بقلم: منير أبي

(صحيفة “لوطون” الجزائرية الناطقة بالفرنسية – ترجمة: محمد السياري –سبأ)

في إطار من الدبلوماسية والرسائل المبطنة وبالرغم من المناخ المشحون بالمعارضة الشديدة والرافضة لسياسته وطريقته في إدارة البلد، قام ولي العهد السعودي ، محمد بن سلمان ، باستقبال مندوب رفيع المستوى عن الحكومة السودانية والذي من المفترض أنه كان متواجداً في المملكة دون سابق ترتيب.

وفي تصريحات شديدة اللهجة، أكدت كلاً من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على تخصيص ما لا يقل عن ثلاثة مليار دولار للحكومة في السودان, وبشيء من التدقيق والتمحيص يتضح لنا هنا أن ذلك التواجد السوداني في المملكة لم يكن من قبيل الصدفة، لاسيما وأنه قد جاء في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة السودانية موجة عارمة من الغضب والمعارضة الشعبية لنظام الحكم, ففي حين يقف الجيش السوداني في وجه الشعب المطالب بإقامة نظام حكم مدني وانتقال السلطة من قبضة الجيش إلى الحاضنة الشعبية، تذهب الحكومة إلى الاستجداء والاستعانة بالحلفاء في السعودية والإمارات ليعمد هذا الأخير بدوره إلى الضغط بأمواله وعلاقاته الدبلوماسية والسياسية في محاولة منه لإبقاء زمام الأمور في متناول القوة العسكرية في البلد؛ وليس ذلك بالأمر المستغرب طالما وأن ممالك الخليج في حاجة ملحة للجيش السوداني لدعم حربها القائمة على الأراضي اليمنية.

ومن المعلوم للجميع أن الجيش السوداني قد دفع ثمناً باهظاً مضحياً بما لا يقل عن ٨٥٠ جندياً كانوا وقوداً رخيصاً لحرب قوى التحالف ضد الحوثيين المسيطرين على جزء لا يستهان به من اليمن وذلك وفقاً لما ورد في تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة.

في عهد الرئيس السوداني السابق ، عمر البشير، لم تكن تلك المشاركات والتضحيات القتالية بالأمر الذي يمكن أن ينمو إلى مسامع العامة؛ أما وقد صارت صلاحيات ذلك الجنرال جزء من التأريخ وخارج نطاق الحكم، لم تعد تلك الجرائم والوقائع بعيده عن الرأي العام بل فقد باتت أشد وضوحاً وتناولاً مما كان يمكن أن يكون.

وفي إطار من التبعية المقيتة وعلى نحوٍ ممنهج كما لو كان التأريخ يعيد نفسه، ها هو جنرال آخر قد تولى زمام الحكم العسكري في البلد ويؤكد في زيارة ودية للقاهرة عزمه على عدم التخلي عن ولي العهد السعودي في حربه في اليمن برغم التعثر الملحوظ الذي تتعرض له القوات السودانية يوماً تلو الآخر وبصورة متنامية؛ وفضلاً عن ذلك لم يعد الأمر مقتصراً على الأراضي اليمنية فحسب بل اتسعت رقعة الانكسار لتصل إلى جنوب المملكة كما هي الحال في جازان ونجران وعسير، حتى أصبح “أمير الحرب” يرى جنوده يغادرون مواقعهم وبشكل جماعي في محاولة منهم للفرار من هجمات الطائرات المسيرة التابعة لجماعة أنصار الله الحوثية.

وفي حضرة الرئيس المصري ، عبدالفتاح السيسي ، صرح رئيس المجلس العسكري المسيطر على نظام الحكم في السودان قائلاً: ” نحن لن نتراجع أبداً عن دعمنا ومؤازرتنا لحلفائنا في السعودية في مواجهة الهجمات الإيرانية والاعتداءات التي يقوم بتنفيذها إرهابيي أنصار الله على أراضي المملكة “.

وبالرغم من ممارسات الجيش السوداني اللاإنسانية وقيامه ببيع جنوده إلى السعودية والإمارات مقابل الدعم المادي والبقاء في سدة الحكم، إلا ان ذلك لا يلقى أي معارضة او حتى مجرد استنكار من قبل الدول التي توصف بأنها “ديمقراطية”.

ووفقاً لما جاء في وسائل الإعلام الرسمية في المملكة العربية السعودية ، فقد جرى اللقاء بين ممثل الحكومة السودانية وولي العهد السعودي ، محمد بن سلمان ، في منطقة جدة الواقعة غربي المملكة, ومن البديهي أن يكون هذا الحدث بمثابة تأطير وتحديث لاتفاق ثنائي يحمل الحكومة العسكرية في السودان على المشاركة في العمليات العسكرية التي تقوم بتنفيذها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن؛ وإذا ما جرت الأحداث بما يؤكد على ذلك، فلا شك انها ستغدو بالتبعية من الأطراف المشاركة في ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين من الشعب اليمني.

ولتكون الصورة أكثر وضوحاً يمكننا القول بأن ذلك “العهد الإجرامي” المتفق عليه بين الخرطوم والرياض يتمثل في إرسال الجنود السودانيين إلى اليمن لقتل المدنيين وفي المقابل ذلك تلتزم المملكة بتقديم الدعم المالي الضروري لبقاء واستمرار الحكم العسكري في السودان.

ومن هذا المنطلق ليس من المستغرب أن نجد من يقول بأن الجيش السوداني يمر بمرحلة انتقال على أيد المملكة العربية السعودية من جيش عسكري يدافع عن بلده إلى جيش من المرتزقة يخدم لصالح من يدفع له؛ فضلاً عن ذلك، علينا أن ندرك جيداً بأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يقدم كل الدعم اللوجستي والسياسي لتلك الحرب الجائرة، لم يكن قط في صفوف من يعبرون عن استياءهم واستنكارهم لما يجري على الأراضي اليمنية؛ فقد أعلن أنه وقع عقد أسلحة بقيمة ثمانية مليار دولار مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة, ومن البديهي ألا يتم الزام الأطراف المستفيدة من العقد بتقديم الضمانات الكافية لعدم استخدام تلك الأسلحة ضد المدنيين؛ وضمنياً يصبح لدى أمير الحرب السعودي كل الصلاحيات ومطلق الحرية في ارتكاب جرائم حرب وبموافقة أميركية مبطنة؛ وفي المقابل, يلتزم أمير الحرب بدفع المليارات من الدولارات إلى الحليف الاول في واشنطن, ولإيجاز القول، خلافاً لكل ما سبق ذكره سوف يضل الرأي العام العالمي يدين ويرفض جرائم الحرب التي ارتكبتها ولا زالت ترتكبها المملكة العربية السعودية بحق المدنيين من الشعب اليمني.