بقلم: مشعل هاشم وجيمس آلن
السياسية – ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ:
أقيم حفل زفاف في فصل الربيع في قرية الرقة في حجة شمال اليمن في أبريل 2018 ، وهي لحظة استراحة من الاضطراب والدمار الذي خاضته تلك الدولة التي مزقتها الحرب ، لحظة للاحتفال بالحياة والحب وولادة عائلة جديدة. من الخيام التي شيدت لهذا الحدث، تدفقت الموسيقى إلى القرية ، وكما هو الحال في أي حفل زفاف جيد، كان الرقص المفعم جزءا أساسيا من ذلك الاحتفال.
دون علم الضيوف، أخفت الموسيقى صخب طائرة حربية تحلق فوقها. فجأة و في تحول مروع للأحداث، شنت القوات التي تقودها السعودية غارة جوية قاتلة ، وتحول زفاف يحيى جعفر إلى مشهد من مذبحة. كان الضيوف، الذين روعهم الانفجار ، يبحثون عن أحبائهم في بحر من الدماء والأشلاء.
وفي صورة تبعث على العبرات، كانت أكاليل الزهور التي كان يرتديها المحتفلون على قمة الأنقاض. أزهق الهجوم الوحشي للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية منذ أربع سنوات في ذلك البلد أرواح ما لا يقل عن 20 من ضيوف العرس.
من الواضح أن هذه القضية هي أيضا قضية شركات الدفاع الأمريكية التي كانت تزود المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالأسلحة والمعدات بجميع أنواعها في حربها المستمرة. ولكن الأمر لا يقل عن ذلك بالنسبة لمجموعات الضغط التي تم نشرها والتي تمثلها. في العام 2018 ، كانت أكثر من عشرة من هذه الشركات تعمل نيابة عن السعوديين أو الإماراتيين، بينما تقدم أيضاً خدماتها لمقاولي الدفاع الذين تستخدم أسلحتهم في النزاع.

مثالان بارزان لشركات الضغط ذات المخاطر الكبيرة في حرب اليمن هما مجموعة ماكيون.
وشركة الدفاع الأميركي الدولي (American Defense International) . تمكنت كلتا الشركتين بذكاء من تمثيل كل من مصنعي الأسلحة الأميركيين الأقوى والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. لعب نموذج الضغط هذا، الذي يسمح لهم بإرضاء العديد من العملاء في نفس الوقت – المتعاقدين الذين يتوقون إلى تأمين صفقات الأسلحة والقوى الأجنبية التي تعتمد على الدعم السياسي والعسكري الأمريكي – دوراً مهماً في جعل الولايات المتحدة متجذرة في النزاع اليمني.

نموذج ضغط للربح من اليمن:
حفل زفاف يحيى جعفر يوضح نمطاً مثيراً للقلق. تشير التقارير إلى أنه في مواقع العديد من الضربات الجوية للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن ، يمكن العثور على أدلة على الذخائر التي تنتجها شركات الدفاع الأمريكية الأربعة الكبرى – لوكهيد مارتن وبوينج وجنرال دايناميكس ورايثيون. تمثل هذه الشركات الأربع أكبر موردي الأسلحة للتحالف السعودي والإماراتي وقد أنفقت ملايين الدولارات على جهود الضغط للحفاظ على الدعم السياسي في واشنطن. تعمل ترسانة جماعات الضغط التابعة لها بقوة في الكابيتول بواشنطن، وتأمين لقاءات مع كبار المسؤولين في لجان الكونغرس الرئيسية للدعوة إلى زيادة مبيعات الأسلحة والضغط عليها.
في العام 2018 ، وفقاً لموقع قانون الكشف عن مجموعات الضغط Lobbying Disclosure Act website، الذي يوفر معلومات عن هذه الشركات وعملائها المحليين ، أنفقت بوينج 15 مليون دولار على جماعات الضغط ، وشركة لوكهيد مارتن 13.2 مليون دولار ، وشركة جنرال ديناميكس 11.9 مليون دولار ، ورايثيون 4.4 مليون دولار.وفي حين أن هذا قد يبدو مبلغاً باهضاً من المال ، إلا أن هذه النفقات قد حققت عائداً استثنائياً على الاستثمار من خلال مبيعات الأسلحة للسعوديين والإماراتيين. وثق تقرير نشره “مركز السياسة الدولية” العام الماضي أن هذه الشركات وغيرها باعت أسلحة بقيمة 4.5 مليار دولار للسعودية و 1.2 مليار دولار للإمارات العربية المتحدة في العام 2018 وحده. وفي قلب هذه الشبكة المالية ، هناك شركات مثل شركة الدفاع الدولية ADI ومجموعة ماكيون McKeon Group التي تحقق أرباحها من صُناع الأسلحة وصناع الحرب على حد سواء.
تحت قيادة عضو الكونغرس الجمهوري السابق ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب هوارد “باك” ماكيون، غرقت مجموعة ماكيون في هذه “الحرب المنسية” لمدة ثلاث سنوات حتى الآن. بعد كل شيء ، تمثل الشركة العديد من كبار البائعين للأسلحة والذخائر ، بما في ذلك شركة لوكهيد مارتن ، ونورثرو بجرومان ، وأوربيتال أ تي كي ATK ، و شركة تصنيع الأسلحة MBDA ، و شركة L3Technologies للطائرات الحربية الإلكترونية ، وكذلك المملكة العربية السعودية. بمعنى آخر ، فإن مجموعة ماكيون للضغط هي آلة واشنطن السياسية لأجل كل من البائع والمشتري.
منذ الأيام الأولى له في مجلس النواب، ربطت باك مكيون علاقات مع صناعة الدفاع الأمريكية. وكانت جهوده داخل وخارج الكونجرس. وكان في الواقع ، مثالاً مثالياً لما يشبه “الباب الدوار” الصناعي العسكري لواشنطن. من العام 1991 إلى العام 2014 ، عندما كان يشغل مقعد الكونجرس الخامس والعشرين في كاليفورنيا ، تلقى ماكيون مساهمات حملات بلغت قيمتها 192.900 دولار من شركة لوكهيد مارتن و 190.200 دولار من شركة نورثرو بجرومان. كانت هاتان الشركتان آنذاك أهم المساهمين في حملته وهما الآن عملائه الحاليين. بالمقابل ، يدفع بمصالحهم داخل الكونغرس ، وخاصة بصفته الرئيس القوي للجنة القوات المسلحة ، والآن يفعل الشيء نفسه من الخارج كضابط ضغط كبير.
وفي عام 2018 وحده، حصلت الشركة على مبلغٍ ضخم قدره 1,697,000 دولار من أكبر 10 شركات متعهدة في مجال الدفاع، بهدف العمل على استمرار تدفق الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، ضمن أهدافٍ أخرى.
في الوقت نفسه ، يعمل ماكيون وشركته أيضا بشكل مباشر مع المملكة العربية السعودية ، التي تصادف أنها واحدة من أكبر المشترين الأجانب لسلاح لوكهيد مارتن ونورثر وبجرومان. كشفت سجلات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA) أنه ، في العام الماضي ، دفعت مجموعة ماكيون مبلغ 920,148,21 دولارا من دولارات الولايات المتحدة وشاركت في ممارسة ضغوط سياسية عدوانية في الكونغرس ضد مشاريع القوانين التي كان لها تأثير سلبي على تجارة الأسلحة الأمريكية مع السعوديين.
وعلاوةً على ذلك، كان هناك مشروع قرار «S.J. 54″، بشأن اليمن برعايةٍ مشتركة بين السيناتور بيرني ساندرز والسيناتور مايك لي، والذي يهدف إلى إنهاء التدخل الأمريكي في تلك الحرب.
وأشارت سجلات «قانون تسجيل الوكلاء الأجانب» إلى أنَّ الشركة أجرت العديد من المكالمات الهاتفية، وأرسلت الكثير من رسائل البريد الإلكتروني إلى أعضاء في مجلس الشيوخ ومجلس النواب عند اقتراب التصويت الرئيسي. وعلى وجه التحديد، في 14 نوفمبر 2018، قبل أسبوعين بالضبط من إجراء التصويت على القرار، اتصلت مجموعة ماكيون نيابةً عن السعوديين بجيم إنهوف، العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ عن ولاية أوكلاهوما، الذي يرأس حالياً لجنة القوات المسلحة. جرى التواصل مع مكتب إنهوف «في ما يتعلق بالسعودية»، ومرةً أخرى في 29 نوفمبر، وهو اليوم التالي للتصويت، بخصوص قرار الكونغرس الهادف لإنهاء دعم الولايات المتحدة للحرب السعودية على اليمن
وفي يوم 14 نوفمبر 2018، قدَّمت الشركة تبرعاً بقيمة ألف دولار إلى عضو مجلس الشيوخ. وفي النهاية، صوَّت إنهوف لصالح استمرار الدعم العسكري للسعوديين، ولم يردعه عن ذلك آلاف القتلى المدنيين الذين راحوا ضحية الحرب.
وعندما تنجح مجموعة ماكيون في مساندة أجندة السعوديين وعمالقة صناعة الأسلحة في واشنطن، فإنَّها بذلك تثبت مكانتها وتحصل على مقابل مُجز.
ولم يُردع أي شيء باك ماكيون وشركته عن مواصلة أعمال الضغط السياسي، بما في ذلك مقتل جمال خاشقجي الكاتب السعودي في صحيفة واشنطن بوست في القنصلية السعودية في إسطنبول، أو التقارير المتواصلة حول الحرب الوحشية التي تشنها السعودية والحصار في اليمن، ما خلَّف أعداداً كبيرة من القتلى اليمنيين أو جعل الشعب اليمني على حافة المجاعة.
وبالنسبة لشركة الدفاع الدولي American Defense International فقد انغمست هي الأخرى في حرب اليمن.
وتُمثل أيضاً قائمةً مؤثرة من مقاولي الدفاع، بما في ذلك رايثون وجنرال ديناميك ونورثرو بجرونمان و L3Technologies للطائرات الحربية الإلكترونية وشركة جنرال أتوميكس General Atomics، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة، عضو التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يختفي عادةً عن رادار الإعلام.
وفي وقت تُنشر فيه تقارير كثيرة مروعة عن الموت والجوع والدمار في اليمن، تقضي جماعات الضغط التابعة لشركة ADI وقتها في مساندة مصالح عملائها الإماراتيين ومقاولي الدفاع بشراسة. فعلى سبيل المثال، كشفت تقارير «قانون تسجيل الوكلاء الأجانب أنَّه في سبتمبر 2018، اتصلت شركة الدفاع الدوليADI بمكتب مارتن هاينريك، النائب الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية نيو مكسيكو، وعضو لجنة القوات المسلحة، نيابةً عن سفارة الإمارات في واشنطن. ونجاح هذه الشركة في مهمتها أدى إلى تصدير القنبلة التي حصدت الأرواح في حفل الزفاف.
وركزت المناقشة، وفقاً لتقارير «قانون تسجيل الوكلاء الأجانب»، على «الوضع في اليمن» و»بيع قنبلة بيفواي إلى الإمارات العربية المتحدة». بمعنى آخر، كانت المناقشة تتمحور حول بيع القنبلة التي تنتجها شركة رايثون ، والتي حولت حفل زفاف يحيى جعفر إلى مسرحٍ لغارةٍ جوية قاتلة.
وتشير سجلات «قانون تسجيل الوكلاء الأجانب» إلى أنَّه في الشهر نفسه، اجتمعت شركة الدفاع الدولي ADI مع المستشار السياسي لستيف سكاليس، النائب الجمهوري بالكونغرس عن ولاية لويزيانا، للضغط ضد قرار الكونغرس المتعلق باليمن. ومقابل هذه الجهود وغيرها ظلت الإمارات تضخ مبلغ 45 ألف دولار شهرياً لحساب شركة الدفاع الدولي ADI.
وفي الوقت نفسه، من الواضح أنَّ جهود الضغط هذه استفاد منها عميل آخر للشركة، وهو رايثون . إذ دفعت رايثون المُصنعة لقنابل بيفواي 120 ألف دولار في عام 2018 إلى شركة ADI.
بالنسبة لشركات مثل الدفاع الدولي ومجموعة ماكيون، الحرب ما هي إلا مسألة أرباح وعملاء وأشياء قليلة أخرى. فمصلحة الأسرة الحاكمة السعودية وشركات السلاح أهم من حياة أطفال المدارس.
حق الفيتو الذي استخدمه الرئيس ترامب ضد قرار إنهاء الدعم الأمريكي للتحالف السعودي الإماراتي في حرب اليمن، وعدم قدرة الكونغرس على إبطاله (ضد رغبة غالبية الشعب الأمريكي)، وضع في الوقت الراهن جماعات ضغط مثل مجموعة ماكوين وشركة الدفاع الدولي ADI في موضع المتحكم.
وبالإضافة إلى ذلك، أوضح حق الفيتو أنَّه بالنسبة لدونالد ترامب والعديد من النواب الجمهوريين في الكونغرس، تكون مصلحة أفراد العائلة المالكة السعودية ومقاولي الدفاع أهم بكثير من حافلة تُقل أطفال مدارس دمرتها قنبلة «إم كيه-82» الموجهة بالليزر، من تصنيع شركة مارتين لوكهيد، وأنَّ مصلحة شركة رايثون أهم بكثير من عائلة مسافرة بسيارتها تُقذف بقنبلة «جي بي يو-12» الموجهة بالليزر، من تصنيع الشركة ذاتها، وأنَّ أرباح مقاولي الدفاع أهم بكثير من حياة الرجال والنساء والأطفال الذين كانوا في أحد أسواق اليمن في ظُهر أحد أيام شهر مارس 2016، عندما أودت قنبلة أخرى من طراز «إم كيه-82» بحياة ما لا يقل عن 80 شخصاً منهم.
ولكن المشكلة التي لا ينتبهون لها أن هذه الأسلحة قد تتسبب في مقتل جنود أمريكيين بالإضافة إلى استخدامها عدة مرات في غاراتٍ جوية أودت بحياة مدنيين،كما أصبحت الذخائر الأمريكية تصل إلى أيدي المنظمات الإرهابية في اليمن.
إذ أشارت تقارير إلى أنَّ الأسلحة التي تبيعها شركاتٌ مثل مارتن لوكهيد ورايثون للسعوديين والإماراتيين تُسرق أو تُباع في بعض الأحيان إلى تنظيماتٍ تابعة لتنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية، وهي أسلحة يمكن استخدامها يوماً ما ضد أفراد الجيش الأمريكي.
واليوم، مع حق الفيتو الذي استخدمه الرئيس وعدم قدرة الكونغرس على إبطاله، حصل التحالف السعودي الإماراتي ومقاولو الدفاع الأمريكيين وجماعات الضغط الأمريكية على الضوء الأخضر للمضي قدماً في نموذج عمل يعتبر أرواح اليمنيين الأبرياء ثمناً للمصالح التجارية.
ورغم خسارة معركة أخرى في الحرب التي تدور في الداخل، فإنَّ المعارضين لها لن يُطرَحوا على الأقل في مزبلة التاريخ. ولا يزال بعض أعضاء الكونغرس يبحثون عن طرق جديدة لتناول هذه القضية، بما في ذلك إمكانية وقف تدخل الولايات المتحدة في الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي تُلاحقها.
ومن الواضح أنَّ الفرص لا تزال قائمة لإرسال رسالة مُفادها أنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لن تتمكنا بعد الآن من إرسال أموال لجماعات الضغط مثل
مجموعة شركات ماكيون وشركة الدفاع الدولي لشراء النفوذ، وضمان أن ينظر السياسيون الأمريكيون في الاتجاه الآخر بعيداً عن الحرب. وربما لن تسمح الولايات المتحدة لنفسها في يومٍ من الأيام بالتورط في فواجع مثل زفاف يحيى جعفر، الذي انتهى بمشهد للأنقاض وبقايا قنبلة أمريكية.
_____________
*مشعل هاشم وجيمس ألين باحثان مشاركان في مبادرة شفافية التأثير الأجنبي في مركز السياسة الدولية
*صحيفة “در فرايتاج” الألمانية، نقلاً عن موقع “لوبلوج” الأميركي التابع لمعهد الدراسات السياسية بواشنطن