جدة أوباما كانت شاهدا على الجريمة
السياسية:
حين حملوا السلاح في وجه الإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس، وصفوهم بأنهم أكلة لحوم بشر، فأصبح قتلهم بلا رحمة أمرا مشروعا.
الحديث يدور حول حركة مناهضة للاستعمار البريطانية في كينيا، لا يزال الجدل يدور حولها بعد أن تم تلطيخ سمعتها ورسم صورة تقليدية عن أفرادها، ترسخت بمرور الزمن على أنهم “متوحشون يريدون القضاء على الحضارة”.
يعود تاريخ حركة “ماو ماو” إلى النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، حين نشطت حركات التحرر الوطني في معظم المستعمرات الأوروبية في أعقاب الحرب العالمية الثانية،
هذه الحركة، التي اختار لها البريطانيون اسم “ماو ماو” لتأكيد توحشها وإجراميها، كان أغلب منتسبيها من شعب “كيكويو”، الأكبر عددا في كينيا، وهي من مجموعة البانتو بينو العرقية، وكان هؤلاء يحاولون التمسك بمعتقداتهم التقليدية ومقاومة أنشطة التنصير المكثفة لعقود طويلة.
كينيا وقعت في قبضة الاستعمار البريطاني منذ بداية القرن التاسع عشر، وبعد قرن ونصف، في عام 1952 بلغ التمرد الذي قادته هذه الحركة مداه بما في ذلك في العاصمة نيروبي.
اسم تلك المنظمة التي حملت على عاتقها القتال ضد البريطانيين للحصول على الاستقلال “”الجيش الكيني للأرض والحرية” وبعد أن تكونت تحت الأرض خرجت إلى العلن وشنت حرب عصابات ضد الوجود البريطاني.
زعيم حركة “ماو ماو”، يدعى ديدان فاشيوري كيماثي “1920-1957″، وهو أيضا من شعب “كيكويو”، وكان قاتل في صفوف القوات البريطانيا في الحرب العالمية الثانية.
البريطانيون استخدموا اسم “ماو ماو” في وصف حركة المنتفضين ضدهم عن قصد، لترسيخ صورة متمردين متخلفين في نظر المجتمع الدولي، وبالتالي كي لا يعد قمعها بوحشية شيئا مخزيا أو غير إنساني.
البريطانيون في تلك الفترة التي بدأت فيها تآكل امبراطوريتهم الاستعمارية، ردوا على قتل حركة “ماو ماو” 32 من الأوروبيين المسيطرين على الأراضي الزراعية، بقتل 300 ألف شخص من شعب كيكويو، والزج بمليون ونصف مليون آخرين في معسكرات اعتقال، كما أن لندن استعملت سياسة “فرّق تسد”، واستعانت بقسم من شعب كيكويو، وجندته لقتال أبناء جلدته!
بالمقابل، يرى المؤرخون الأفارقة أن انتفاضة “ماو ماو” ضد الاستعمار البريطاني في كينيا كانت حاسمة في مسيرة النضال من أجل استقلال القارة السمراء برمتها.
ثلاث روايات تتداول لأصل تسمية “ماو ماو”، الأولى تقول إنه يعني بلغة كيكويو “الجلاء الجلاء”، فيما يفترض آخرون أنها اختصار باللغة السواحلية لعبارة “البيض يعودون على أوروبا، الأفارقة يستعيدون الاستقلال”. التفسير الثالث وهو بشع بما فيه الكفاية، يرجح أن “ماو ماو”، يعكس الصوت الذي يصدر عن الضبع وهو يلتهم الجيف!
بعد أن ارتفعت أعداد المقاتلين في جيش “ماو ماو” إلى حوالي 40 الف شخص بحلول عام 1952، حشدت بريطانيا قواتها لإخماد التمرد واستجلبت أعدادا من مستعمراتها الأخرى، وأطلقت عملية “السندان” للقضاء علي التمرد بوحشية.
مشطت القوات الاستعمارية البريطانية كينيا طولا وعرضا بحثا عن المتمردين، ولاحقتهم بلا هوادة قتلا وتشريدا إلى أن قبضت على زعيمهم ديدان فاشيوري كيماثي، ثم أعدمته شنقا، فيما لم يسقط من البريطانيين إلا 700 شخص.
كل ذلك لم يؤخر من غروب شمس الإمبراطورية البريطانية، فقد اضطرت السلطات الاستعمارية إلى إلغاء الأحكام العرفية في كينيا عام 1960، وبعد ثلاث سنوات حصل هذا البلد الإفريقي على استقلاله.
بعد أن طويت صفحة الاستعمار، أمّن البريطانيون أسرارهم وسمعتهم من أي ملاحقة مستقبلية بتدمير وزارة الخارجية البريطانية للوثائق ذات الصلة بإجراءات قمع انتفاضة “ماو ماو”، والأمر ذاته جرى لوثائق الشرطة الاستعمارية.
في هذا السياق يذكر أن سارة أوباما، جدة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كانت أمضت 6 شهور في أحد معسكرات الاعتقال التي أقامتها بريطانيا لإخماد ثورة “ماو ماو”، وهناك تعرضت للتعذيب من قبل المستعمرين البيض.
* المصدر: روسيا اليوم
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر