السياسية:

عبد العزيز الحزي*

شهد كيان العدو الصهيوني لفترة طويلة بعد قمعه للانتفاضة الثانية راحة نسبية، ومن خلال خطة أمريكية مشتركة شهد توسعا غير مسبوق للمشروع الاستعماري الاستيطاني، وتغولا فاحشا للكيان، وترافَق ذلك مع تعاظم قوة اليمين الصهيوني المتطرف ليتعزز حكمه ويعزز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

لكن مع ذلك يشهد الشعب الفلسطيني منذ عام 2009، يقظة شعبية جديدة، كانت بدايتها على شكل هبات شعبية في القدس الشريف، وتطورت إلى واقع آخر، وبأشكال متنوعة من المقاومة. 

ويعيش كيان العدو حاليا نتائج غير متوقعة لأفعاله ولسياساته أو لمشروعه الاستيطاني، وضعته في معضلة جدية شهدنا بعض معالمها في حالة من الارتباك  إزاء التطورات التي حصلت في الأقصى المبارك، في إطار ما أصبح يُعرف بوحدة الساحات منذ هبة الوحدة والكرامة في مايو لعام 2021. 

وهو الأمر الذي يحفز الفلسطينيين على مواصلة النضال، والتفكير والتخطيط المسؤول، القائم على قضم قوة العدو الصهيوني بالتدريج وصولا إلى الغاية النهائية؛ وهي تحرير الأرض والأنسان.

التصعيد الصهيوني المستمر حتى هذه اللحظة، والذي يمارسه كيان العدو الصهيوني فيها الأراضي الفلسطينية المحتلة وكذا ممارسته لأبشع اشكال الانتهاكات للمقدسات الإسلامية وخاصة في القدس وامتداد ذلك التصعيد بغطاء كثيف من وسائل الإعلام موظفا الأحداث الجارية في الأزمة الأوروبية لصالح مشروعهم الاستيطاني، والذي يلقى تجاوبا وتوافقا بين المكونات الحزبية الائتلافية فيها والتوافقية في الكيان الصهيوني والذي أضحى كيانا يمينيا متطرفا في بنيته وفي تشكيل وعيه.

 ويعتبر الساسة الصهاينة أن الاستحقاقات الانتخابية لكيان العدو الصهيوني تتمحور حول كم الدم المقدم فلسطينيا كقربان للانتشار والتجييش لصالح هذا الائتلاف أو تلك الانتهاكات، والتي وصلت ذروتها من خلال الأعياد اليهودية.

وفي تصعيد غير مسبوق أدخل قطعان المستوطنين الصهاينة إلى باحات المسجد الأقصى، قرابينهم وأبواقهم التلموديه من أجل الذهاب إلى التهويد الكامل، واعتبار هذه الشعائر هي ترسيخ للتقسيم المكاني وأن هذه الطقوس التلموديه لا تقاوم الا على أراضي الهيكل المزعوم.

وبعد أن جسد كيان العدو الصهيوني التقسيم الزماني من خلال الاقتحامات اليومية صباحا وفي سياق الغياب الكلي للموقف العربية الإسلامية، يسعى أيضا الى تثبيت التقسيم المكاني وهو الأمر الذي أفرز تحد ومواجهة فلسطينية شاملة لا تقتصر على مدينة القدس فقط وإنما امتدت الى كل الضفة الغربية بكل مكوناتها الفصائلية للوصول الى تصعيد ومواجهة عسكرية نظرا لحجم القمع الصهيوني والاستهداف المباشر وغير المباشر للأفراد والأسر وكل ما هو فلسطيني.

وفي سياق الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك وللمخيمات وللمدن سيؤدي بالضرورة الى التصعيد أكيد، وسيضع الشعب الفلسطيني أمام خيارات محدودة في التعامل مع النتائج الكارثية التي ستنجم عن هذا التصعيد وسيتحمل نتائجه بكل تفاصيله كيان الاحتلال الصهيوني.

ويرى مراقبون أن الهبة الفلسطينية ستتحول الى انتفاضة ببعد عسكري وهو ما يستدعي إسناد حقيقي للشعب الفلسطيني بالداخل للوقوف أما الهجمة الصهيونية الشرسة ضد المقدسات الإسلامية خاصة القدس والأقصى المبارك في حين تزداد فصائل المقاومة سواء في لبنان أو غزة قوة وجاهزية، ما تجعل كيان العدو محاصرا في الداخل والخارج. 

ويواجه كيان العدو الصهيوني المؤقت في الوقت الحاضر العديد من الأزمات الداخلية والخارجية، فهناك انقسام داخلي بين اليهود أنفسهم ومعارضة كبيرة ضد رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو.

ومنذ عودته الى السلطة بعد تحالفه مع اليمين المتطرف، يواجه نتنياهو أزمات داخلية وملفات قضائية سابقة  تلاحقه، لذلك ومن أجل الهروب للأمام سعى الى إيجاد تعديل قضائي يبعده عن الملاحقة، لكنه لم يفلح، حيث اشتدت المعارضة ضده، وحاول حرف الأذهان نحو الخارج، فبادر الى هجمات ضد إيران في سوريا وهدد لبنان بعمل عسكري إضافة الى التصعيد في الداخل حيث انتهكت القوات الصهيونية المسجد الاقصى واعتدت على المصلين والمعتكفين واعتقلت العشرات منهم، ظنا منه أن هذه النظرية القديمة ستنقذه، غافلاً عن أن تاريخ استهلاكها قد مضى وأن الواقع قد تغير كثيراً، وأنه بذلك فقط يستعجل انهيار كيانه المتآكل.

وعلى إثر ذلك، اعتمدت المقاومة الفلسطينية خيارا تأديبيا لنتنياهو وكيانه، فأطلقت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عشرات الصواريخ من جنوب لبنان وغزة، الأمر الذي دفع المسؤولين الصهاينة سواء سابقين أو حاليين إلى الاعتراف بأن ردع الكيان الصهيوني قد انتهى. 

وكان الرد الصهيوني في جنوب لبنان باستهداف اراض مفتوحة دون اي خسائر، لأنه لا يريد استفزاز حزب الله بعد ان ذاق منه عدة هزائم متتالية.

هذه العمليات من قبل المقاومة الفلسطينية، جعلت نتنياهو يدرك تمام الإدراك أن اجراءات الرد الصهيوني قد انتهت، ولا يوجد مبرر للطرف المقابل ليواصل عملياته. 

 وقد اشترطت فصائل المقاومة لوقف هجماتها على المواقع الصهيونية بوقف انتهاكات الصهاينة للمسجد الاقصى والباحات المحيطة به، وعدم السماح بدخول المجرمين الصهاينة الى المسجد الاقصى تحت ذريعة أداء مراسم عبادية يهودية.

وتأتي هذه التطورات في حين أن المقاومة لم تستخدم كل قواها ضد كيان العدو الصهيوني، الذي يتذكر جيدا عمليات معركة “سيف القدس” وكيف انها قلبت معادلات الردع بل قربت من موعد سقوط هذا الكيان الغاصب.

ولكن كما يبدو أن محور المقاومة غير مستعجل، بل الاستعجال جاء ويأتي من قبل الصهاينة أنفسهم للانهيار والرحيل عن الاراضي المقدسة، وكأن التاريخ يكرر نفسه “يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين”، وخلاصة ذلك هو انهيار كامل للمشروع الصهيوني ورحيل أبدى عن الأراضي الفلسطينية المحتلة لا رجعة فيه وهو قاب قوسين أو أدنى بأذن الله.

سبأ