السياسية ـ وكالات:

يشير علماء المناعة في الكثير من الدراسات العلمية أن البكتيريا “مرض وعدوى وتلوث ” إلا أن بعض أنواعها مفيدة تلعب دوراً أساسياً في حياة الإنسان اليومية, إضافة إلى استخدامها في صناعة الأغذية والأدوية .. ومثال ذلك في “المجموعات البكتيرية ” , فهناك قدراً كبيراً من التنوع البيولوجي في هذه المجموعات التي قد تقارب درجة الاختلاف بين بعضها قدر الاختلاف بين المملكة الحيوانية والنباتية , وللبكتيريا قدرة مذهلة على التكيف مع الظروف البيئية المختلفة .

يستشهد بهذا الطرح الطبي والعلمي الدكتور / وليد الشارود ـ الأكاديمي في مقالة المعنون: هل تطيل البكتيريا عمر الأنسان ؟! “مجلة العربي ـ العدد 586”

وبالبحث الأكاديمي ـ العلمي ـ يقول الدكتور الشارود : أكيد هناك تنوع بكتيري بيولوجي على كوكبنا في المجموعات البكتيرية وقد يزيد عن عدد سكان الأرض بحسب عالم التطور المشهور “ستيفن جان جولد ” .. وما يمكن قولة : أن هناك أنواعاً بكتيرية تعيش في درجات حرارة أعلى من درجة غليان الماء وأنواعاً أخرى تعيش على درجة حرارة التبريد وبعضها يعيش في المياه القلوية وأخرى في الحامضية وهكذا وهذا بالطبع يساعد على انتشارها في مختلف الأوساط والبيئات بهذا الكوكب .

وفي كل الأحوال فإن الصراع بين البكتيريا والإنسان لا يمكن إنكاره والكثير من الحالات الوبائية التي استطاعت البكتيريا من خلالها أن تصيب مجاميع كبيرة من البشر وأدت إلى موت أعداد لا يستهان بها من الأفراد في الماضي والحاضر تدلنا على مدى شراسة وخطورة الكثير من الأنواع البكتيريا إلا أنه كما سبق أن ذكرنا فإننا لا نستطيع إنكار المنافع العديدة التي تقوم بها الأنواع البكتيرية الاخرى الصديقة ولكن إذا كانت البكتيريا الصديقة تستطيع إنتاج العديد من الأغذية والأدوية والصبغات والأنزيمات والفيتامينات وغير ذلك فهل يمكن لأكثر المحسنين ظنا بها أن يتصور أنها يمكن أيضا ان تطيل عمر الإنسان ؟ نعم فلقد كان هذا هو محور رؤية جدلية قام بطرحها في مطالع القرن الماضي العالم الروسي الشهير إيلي ميتشنكوف والذي حصل على جائزة نوبل لاكتشافاته المهمة في علوم المناعة, استطاع ميتشنكوف مع أفراد مجموعته البحثية أن يكتشفوا وجود نوع من البكتيريا العصوية في الألبان المتخمرة ,هذا النوع من البكتيريا يستطيع تخمير سكر اللبن المسمى لاكتوز وإنتاج حامض اللاكتيك الذي يثبط من نشاط البكتيريا التعفنية والتي يسكن بعضها أمعاء الأنسان وتقوم بتحليل ما يصل إليها من بروتين لتكون مركبات سمية تتراكم مع الوقت وتسبب قصر العمر أو الإصابة بأضرار صحية خطيرة, ومن خلال ذلك اقترح ميتشنكوف أن التناول المنتظم للألبان المتخمرة المحتوية على تلك البكتيريا العصوية يساعد على زيادة عددها وانتشارها في الامعاء وقيامها بتثبيط البكتيريا التعفنية مما يساعد على تجنب الأضرار الصحية الناتجة عن نشاطها وبالتالي المساعدة على طول عمر الانسان .

