كيف تحول ولي العهد السعودي من امير منبوذ إلى زعيم سلطة لا مفر منها
وصل الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، حيث استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لم يعمل هذا الشخص على تحسين صورته فحسب، بل عمل على جعل بلده قوة عالمية عظيمة.
(موقع “فرنس انتر- franceinter” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
تبدأ القصة دائماً بنفس الطريقة عندما نتحدث عن الامير محمد بن سلمان: نتذكر أولاً الدور الذي لعبه في عملية اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، مطلع اكتوبر من العام ٢٠١٨ والذي قُتل وقطعت أوصاله في مبنى القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية.
اجمعت جميع وكالات الاستخبارات على أن الأمير محمد بن سلمان كان على علم وداريه كاملة بعملية الاغتيال هذه.
خلال الحملة الرئاسية الأمريكية، وصفه مرشح الرئاسة جو بايدن بأنه منبوذ وأدار العالم ظهره له.
محمد بن سلمان، الذي يحكم المملكة العربية السعودية بحكم الأمر الواقع بدلاً من والده الملك سلمان الذي انهكه المرض، هو أيضاً رجل الحرب في اليمن، التي اودت بحياة 150 الف شخص.
لم ينتهي به الأمر عند هذا الحظ فحسب، بل عمل على مضاعفة ضربات القوة:
– فرض الحصار على دولة قطر.
– إجبار رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري على تقديم استقالته من العاصمة السعودية الرياض.
غير الأمير محمد بن سلمان من استراتيجيته، دعونا لا نشك في ذلك، فهو لا يزال يحتقر حقوق الإنسان، لكنه هدأ، وهو الآن يسعى للمضي قدماً نحو الانفتاح والحداثة.
أولئك الذين يقتربون منه يعلمون جدا أن لديه سيطرة أفضل على ملفاته.
بعد ضربات القوة، القوة الناعمة:
على الصعيد المحلي، منحت الخطة التي تبناها الأمير محمد بن سلمان لتحديث المملكة العربية السعودية، والمعروفة باسم «رؤية 2030»، شعبية بين فئة الشباب: عمل على تقيد الوهابية، واعطى المرأة المزيد من الحقوق، وتم تسليط الضوء على السياحة والترفيه.
وعلى الصعيد الخارجي، بعد القوة الصلبة والطريقة القوية، اختار الأمير محمد بن سلمان تطوير القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية.
بادئ ذي بدء، عمل على تطوير القطاع الرياضي: تنظم المملكة رالي داكار وسباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1.
وفي كرة القدم، تستضيف في انديتها كريستيانو رونالدو، بنزيمة، ربما غدا نيمار بعد أن رفض عروضها ميسي.
حتى أن السعوديين يسيطرون اليوم على عالم الجولف.
لقد حصلوا على اتفاق مع الجهة المنظمة لجولات الجولف الاحترافية والمرموقة للاندماج مع حلبتهم رغم كل الصعاب.
ومن جانبها، نددت المنظمات غير الحكومية بعمليات الغسيل الرياضي: وهو مصطلح يطلق على ممارسة يستخدمها فرد أو جماعة أو شركة أو دولة قومية للرياضة لتحسين سمعتهم السيئة، من خلال استضافة حدث رياضي أو شراء أو رعاية فرق رياضية أو من خلال المشاركة في الرياضة نفسها.
وهذا ليس كل شيء, عملت المملكة العربية السعودية على تنظيم مهرجانات موسيقى اليكتروكوستيك مع نجوم عالميين مثل برونو مارس أو ديفيد جوتا.
وكدليل على انفتاحها على العالم، أنشأت شركة طيران ” الرياض إير” والتي تعتبر ثاني أكبر شركة طيران في المملكة.
تريد الملكية النفطية بناء مطار جديد وحركة جوية ثلاثية بحلول العام 2030.
الافتتاح على الصين:
تتجه المملكة العربية السعودية أيضاً إلى شركاء جدد، ففي العام 2017، فرشت الرياض السجادة الحمراء للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبعد ست سنوات، حررت المملكة العربية السعودية نفسها من الأب الروحي الأمريكي.
لقد فهمت أن الولايات المتحدة لن تفعل أي شيء للدفاع عنها.
محمد بن سلمان لا يدير ظهره لواشنطن لكنه عمل على تأكيد نفسه.
رفض الاستسلام لجو بايدن الذي طلب منه اللعب على إنتاج النفط لخفض سعر البرميل وعزز علاقاته مع الصين.
بكين هي أكبر مشتر للخام السعودي بل فقد تطور الأمر بينهما، حيث اصبحت حليفا دبلوماسيا، بعد ان توسط الصينيون بين السعودية وإيران.
لكي يثبت نفسه كطرف دبلوماسي أساسي، يجب على الأمير محمد بن سلمان أولاً أن يصنع السلام في الداخل، في منطقة الشرق الأوسط: تصالح مع العدو الإيراني الذي فتح للتو سفارة في العاصمة الرياض؛ ودفن فجوة العداء مع قطر؛ إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا (كان بشار الأسد على رأس اجتماع جامعة الدول العربية المنعقدة في مدينة جدة).
كما استقبل الأمير محمد بن سلمان الرئيس الأوكراني زيلينسكي أثناء حديثه مع الروس، بالرغم من تقدمه للانضمام إلى مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا).
فرنسا شريك تجاري ثانوي للمملكة العربية السعودية، لكنها تنتج الطائرات التي تستهوي الرياض.
يبدأ معرض باريس الجوي على وجه التحديد في بداية الأسبوع المقبل.
باريس هي أيضا مسرح أنيق لإضفاء الطابع الرسمي على ترشيح المملكة العربية السعودية لتنظيم معرض إكسبو العالمي 2030.
كما أن قصر الاليزية الفرنسي يظل شريكا دبلوماسيا ذا ثقل، في الملف الأوكراني على سبيل المثال.
يجب أن يكون الأمير محمد بن سلمان حاضرا في 22 يونيو في القمة الكبيرة التي يريدها إيمانويل ماكرون، والتي تهدف إلى إصلاح التمويل العالمي في مواجهة الاحتباس الحراري.
يريد الأمير محمد بن سلمان أن يكون جزءاً من جميع الأحداث الكبرى، وأن يبدأ تحالفات جديدة، ويتجنب العثرات، لكن السجلات المخصصة له لا تنتهي كما بدأت: نتذكر وفاة خاشقجي، وحقيقة أن يديه ملطختان بالدماء.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع