سابقاً، إذ لم تخلُ من “تُهَم الفساد”، وعليه من المرجح أن تفشل مجدداً. فالتحقيق الدولي الذي ينادي به سياسيون وإعلاميون ومنظمات، لا يعطي أملاً كبيراً في إحقاق العدالة، ومنع التدخّل السياسي، وقضية اغتيال رفيق الحريري، خير برهان.
وفي ظل الأوضاع التي يعيشها لبنان، يتراجع الأمل في الوصول إلى حقيقة ما جرى بشأن انفجار مرفأ بيروت، الذي يعد من أكبر الانفجارات غير النووية في العالم. وفوق الضغوط السياسية والقضائية والدولية التي تعرقل التحقيق منذ انطلاقه، يزيد الفراغ الرئاسي الحاصل في لبنان من الهوة التي تغرق فيها بيروت.
كثير من الأسئلة يطرح اليوم في ما يخص الانفجار، بدءاً من علاقة الفراغ الرئاسي بالتحقيق، وصولاً إلى طبيعة التحقيقات الاستنسابية لبعض القضاة الذين استلموا زمام القضية.
العقبات أمام تحقيق انفجار المرفأ
رأى الكاتب والباحث المتخصص في العدالة الجنائية، الدكتور عمر نشابة، أن توقف التحقيقات وتعطلها جاء قبل الفراغ الرئاسي ولكنه ليس سبباً لتوقف التحقيق، مضيفاً أن “السبب الأساسي عائد إلى عدة شوائب، أولها ما حصل خلال المرحلة الأولى للتحقيق.
نشابة خلال حديثه للميادين نت، شدّد على أن التعامل مع مسرح الجريمة في المرحلة الأولى التي تبعت وقوع الانفجار، وهي المرحلة الأدق والأكثر ” حساسية بالنسبة إلى جمع معطيات التحقيق”.
وخلال الساعات الـ24 الأولى بعد حصول الانفجار، بحسب المتخصص في العدالة الجنائية، كانت هناك مرحلة دقيقة، يفترض العمل خلالها على جمع أكبر عدد ممكن من المعلومات ومتابعة الأمر منذ تلك اللحظة، معقباً: “كلما طال الوقت واجهنا صعوبات أكبر في متابعة التحقيق”.
لكن، ما حصل بعدها هو أنه تم كف يد محقق وتعيين آخر، وبالتالي هذه مشكلة أيضاً، لأن التحقيقات يجب أن تستمر في المنهج نفسه منذ البداية لتصل إلى نتيجة، والأمر الآخر هو “الكم الهائل من التسريبات” التي حصلت.
ويفترض أن تكون التحقيقات الجنائية، وفقاً لنشابة، سرية والمحاكمة علنية. أما ما حصل فهو تسريب عدد هائل من المستندات والمعلومات من ملف التحقيق، وهذا الأمر “طبعاً يصعب التحقيق”.
عودة التحقيق بعيداً عن الأجندات الخارجية
في الذكرى الثالثة للانفجار الرهيب، تمنى عمر نشابة أيضاً أن يكون هناك “حلحلة، لأنه من حق اللبنانيين معرفة من المسؤول عن هذه الجريمة، التي أدت إلى كل هذا الدمار وإلى سقوط الأبرياء وزعزعة استقرار البلد”.
وبالتالي، يجب أن تكون هناك بيئة ملائمة ونية صافية لعودة التحقيق إلى مساره الصحيح. ووفقاً له، يجب أن تتوقف التدخلات في التحقيق وأن تكون هناك “ثقة وطنية جامعة بالجهة التي تقوم بالتحقيق”.
كما اعتبر نشابة أنّ أي انقسامات طائفية أو سياسية أو مناطقية “بشأن القاضي تجعله طرفاً بكل أسف عن حق أو عن باطل”.
ووفقاً له، “إذا كان المحقق طرفاً، فلا يمكن أن يتقدم التحقيق، بل سيكون تحقيقاً يخدم طرفاً سياسياً، بينما التحقيق والمحاكمة والعدالة هي لخدمة كل اللبنانيين وليس لتوظيفه في أجندة سياسية لطرف داخلي أو خارجي”.
وفي ما يخص مسار التعويضات على المتضررين، قال نشابة إنه ما زال باكراً للحديث عن الموضوع، بل يفترض قبل أي شيء تحديد المسؤوليات ومن ثم يتم البحث في الآليات القضائية المناسبة للتعويضات.
وتعليقاً على ما قاله الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بأن اتهام حزب الله أثّر في مسار التحقيق، ومن له مصلحة في هذا التوقف، قال الدكتور: “كمتخصص متابع للقضايا الجنائية أعتقد أن هناك عدم متابعة”.
وأضاف أن عدم القيام بالتحقيق في عدة جرائم وعدم الوصول إلى خواتيم هذه التحقيقات بشكل ما، “قد يكون مقصوداً كي يفتح المجال أمام جهات سياسية وخارجية وطائفية” لتوظيف الأحكام الشعبوية والمسبقة، في إطار استهداف سياسي محدد، “وهذا أمر مؤسف طبعاً”.
وهذا أمر، وفقاً لنشابة، يدفع كل من يؤيد المقاومة إلى التمسك بمسار العدالة الصحيح، والتمسك بالوصول إلى خواتيم التحقيقات، لكي تتم معرفة من المسؤول فعلاً، بالإثباتات والأدلة، عن الجريمة؛ بدلاً من اتهام مسؤول عنها انطلاقاً من ضغوط خارجية، ومواقف سياسية ومذهبية مسبقة.
* المصدر: موقع الميادين
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر