دوامة الشرق الأوسط .. روسيا والسعودية وحرب النفط
انضمت روسيا إلى منظمة أوبك + بفضل الرياض في العام 2016، والآن أصبحت في مواجهة متكررة مع المملكة الوهابية.
السياسية: بقلم: أردفان أمير أصلاني *
بعد أقل من ثلاثة أسابيع من إعلان المملكة العربية السعودية وروسيا على التوالي تمديد تخفيضات إنتاجهما النفطي وانخفاض صادراتهما، حققت الرياض انتصارا رمزيا الأسبوع الماضي، حيث تمكنت من دفع سعر الخام فوق الشريط الرمزي البالغ 80 دولارا للبرميل.
كان الهدف هو تثبيت الأسعار وطمأنة الأسواق في مواجهة التباطؤ في الاقتصادات المتقدمة النمو، لكن مصلحة المناورة كانت محلية في المقام الأول بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وتمثل هذه العتبة بالفعل الحد الأدنى لتوازن ميزانيتها وتمويل جميع مشاريع التنمية الاقتصادية والتنويع التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
مع إنتاج 9 ملايين برميل يومياً، تجد المملكة الوهابية نفسها في أدنى مستوى لها منذ عامين.
لكن التباطؤ في ارتفاع أسعار الفائدة والنصف الثاني من العام، الذي شهد في العموم زيادة في الطلب على الهيدروكربونات، يجب أن يسمح لها بتوليد عائدات نفطية كبيرة.
وهناك حاجة ملحة، حيث تظهر النتائج المالية لصندوق الاستثمار العام (FIP) للمملكة خسارة قدرها 11 مليار دولار في العام 2022، وهو دليل على فشل استراتيجية «الأمير محمد بن سلمان» في جذب المستثمرين الأجانب إلى المملكة العربية السعودية.
لعبة العرض والطلب على النفط:
من أجل تلبية متطلبات الميزانية الخاصة بها، تحث المملكة العربية السعودية بانتظام حلفائها في منظمة أوبك بلس على أن يحذوا حذوها ويخفضوا الإنتاج والصادرات من أجل التأثير على أسعار النفط الخام.
ومع ذلك، فإن الخطر بالنسبة للرياض هو إقامة نظام حلقة مفرغة، من خلال الوقوع في شرك التخفيضات المستمرة في أسعار إعادة التوازن في حالة ركود الطلب، أو الإفراط في الإنتاج من البلدان المنتجة الأخرى.
داخل أوبك بلس، يبدو أن دولة واحدة تستغل هذه اللعبة الخطيرة على الرغم من تحالفها مع المملكة العربية السعودية، والتي تتحول الآن إلى مواجهة متكررة: روسيا.
“المملكة العربية السعودية هي أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، لكن وكالة الطاقة الدولية أعلنت أنها سوف تمنح روسيا هذا المكان”.
أثبتت المملكة العربية السعودية تاريخياً أنها أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، وهو موقع يكاد يكون بلا منازع منذ ما يقرب من قرن، في الأسبوع الماضي، أعلنت وكالة الطاقة الدولية أنها سوف تمنح روسيا هذا المكان.
وفي أبريل، وصلت صادرات النفط الخام الروسي إلى أعلى مستوى لها منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022.
التنافس في مجال الطاقة مع المملكة العربية السعودية
في العام 2016، بعد عدة سنوات من الجهود الدبلوماسية، نجحت المملكة العربية السعودية في دمج روسيا في منظمة أوبك بلس، وهو تحالف للطاقة، واليوم أصبحت «أوبك بلس» تمثل 40٪ من إمدادات النفط الخام في العالم.
كانت الفكرة في ذلك الوقت هي التأثير على إنتاج الهيدروكربونات العالمي وفقاً لاحتياجاته المحلية وسياقه الجيوسياسي.
واليوم، تقطع هذه العلاقة كلا الاتجاهين لراعيها الرئيسي.
لم تخل الشراكة الواعدة من مخاطرها، وتعكس الاختلافات الاستراتيجية العديدة بين البلدين، فضلاً عن التنافس الواضح في قطاع الطاقة، مما يساهم في التوترات المنتظمة.
نتذكر قبل ثلاث سنوات أن روسيا رفضت خفض إنتاجها في منتصف جائحة كوفيد 19 بناءً على طلب من المملكة العربية السعودية، التي أرادت إبقاء الأسعار عند مستوى مقبول.
في الآونة الأخيرة، كان التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وعواقبه الجيوسياسية هي التي تفسر الرفض شبه المنهجي لتلبية المطالب السعودية وخفض الإنتاج.
بالإضافة إلى إغراق السوق، باعت روسيا هيدروكربوناتها بنصف السعر لتعويض العقوبات الغربية وجذب المشترين، وبالتالي الاستفادة إلى حد كبير من انخفاض الإنتاج السعودي دون بذل جهود مماثلة.
وحتى لو وافقت على خفض صادراتها بمقدار 500 ألف برميل يوميا اعتبارا من أغسطس المقبل، فإن تباطؤها لا يزال أقل دراماتيكية من تباطؤ المملكة العربية السعودية.
التركيز على الهند والصين:
مثل حلفاء روسيا الآخرين، تعاني الرياض الآن من التجربة المريرة للتناقض الاستراتيجي الروسي والطابع النفعي لتحالفاته.
هدف موسكو غير المقنع هو أن تصبح المورد الرئيسي للهيدروكربونات في آسيا، وتبدو نتائجها واعدة في هذا الصدد.
وقد تجاوزت الصادرات الروسية إلى الهند بالفعل مجموع ما قدمته الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والعراق والمملكة العربية السعودية مجتمعة.
وفي سياق صادراتها إلى الهند على وجه الخصوص، تمكنت روسيا من الحصول على سعر أعلى للنفط الخام.
وبحسب ما أشارت إليه صحيفة “تايمز أوف إنديا-” The Times of India الهندية، فرضت الشركات الروسية أقل من 60 دولاراً للبرميل، لكنها زادت معدلات الشحن لتجنب الحد الأقصى للسعر الذي يفرضه الغربيون.
من الواضح أن الصين، باقتصادها الكبير المستهلك للطاقة، أصبحت في مرمى النيران.
“المنافسة الروسية في آسيا هي أحد التحديات الاستراتيجية الرئيسية للأمير محمد بن سلمان، وتحدي لوجود المملكة العربية السعودية في أوبك بلس”.
الحذر الاستراتيجي السعودي:
بالطبع، بيعت المملكة العربية السعودية على نطاق واسع في أوروبا، وسعر الخام الحالي، الذي يحوم حول 75 دولار للبرميل عند أدنى مستوياته، لا يضعها على شفا وضع مقلق ينذر بالخطر, ومع ذلك، فإن المنافسة الروسية في آسيا هي أحد التحديات الاستراتيجية الرئيسية، وتحدي خطير لوجودها في أوبك بلس.
في الوقت الحالي، يعالج الأمير محمد بن سلمان هذه القضية ببعض الحذر، ومخالفاً بذلك إثارة الحرب في سنواته الأولى في السلطة – والتي قادت المملكة إلى صراع كارثي، من منظور إنساني ومالي، في اليمن لفرض المملكة العربية السعودية كقوة وسيطة.
بعد عدة سنوات من الجهد، لا يزال من مصلحة الرياض إنجاح أوبك بلس، حتى لو كان ذلك فقط بسبب الاشمئزاز من احتمال الفشل الدبلوماسي.
ومع ذلك، يبدو أن بعض من عدم الثقة في وعود روسيا قد ظهر الآن في أذهان القادة وصناع القرار السعودي، وهي الخطوة الأولى نحو وعي عالمي أكثر بالطبيعة غير المتوازنة لهذا التحالف الاستراتيجي.
* باريس، 11 محرم 1445، الموافق 29 يوليو ٢٠٢٣ (صحيفة “لو نوفل ايكونميست- le nouvel economiste” الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع