السياسية:

في عام 1983 قرر الرئيس الأمريكي رونالد ريغان التخلص نهائيا من عقدة فيتنام التي كانت مرارتها لا تزال عالقة حلق واشنطن، واختار لهذا الغرض غرينادا، أصغر جزيرة في البحر الكاريبي.

ريغان الذي كان اتبع سياسة متشددة وعدوانية ظهرت تجلياتها في مشروع حرب النجوم الخيالي ضد الاتحاد السوفيتي، وجد ضالته في مشروع بناء مطار في غرينادا من قبل حكومتها اليسارية ذات الميول الشيوعية والعلاقات الوثيقة مع الاتحاد السوفيتي وكوبا.

بدأ رونالد ريغان في دق طبول الحرب وأعلن في خطاب أن الكوبيين يعملون على بناء مهبط بطول 3 كيلو مترات جنوب البحر الكاريبي بأموال من الاتحاد السوفيتي، معتبرا الخطوة تهديدا للمصالح الأمريكية والمطار قاعدة لتوسع الشيوعية في حوض الكاريبي، ولاستقبال طائرات الشحن السوفيتية والكوبية.

حكومة غرينادا، الجزيرة الصغيرة الواقعة على بعد 90 ميلا من ساحل فنزويلا، التي كانت تقيم علاقات مع المعسكر الشرقي وتحافظ في نفس الوقت بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، أكدت أن المطار يبنى حصريا من أجل اجتذاب السياح إلى الجزيرة، وأن ممولين من 17 دولة بينها بريطانيا وفنلندا تشارك في المشروع، ودعت حكومة الجزيرة صحفيين دوليين لزيارة مشروع المطار وتفقده!

قبل ذلك، غرينادا كانت تحت سلطة دكتاتورية دموية بواجهة ديمقراطية لنحو 30 عاما، يقودها إريك جيري، إلا أن ضباطا يساريين في جيش الجزيرة وقوات الشرطة أطاحوا به في 13 مارس 1979، وأقاموا حكومة ثورية ودولة اشتراكية ترأسها موريس بيشوب.

حاول بيشوب المحافظة على علاقات جيدة مع إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، على الرغم من العلاقات الوثيقة بالكتلة الشرقية، كما لم يمنع هذا الوضع 800 طالب أمريكي من الدراسة في جامعة سانت جورج في الجزيرة، فيما وصالت الإدارة الأمريكية الزعم بأن حياتهم معرضة للخطر!

حين وصل ريغان إلى البيت الأبيض غير سياسة بلاده بالنسبة لطريقة التعامل مع اللاتينيين “الحمر”، ورفض قبول أوراق اعتماد سفير غرينادا، فيما استمر الطلاب الأمريكيون في الدراسة بالجزيرة.

أولى العلامات الدالة على غزو قادم، ظهرت في مارس 1983، حين أعلن ريغان مقاطعة غرينادا وحث السياح الأمريكيين على عدم زيارة الجزيرة، فيما أجرت البحرية الأمريكية تدريبات بالقرب من المياه الإقليمية لغرينادا.

غرينادا استعدت لمواجهة الغزو ووضعت جيشها الصغير في حالة تأهب في 26 مارس 1983، إلا أن زعيم البلاد بيشوب حاول تجنب الكارثة وسافر إلى واشنطن في يوليو، حيث التقى بوليام كلارك، مساعد الرئيس للأمن القومي، وبحث إمكانية تحسين العلاقات بل ووعد بإعادة النظر في العلاقات مع كوبا.

رفاق بيشوب من الجنرالات “الثوريين” لم يعجبهم تصرفه فقاموا باعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية، لكن أنصاره خرجوا في مظاهرات عارمة في العاصمة ونجحوا في إطلاق سراحه، إلا أن الجنرالات المتمردين أرسلوا تعزيزات إلى هناك وقتل موريس بيشوب في تبادل لإطلاق النار، فيما ترأس قائد جيش غرينادا الجنرال أوستن مجلس عسكري استولى على السلطة.

بذلك أصبحت الظروف مواتية “لتخليص الجيش الأمريكي” من عقدة فيتنام بغزو جزيرة لا يزيد عدد سكانها حينها عن 100000 نسمة.

حشد ريغان في أكتوبر 1983 دعم الأعضاء السبعة في منظمة دول شرق البحر الكاريبي، ثم أمر تشكيلا من قطع السطول الأمريكي كان مكلفا بنقل دفعة جديدة من مشاة البحرية على لبنان، بتغيير مساره والابحار إلى غرينادا، و”إذا لزم الأمر إجلاء الطلاب الأمريكيين من هناك”.

بدأ الغزو، ونزل 1900 من مشاة البحرية الأمريكية رفقة 300 جندي تابعين لدول الكاريبي، صبيحة 25 أكتوبر 1983 في العاصمة سانت جورج، وبدأ سلاح الجو الأمريكي في قصف مقر جيش غرينادا وثكنات الجنود، إلا أن قيادة جيش غرينادا كانت استعدت بإنزال العلم من مبنى المقر ورفعته على سطح مستشفى فريب للأمراض النفسية ، ولذلك سقطت قنابل الأمريكيين على هذا المكان!

بعد قتال استمر ثلاثة أيام بمشاركة الطائرات الحربية النفاثة والطائرات المروحية والسفن الحربية، استولى الأمريكيون على هذه الجزيرة البائسة بالكامل، وقتل لهم 19 عسكريا وأصيب 150 آخرون، فيما قتل للكوبيين الذين شاركوا في صد الغزو 25 شخصا، وهكذا بدأت الولايات المتحدة تخرج من عقدة “فيتنام” لتواصل عربدتها اللاحقة في طول الأرض وعرضها.

* المصدر: موقع روسيا اليوم
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر