بعد 17 عاماً على انتصار تموز.. كيف سيكون سيناريو المواجهة المقبلة؟
نضر فارس*
لا تخفي المستويات السياسية والعسكرية في كيان “إسرائيل” نياتها الدائمة لشن حرب على لبنان، وخصوصاً بعد النتائج التي استخلصتها من حرب لبنان الثانية (تموز 2006) والهزيمة التي مُنيت بها على صعيد عدم تحقيق أهداف الحرب بعد 33 يوماً من القتال، واضطرارها إلى القبول بوقف النار من دون كشف مصير جندييها اللذين كان أسرُهما السبب المباشر لبدء العدوان.
في 14 آب/أغسطس 2006، انتهت الحرب. وقف إيهود أولمرت في الكنيست ليعلن ما اعتبره “انتصاراً”، لكن الأصوات الرافضة انطلقت من أعضاء الكنيست، وامتدت إلى خارجه، وأجبرت حكومة الاحتلال على تأليف لجنة فينوغراد للتحقيق في استعداد المسؤولين وأدائهم في الحكومة والمؤسسة الأمنية في الحرب. وقد خلصت اللجنة بعد أشهر إلى أنّ الحرب كانت “فشلاً ذريعاً” من أولمرت ومسؤوليه.
منذ ذلك الوقت، تعمل المؤسسة العسكرية على التحضر لسيناريو الحرب المقبلة مع حزب الله، وتقيّم التدريبات والمناورات السنوية، وتصدر التقارير التي تقر بأنها تخدم هدفاً رئيسياً هو “الحرب في الشمال” وسيناريو مواجهة عناصر المقاومة.
رغم عدم شن كيان “إسرائيل” حرباً منذ 17 عاماً، فإن طبولها قُرعت أكثر من مرة، وقاربت حد التفجر في مناسبات عديدة، غير أن ردود فعل المقاومة الحاضرة ولهجتها العالية كانا سبباً في تراجع كيان “إسرائيل” دائماً، على قاعدة أن الاستعداد للحرب يمنع حدوثها، وكان الطرفان يعتبران أن الحرب مقبلة لا محالة، وما يعضد ذلك هو تصريحات الفريقين واستعدادهما العالي لها.
في ذكرى تحرير جنوب لبنان هذا العام، قال السيد نصر الله إن “من يفترض أن المعركة مع الاحتلال انتهت فهو مشتبه”، ونبّه الصهيوني الذي تحدث عن الحرب الكبرى إلى أن هذه الحرب “ستشمل كل الحدود وستضيق مساحاتها وميادينها بمئات آلاف المقاتلين”.
هذا الكلام تكرر أكثر من مرة على لسان السيد نصر الله ومسؤولي الحزب، وإن كان بصيغ مختلفة. وقد دلت المناورة الأخيرة للحزب في 21 أيار/مايو على أنه يركز على القدرات والتدريبات الهجومية، استعداداً للحرب المقبلة.
الصهاينة من جهتهم لا يفتأون يتحدثون عن الاستعداد للحرب ضد حزب الله، ويحذرون من أن “الجيش” والجبهة الداخلية غير جاهزين لخوض هذه الحرب، وخصوصاً في حال توسعها لتشمل باقي أطراف محور المقاومة.
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية، أهرون حليفا، تحدث عن الحرب الكبرى مع حزب الله، وذلك في معرض تعليقه على مناورة الحزب الأخيرة، معتبراً أن حزب الله “قريب من ارتكاب خطأ يقود الأوضاع المتدهورة في المنطقة إلى حرب كبيرة”.
من جهتها، توقعت الاستخبارات العسكرية الصهيونية “أمان”، الأسبوع الفائت، اندلاع مواجهة شاملة على الجبهة الشمالية، مرجعة الأمر إلى “تأكّل قوة الردع في مواجهة حزب الله”.
دراسة سابقة لمعهد دراسات الأمن القومي الصهيوني أكدت أن “الجيش” الإسرائيلي مطالب بالاستعداد لاحتمال شن حرب على الجبهة الشمالية، ونقلت عن كبار ضباط “الجيش” أن “مواجهة أخرى مع حزب الله هي مسألة وقت فقط”.
المحلّلون والمعلقون الصهاينة يتحدثون أيضاً عن حتمية الحرب مع المقاومة في لبنان باعتبارها أكبر تهديد. المعلق العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهشوع، قال في وقت سابق “إن حرباً بين كيان إسرائيل وحزب الله ستندلع قريباً”، لكن توقيت هذه الحرب واحتمالات حدوثها تبقى رهن الظروف السياسية والتطورات في الداخل الصهيوني والمنطقة.
وقد ساهم تطور المقاومة وزيادة عديدها وعتادها وخبرة مقاتليها في تأجيل حدوث الحرب وزيادة الخشية الصهيونية من نتائجها، إضافة إلى أن التغييرات الداخلية في كيان الاحتلال والتطورات الإقليمية والدولية، ومن ضمنها تعاظم قوى محور المقاومة، كلها أسباب فرضت على “إسرائيل” أن تكون رهن سياسيات دفعتها إلى التراجع والانكفاء في أكثر من مفصل.
باختصار، “إسرائيل” تجد نفسها مضطربة بين خيارات أحلاها مر، فالحرب اليوم سوف تكون بتكلفة لا تستطيع احتمالها، والاستمرار في فكرة الحرب المؤجلة تجعل صورتها مستمرة في التأكل. أما بالنسبة إلى المقاومة، فهي تظهر آليات التخطيط الهادئ في اتجاه الهدف، وهذا هو جوهر ما يثير قلق الإسرائيلي الذي يشعر بحالٍ من العمى في استشراف المستقبل.
سيناريو الحرب المقبلة
تعمل مراكز الأبحاث والدراسات بشكل حثيث على دراسة قدرات حزب الله ومحور المقاومة من جهة، والقدرات الصهيونية من جهة أخرى، وتستخلص العبر والنتائج من جولات القتال السابقة، وخصوصاً مع حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة، في محاولة لتوقع شكل الحرب المقبلة.
وتجمع الدراسات على أن الصهيوني (في حال قرّر بدء الحرب) سيبدأ بأسلوب تقليدي مبني على غارات جوية واستهدافات لبنك أهداف محضر سلفاً، في محاولة لضرب ما يُقدّر أنها مراكز لحزب الله أو مخازن أسلحة، مع محاولة قصف الطرق الرئيسية والجسور لتقطيع أوصال المناطق اللبنانية، مع تقدير أن الحرب في البداية لن تتعدى الجنوب اللبناني، ولن يوسعها الاحتلال إلا تحت ازدياد ضربات المقاومة، وستحاول القوات الجوية مراقبة تحرك عناصر المقاومة واستهداف قادتهم عبر الطائرات من دون طيار.
أما الحرب البرية والتوغل الصهيوني في الأراضي اللبنانية، فلن يكونا من ضمن الخيارات المطروحة على طاولة الكابينت، وخصوصاً أن تجربة التوغل البري في حرب 2006 أوقعت قوات الجيش في كمائن المقاومة وكبدتها خسائر كبيرة، ولم تتمكن من تحقيق أي تفوق أو تقدم في قبالة عناصر الحزب الذين يتمتعون بسرعة الحركة والتنقل ومعرفة أرض المعركة التي جهزوها بالعبوات والخنادق والأنفاق، مع مخاوف متعاظمة لدى “جيش” الاحتلال من أسر جنوده في أي اشتباك مباشر مع المقاومة، ما أجبره على العودة إلى مناقشة تطبيق إجراء “هنيبعل” الذي يسمح له باستخدام مختلف أنواع الأسلحة والقوة التدميرية لمنع أسر أي من جنوده، عبر استهداف القوة الآسرة ومنعها من مغادرة المكان، حتى لو شكّل ذلك خطراً على الجندي المخطوف.
إذاً، سيحاول الاحتلال المدفوع بقلة الخيارات تكرار ما عرف بـ”عقيدة الضاحية”، من خلال استهداف البنية التحتية والأبنية السكنية للضغط على بيئة الحزب، ولكن من قال إن المقاومة، التي يقول عنها المراقبون في كيان “إسرائيل” إنها تملك قدرات مميزة في الدفاع الجوي –وقد طورتها بالفعل خلال السنوات الماضية- ستسمح للاحتلال بحرية الحركة، كما كان الحال قبل عام 2006؟!
حزب الله.. سيناريو إدارة المعركة
أما من طرف حزب الله، فلا يُعرف على وجه اليقين كيف سيدير الحزب المعركة، وكيف سيطور القتال فيها، فهو لا يكشف قدراته أو تكتيكاته. كل ما كشفه هو ما رأيناه خلال المناورة الأخيرة الذي تضمنت محاكاة لقيام عناصر من قوة “الرضوان” بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ومهاجمة قواعد الاحتلال فيها.
لكن التقديرات والتصريحات الصهيونية تعطينا جانباً من الصورة. مفوض شكاوى الجنود السابق في “جيش” الاحتلال، اللواء إسحاق بريك، يرى أن الحرب المقبلة ستكون حرباً شاملة، وأنها ستتضمن إطلاق 3500 صاروخ وقذيفة صاروخية يومياً على كيان “إسرائيل”، وصوّر الوضع بأنه سيكون “هستيريا في لحظات ذروتها”.
القدرات الصاروخية
بحسب التقديرات، قبل عدوان تموز 2006، امتلك حزب الله نحو 15 ألف صاروخ، استخدم منها نحو 4 آلاف فقط على مدار 33 يوماً، لكن التقديرات الصهيونية تشير إلى أن هذه القدرات تعاظمت خلال الأعوام الـ17 الماضية، إذ باتت ترسانة الحزب الصاروخية -بحسب ما يرشح من تقديرات- تربو على 200 ألف صاروخ من مختلف المديات والقدرات التدميرية، تتنوع بين صواريخ “كاتيوشا” و”فجر” و”رعد” (يتجاوز 70 كم) و”خيبر (يتجاوز 100 كم).
وتضم الترسانة أيضاً صواريخ زلزال (1 – 2)؛ النسخة البديلة لصواريخ “فروغ” الروسية، التي تصل مدياتها إلى ما يزيد على 200 كم، وتكمن خطورتها في حمولتها الكبيرة من المتفجرات، التي ستحدث أضراراً كبيراً في المستوطنات والمنشآت الصهيونية وتوقع الكثير من الإصابات.
يملك حزب الله أيضاً مجموعة من الصواريخ البالستية، بحسب التقارير الإسرائيلية، وهي تشكل خطورة كبيرة على الداخل الصهيوني، نظراً إلى مدياتها العالية وصعوبة التصدي لها وقدراتها التدميرية الكبيرة.
ومن الأنواع التي يملكها الحزب “فاتح 110” الذي يبلغ مداه 300 كم، ويحمل نصف طن من المواد المتفجرة في رأسه الحربي، إضافة إلى صواريخ “سكود” التي تصل مديات بعض أنواعها إلى ما يزيد على 700 كم.
أكثر ما يشكل الرعب لدى “جيش” الاحتلال هو الصواريخ الدقيقة التي بات الحزب يملك ترسانة منها، بحسب التقديرات، والتي ستؤدي إلى خسائر كبيرة في المنشآت الصهيونية والقواعد العسكرية والمطارات الجوية. ما يثير قلق الاحتلال هو عدم معرفته بتقدير عدد الصواريخ الدقيقة التي بات حزب الله يمتلك قدرة كاملة على تجهيزها أو تحويل الترسانة القديمة إلى صواريخ دقيقة.
هذه القدرات الصاروخية الاستثنائية لدى حزب الله ستفرض ضغطاً كبيراً على منظومات الدفاع الجوي الصهيوني، إذ لن تكون “القبة الحديدة” قادرة على التصدي للصواريخ الكبيرة التي تحتاج إلى المنظومات الأعلى كفاءة (مقلاع داوود – حيتس)، التي لا يملك الاحتلال منها ما يكفي لتغطية كامل أجواء فلسطين المحتلة، فضلاً عن تكلفتها العالية التي سترهق حكومة الاحتلال إذا امتدت الحرب زمنياً أو توسعت جغرافياً لتشمل المقاومة في غزة أو جبهات أخرى، كجبهة الجولان السوري المحتل.
اعتمد حزب الله عقيدة مواجهة هي الأحدث على المستوى العسكري، فهو لا يحضر لـ”حرب غير متناظرة” يتم استخدامها عادة لجسر فجوات القوة مع الطرف الآخر، إنما يعتمد على الصواريخ التي أثبتت فعاليتها في المواجهات، حتى الدولية منها. ولو أمعنّا النظر في العقيدة العسكرية الصينية مثلاً التي تعتمد مبدأ “الدفاع النشط”، لوجدنا أن الارتكاز الرئيسي للصين على هذا النوع من السلاح: الصواريخ.
حرب المسيّرات
كانت يد “إسرائيل” على مدار سنوات طويلة هي الطولى في استخدام الطائرات المسيّرة وتطويرها، لكن السنوات الأخيرة شهدت تطوراً كبيراً في قدرات المقاومة الجوية، إذ كشفت صحيفة “معاريف” الصهيونية عن قلق صهيوني متنامٍ من التغيير الدراماتيكي الذي شهدته القدرات الجوية لحزب الله بدعم إيراني، ما ساهم في ردم الهوة أمام ما كان يعرف بالتفوق الجوي الصهيوني.
ولعلّ الإعلان عن قيام المسيرة “حسان” في شباط/فبراير 2022 بجولة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة استمرت 40 دقيقة وقطعها مسافة 70 كم من دون أن تتمكن الأجهزة الصهيونية من اكتشافها أو إسقاطها، كان أبلغ تحذير للاحتلال من القدرة التي وصل إليها الحزب.
أكملت المقاومة هذه الصورة في تموز/يوليو 2022 عندما أطلقت 3 مسيرات باتجاه حقل “كاريش”، كرسالة تهديد للإسرائيلي عقب النزاع الذي دار قبل التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية. وقد تمكّنت المسيرات من تصوير المنصات الصهيونية وتحديد مواقعها والتهديد بقصفها.
ولعل الأسطول الذي بات الحزب يملكه من هذه المسيرات، بحسب الإعلام الصهيوني (إحصائية لمركز أبحاث “ألما” الصهيوني تقدر أن الحزب يمتلك نحو 2000 طائرة مسيّرة)، غيّر قواعد الاشتباك مع الاحتلال، إذ تقوم هذه المسيرات بتعزيز بنك الأهداف الذي تمتلكه المقاومة لمواقع الاحتلال الحساسة وجمع المعلومات عن تحركات قطعه العسكرية وآلياته، ما يشكل إضافة كبيرة لم تكن متوافرة لدى الحزب في 2006، ويسهم في إصابات دقيقة ومباشرة ستكلف الاحتلال وقواته ومستوطنيه الكثير على صعيد الخسائر البشرية والمادية والحرب النفسية.
وهنا أيضاً، نجد أنَّ حزب الله واكب العناصر الأكثر حسماً في الحروب الحديثة، ومنها المسيرات، التي لاحظنا مدى أهميتها في المواجهة الأطلسية الروسية في أوكرانيا.
الحرب البرية ومعادلة الجليل
كما أسلفنا، فإن قادة الاحتلال أخذوا العبر من حرب تموز وجولات القتال في غزة، ولن يضعوا حسابات التوغل البري ضمن خيارات المعركة، وهذا كان واقع الحال في الحربين الأخيرتين على قطاع غزة.
لكن التحدي المفروض على قادة الاحتلال في أي حرب مقبلة مع الحزب هو التهديد الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله في 16 شباط/فبراير 2011، عندما توجه إلى مقاتلي المقاومة بالقول: “كونوا مستعدين ليومٍ إذا فُرضت فيه الحرب على لبنان قد تطلب منكم قيادة المقاومة السيطرة على الجليل، يعني بتعبير آخر تحرير الجليل”.
وقد أكد الأمر في مناسبة أخرى بقوله “إن مقاتلي الحزب باتوا يملكون الجاهزية المطلوبة لاقتحام الجليل في أي حرب مقبلة، إذا اقتضت الحاجة”.
تعرف “إسرائيل” بقادتها العسكريين والسياسيين أن السيد نصر الله صادق عندما يتحدث عن قدرة المقاومة على الدخول إلى الجليل، فهم خبروا هذا الصدق في مناسبات كثيرة، وهم يراقبون ويعرفون أن الحزب يستعد ويراكم الإنجازات على هذا الصعيد.
وقد كان لتجربته في سوريا أثر كبير في خلق تكتيكات وتطبيق إجراءات عملية على أرض الواقع، فيما تمرس عناصره في حرب المدن والتنقل في الأنفاق واختراق التحصينات والقتال المباشر من غرفة إلى غرفة. هذا السيناريو يخشاه الاحتلال بعسكرييه ومدنييه، وخصوصاً من يقطن في المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية.
يؤكد الخبراء العسكريون الصهاينة أن الحزب لن يتوغل بضعة كيلومترات في أراضي فلسطين المحتلة فحسب، بل سيعمل أيضاً على السيطرة على مستوطنات كاملة، تساعده في ذلك الأنفاق التي يقول الاحتلال إن حزب الله يعمل على حفرها تحت الحدود، والتي قال إنه اكتشف بعضها سابقاً، إضافة إلى طبيعة الجغرافيا في المنطقة، التي تعطي مقاتلي الحزب أفضلية أكبر، لكون الجزء اللبناني من الحدود أكثر ارتفاعاً، ولأن أجزاء كبيرة منه مطلة على مساحات واسعة من أراضي فلسطين المحتلة.
هذا التوغل، إن حدث، سيشكل مشكلة كبيرة للاحتلال الذي سيضطر جنوده إلى الهرب والتراجع، وربما ترك قواعدهم العسكرية وآلياتهم، إضافة إلى أن مستوطني الاحتلال سيسعون للفرار، مع صعوبة تحقيق ذلك في ظل تبادل إطلاق الصواريخ والقذائف على طرفي الحدود، ولن تمحى من عقولهم صور عناصر الحزب يسيطرون على مستوطناتهم، وسيدفعهم ذلك إلى ترك المستوطنات، وإلى الهرب من كيان “إسرائيل” كلها أيضاً.
هذا السيناريو سيصل إلى نتائج كارثية على الاحتلال وجبهته الداخلية وصورة “جيشه” في حال تمكن عناصر الحزب من السيطرة على المستوطنات والمدن الكبرى في الشمال، وخصوصاً الوصول إلى حيفا، التي تبعد نحو 40 كم عن الحدود.
تبقى المسألة الأساسية في الهجوم البري للمقاومة مستندة إلى فارق العقيدة لمصلحتها ضد “جيش” الاحتلال. وبالعودة إلى تموز، كانت الغلبة البرية لمصلحة حزب الله، ليس بسبب معرفة الأرض فحسب، وكذلك التكتيك العسكري في حصار الآليات والجنود، إنما أيضاً لفارق المعنويات عن الجنود الإسرائيليين الذين سجل في صفوفهم الكثير من حالات الاضطراب النفسي بعد المواجهة، وما زال صراخهم يشكل جزءاً من ذاكرة انتصار تموز نفسها.
ضعف الجبهة الداخلية
أكبر مشكلات الاحتلال في أي حرب مقبلة مع حزب الله ومحور المقاومة ستكون الجبهة الداخلية التي أصيبت بالتصدع خلال السنوات الماضية، سواء بالانقسام السياسي بين مؤيدي نتنياهو والصهيونية الدينية من جهة، والمعارضة التي ترفض التعديلات القضائية والتغييرات التي أجرتها حكومة نتنياهو على مستوى المؤسسة العسكرية والأمنية من جهة ثانية.
هذه التظاهرات التي تشهدها شوارع المدن الفلسطينية المحتلة كلّ أسبوع أظهرت انقساماً حاداً لن يتم إصلاحه بمجرد تعرض كيان “إسرائيل” للقصف المكثف والخسائر الكبيرة، بل ستكون مناسبة وفرصة للمعارضة لزيادة الضغط على نتنياهو وتصوير أن إجراءات حكومته كانت السبب في الوصول إلى هذه الحال.
وفي خلفيات الانقسام الداخلي، تظهر مشكلة رفض التجنيد والخدمة في الاحتياط، وخصوصاً في صفوف القوى الجوية، ومن المعروف أن “جيش” الاحتلال يعتمد في أي حرب على جنود وضباط الاحتياط، ما سيخلق لديه مشكلة في العديد وعدم القدرة على استخدام القوات الجوية وكل الوسائط، كما في الحروب السابقة.
كما أن تجربة “سيف القدس” عام 2021 التي أنتجت حالة من التحركات الكبيرة في صفوف الفلسطينيين في المدن الفلسطينية المحتلة وخلقت إرباكاً كبيراً للاحتلال تعد بأن تتعاظم هذه التحركات وتستفيد من الضعف الإسرائيلي وتركز جهودها في الحرب على الحدود.
اللواء بريك يحذر من هذه التداعيات، ويرى أنها ستكون أكبر من أحداث “حارس الأسوار”، وأن “المشاغبين العرب داخل كيان إسرائيل سيبدأون الاحتفال.. ستقع كيان إسرائيل في الفوضى، وإذا كان هناك 6 آلاف مثير للشغب في حارس الأسوار، فإن الآلاف سيشاركون هذه المرة، وستكون الشرطة تائهة وغير قادرة على تقديم أي إجابات”.
بالطبع، إن عوامل أخرى قد تساهم في صوغ مسار الحرب ومجرياتها، ومنها توقيت دخول أطراف محور المقاومة في المعركة، وخصوصاً فصائل المقاومة في غزة، ورفع حجم الضغط على الاحتلال في كل الجبهات، وأيضاً الدعم الأميركي الذي ستحظى به كيان “إسرائيل” من واشنطن، والمعلومات الاستخبارية لدى كل من طرفي المعركة وحسن استخدامها، إضافة إلى الخسائر والكلف الاقتصادية التي ستكون عاملاً مؤثراً، وخصوصاً على حكومة الاحتلال، في حال امتدت الحرب وتوسعت زمانياً.
من هشاشة البنية الداخلية للاحتلال، وتعاظم الانقسام السياسي، إلى تصاعد قدرات المقاومة واتساع محورها، يبدو أن ملامح المعركة المقبلة لا تسير إلا في اتجاه التحرير الكامل.
* المصدر: الميادين نت
* المقال الصحفي يعبر عن وجه نظر الكاتب فقط