ويشير ميتشنكوف إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه البكتيريا الموجودة في الأمعاء في التأثير على صحة الإنسان حيث أوضح أن أمعاء الإنسان عبارة عن مستوطنة ميكروبية تحتوي على عدد هائل من الانواع الميكروبية التي يعتقد أن نصفها لم يتم التعرف عليه بعد.. يشير أحد التقديرات إلى أن أمعاء الإنسان البالغ تحتوي على حوالي كيلوغرام واحد من البكتيريا وأن عدد الخلايا البكتيرية في أمعاء الفرد الواحد يتجاوز بكثير عدد الخلايا الآدمية المكونة لأنسجته, ولقد وجد أن بعضا من هذه الميكروبات المعوية يستطيع القيام بأنشطة مفيدة للصحة مثل بكتيريا( بيفيدوا بكتيريا) والبعض الآخر يكون ضاراً مثل بكتيريا (كلوستريدا” والبعض الثالث يعيش في الأمعاء ليحصل على احتياجاته الغذائية وقد يقوم بوظائف نافعة أو ضارة حسب الظروف التي يتعرض لها ومن أمثلتها بكتيريا Escheria وبصفة عامة تسود أعداد البكتيريا النافعة على غيرها في أمعاء الإنسان ,ولكن مع تقدم العمر إلى ما بعد الخمسين والتعرض للإصابات الفيروسية أو التسمم الغذائي وكذلك المداومة على التدخين تحدث زيادة في أعداد البكتيريا الضارة, مما قد يساعدعلى حدوث أمراض تتراوح حدتها من التهابات إلى سرطانات بالجهاز الهضمي, وتستطيع البكتيريا النافعة بفضل سيادتها العددية وقدرتها على إفراز بعض المواد التمثيلية أن تثبط من نشاط البكتيريا الضارة كذلك فإن البكتيريا النافعة يمكنها أن تقوم بتنشيط الجهاز المناعي مما يساعد على الوقاية من الكثير من أمراض الجهاز الهضمي إضافة إلى ذلك فإن البكتيريا النافعة يمكنها أيضا أن تقوم بتخليق فيتامين Bفي الأمعاء وتساعد على تخليص الجسم من الكوليسترول الزائد .

ومع ظهور سرطان الأمعاء كواحد من أهم مسببات الوفاة في العصر الحديث فإن البعض بدأ في الرجوع إلى أفكار ميتشنكوف من أن وجود أنواع من البكتيريا النافعة في الأمعاء قد يساعد على طول عمر الإنسان !!

المعويات الصحية

ولقد كانت العودة إلى أفكار ميتشنكوف ذات أهمية هذه المرة وليس من باب الحنين إلى الماضي والترحم على أفكار السابقين حيث إنه في ضوء الاكتشافات الجديدة من وجود بكتيريا نافعة بمكنها الاستقرار في الامعاء لكي تمارس فوائد صحية فإنه من الممكن أن يتم تفعيل فكرة ميتشنكوف حيث إنه إذا تم عزل هذه البكتيريا وإضافتها في صورة نقية إلى الأغذية فإنه من الممكن أن يساعد ذلك على تحسين صحة المستهلك بالفعل فقد بدأت العديد من شركات الأغذية من البكتيريا النافعة إلى الالبان المتخمرة وتسويقها على كونها منتجات غذائية وظيفية أي ان لها قيمة صحية إضافة إلى قيمتها الغذائية وأطلق على هذه الأنواع البكتيرية النافعة اسم ” بروبيتيس أي” أن من أجل الحياة ” والتي اقترح الكاتب تعريبها بمصطلح ” المعويات الصحية ” حيث إنها تمارس وظائف صحية من خلال استقرارها بالأمعاء ,ولقد وصل حجم التعامل في أسواق اليوغورت الصحي أي المحتوي على بكتيريا صحية إلى عدة ملايين من الدولارات في الثمانينيات .

إلا أن هناك بعض الآراء العلمية التي ظهرت فيما بعد لتضفي شكا على فاعلية هذه الطريقة في زيادة أعداد البكتيريا النافعة في الأمعاء إذ أنه عند تناول الإنسان للغذاء المحتوي على المعويات الصحية فإن أعداد كبيرة من هذه البكتيريا يتعرض للتلف بواسطة حامض الهيدروكلوريك HCL عند مرورها على المعدة ,كذلك يتلف بعضها عند تعرضه لأملاح الصفراء التي يفرزها الكبد , ولذلك يصل عدد قليل نسبيا من تلك البكتيريا إلى الامعاء مما قد لا يساعد على قيامها بالوظائف الصحية المتوقع أن تقوم بها ولقد قام البعض بدراسة إمكانية وقاية المعويات الصحية من تلك الإفرازات عن طريق كبسلتها أي وضعها في كبسول لا يتأثر بالحامض أو أملاح الصفراء ولكنه يتحلل في وسط الأمعاء، ولكن لم يظهر تطبيق صناعي مناسب لتلك الفكرة.. وهناك اتجاه بحثي آخر يتبناه بعض الباحثين ومن ضمنهم كاتب هذه السطور يعتمد على تعريض المعويات الصحية لبعض الظروف الحامضية التي تساعد على رفع درجة تحملها من الظروف الحامضيه وغير ذلك.

كذلك فإن هناك اتجاه اكثر حداثة يطلق عليه التكنولوجيا الحيوية المرضية يعتمد على الاستفادة من قدرة بعض أنواع الميكروبات المرضية على مقاومة الظروف غير المناسبة للنمو والتي يقوم جسم الإنسان بإحداثها من خلال أجهزته المناعية بغرض مقاومة هذه الميكروبات حيث يتم نقل بعض الجينات التي ثبت أن لها قدرة على مقاومة الميكروبات المرضية لتلك الظروف إلى المعويات الصحية .

إلا أن التصور الأكثر خطورة والذي يلقي شكا واسعا على إمكانية تحقيق أي فوائد صحية من تناول الأغذية المحتوية على المعويات الصحية هو حقيقة أن الأمعاء كما قلنا سابقا عبارة عن مستوطنة ميكروبية مزدحمة بشدة بالميكروبات حيث تقوم بإخراج حوالي تريليون ” 1012″ خلية ميكروبية مع كل جرام فضلات غذائية وبالتالي فإنه من الصعب على أي أفراد جديدة أن تجد مكانا لتستقربه في الأمعاء ,ومن هنا ظهرت فكرة مثيرة وهي ان يضاف إلى الأغذية مواد تساعد على تنشيط البكتيريا النافعة المستقرة بالفعل في الأمعاء بدلا من تناول الأغذية المحتوية على المعويات الصحية ويطلق على هذه المواد اسمprebiotic وهي نوع من المغذيات القولونية أي مركبات غذائية لا يتم هضمها أو استخدامها في المعدة أو الأمعاء الدقيقة وإنما تصل من دون تغير تقريبا إلى القولون بحيث يمكن لبعض المعويات الصحية المستقرة به الاستفادة منها في نشاطها.. وفي هذا السياق فلقد اقترح الكاتب تعريب ( بريبوتيس) على أن تكون “مغذيات معوية” والكثير من الأبحاث الحالية موجهة إلى هذه المنطقة البحثية الواعدة حيث يتم العمل على استخلاص المغذيات المعوية من بعض الأغذية أو تخليقها معمليا مع دراسة تأثيرها على البكتيريا النافعة المختلفة ومدى تقبل المستهلك للأغذية المحتوية عليها .

مسالة قدرية ولكن !!

وفي هذا يطرح الكاتب إستنتاجه بما معناه: بالطبع فإن هناك عددا من القضايا الجدلية التي يمكن أن تثيرها المعلومات والأفكار السابق عرضها على رأسها فكرة إطالة عمر الإنسان .

وحتما فإن قضية الموت والحياة مسألة قدرية محسومة ولا نجد أن هناك أي حاجة لكي نؤكدها في هذا المقام ولكن الاكتشافات البحثية السابق عرضها في هذا المقال تؤكد على ان هناك إمكانية لتحسين صحة الإنسان ووقايته من الأمراض من خلال نشاط أنواع معينة من البكتيريا النافعة والتي يساعد وجودها وتسيدها في الامعاء على الوقاية من الكثير من الأمراض وربما علاجها وهذا يقودنا إلى جدلية أخرى وهي هل هناك أي فاعلية من تناول الأغذية المحتوية على تلك البكتيريا النافعة والتي نطلق عليها “معويات صحية ” في ضوء أن الامعاء مكتظة بالميكروبات ولا يمكن بسهولة أن تستطيع أفراد جديدة أن تجد لنفسها مكاناً بها ربما نجد مخرجاً من تلك الحيرة من خلال إحدى توصيات مؤتمر؟ تم عقده في لندن وتناقلته محطاتBBC الشهيرة حيث تم استنتاج أن شراء الأغذية المحتوية على المعويات الصحية بأسعارها المرتفعة نسبيا عن نظيرتها من الأغذية غير محتوية عليها يعد مضيعة للنقود إذا لم يكن الشخص يعاني مشاكل بالجهاز الهضمي وربما يكون تناول المغذيات المعوية أفضل في هذه الحالة حيث إنه يشجع على نشاط البكتيريا النافعة في الامعاء ويضمن سيادتها على البكتيريا الضارة ,في حين أن تناول الأغذية المحتوية على معويات صحية يعد مفيدا مع تقدم العمر والتعرض للإصابات الميكروبية بالجهاز الهضمي والتي تتطلب تناول جرعات من المضادات الحيوية التي تسبب خللاً في التركيبة الميكروبية للأمعاء وتساعد على زيادة أعداد الميكروبات الضارة بها .