هل حقّق العدو أهدافه بعد معركة “ثأر الأحرار”؟
وسام أبو شمالة *
اتخذ العدو قراره بمعالجة تأكّل منظومة الردع بعدما استشعر بأنَّ محور المقاومة أصبح أكثر جرأة ودافعية لمواجهته بفعل الضعف الداخلي للعدو بسبب انقساماته الداخلية وتصاعد المقاومة على الجبهة الفلسطينية.
وضعت معركة “ثأر الأحرار” أوزارها بعد نحو 5 أيام خاضت خلالها المقاومة الفلسطينية مواجهة عسكرية للرد على قيام العدو باغتيال جهاد غنام وطارق عز الدين وخليل البهتيني عبر عملية عسكرية استهدفتهم بشكلٍ متزامن، وهم من أبرز قادة “سرايا القدس”؛ الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
اتخاذ العدو قرار الاغتيال جاء بعد سلسلة من جلسات تقدير الموقف لجهات العدو الأمنية، ولا سيما جهازا الشاباك والاستخبارات (أمان)، إضافة إلى اعتبارات خاصة لها علاقة برئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، والبيئة الداخلية لائتلافه الحاكم، والانقسامات الداخلية التي عصفت بمجتمع العدو على خلفية الخلاف على التغييرات القضائية.
التقدير الأمني والاستخباري للعدو اعتمد على قراءة الموقف على الجبهة الفلسطينية، والتهديدات التي نشأت بفعل المستوى المتصاعد للمقاومة الفلسطينية في ساحة الضفة الغربية والقدس المحتلة، والرمزية العالية للمسجد الأقصى المبارك التي كادت تؤدي إلى اندلاع مواجهة عسكرية واسعة في شهر رمضان المبارك، تزامناً مع عيد الفصح اليهودي في حينه، ولا سيما بعد إطلاق 34 صاروخاً تجاه المستوطنات الشمالية انطلاقاً من الجنوب اللبناني، وتنفيذ عمليات فدائية أدت إلى مقتل عدد من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.
درست جهات العدو المختصة خياراتها تجاه التعامل مع التحديات الأمنية، وتوصلت إلى استنتاج مفاده أن منظومة الردع لدى العدو تتعرض لتأكّل بمستوى قد تكون له تداعيات خطرة في حال لم تتخذ خطوات لمعالجته.
اتخذ العدو قراره بمعالجة تأكّل منظومة الردع بعدما استشعر بأنَّ محور المقاومة أصبح أكثر جرأة ودافعية لمواجهته بفعل الضعف الداخلي للعدو بسبب انقساماته الداخلية وتصاعد المقاومة على الجبهة الفلسطينية، وأراد أن يوصل رسالة إلى أطراف المحور بأنه لا يزال قوياً وقادراً على المبادرة إلى الهجوم.
قرار العدو بترميم تأكّل الردع أخذ في اعتباراته عدداً من المحددات، أولها ألا يؤدي أي قرار إلى مواجهة واسعة، وأن يحقق الفصل بين الساحات، وألا يؤدي إلى خسائر بشرية، وأن تكون المواجهة قصيرة وسريعة وخاطفة.
بناءً على تلك المحددات، امتنع العدو عن تنفيذ رد عسكري واسع ضد حزب الله اللبناني وحركة حماس، بالرغم من اتهامهما بالمسؤولية عن أغلب العمليات التي عكست تأكّل الردع، مثل عملية مجدو في شهر آذار/مارس المنصرم، وإطلاق الصواريخ في منتصف شهر رمضان من جنوب لبنان، والتحريض والتخطيط والتمويل للعمليات الفدائية في الضفة، والعمل على ترميز قضية القدس والأقصى وتثبيت معادلة وحدة الساحات والجبهات.
ربط العدو قراره العملياتي بالعمل على ترميم الردع على نحو لا يؤدي إلى الربط بين الساحات، ويتجنب مخاطر اندلاع مواجهة متعددة الجبهات. لذا، لجأ إلى تأجيل قراره لما بعد شهر رمضان لاستبعاد العامل الديني وعدم ربط سلوكه بالمسجد الأقصى واجتياز فترة الأعياد اليهودية.
اعتقد العدو أن ترميم الردع يحتاج إلى خطف صورة انتصار من خلال هجوم مبادر ومفاجئ على نحو يؤدي إلى مواجهة محدودة. لذا، اختار أن يترك الأسير الشهيد خضر عدنان المضرب عن الطعام يفارق الحياة من دون اكتراث، وبذلك يحقق صورة نصر، إلا أنَّ رد الغرفة المشتركة بإطلاق نحو 100 صاروخ تجاه مستوطنات غلاف غزة أفقد جريمة العدو من مضمونها، الأمر الذي دفعه إلى تنفيذ عملية اغتيال قادة سرايا القدس، بهدف خطف صورة نصر ترمم الردع المتأكّل.
ظنَّ العدو أن عملية الاغتيال تتوافق مع معايير جهاته الأمنية وتحقق هدف ترميم الردع، وقدّر أنها ستؤدي إلى اندلاع مواجهة قصيرة لا تزيد على 48 ساعة، ولا تؤدي إلى الربط بين الساحات، ولا ترتبط بالقدس، وتحدث شقاقاً بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إلا أن نتائج المعركة دلَّت على أن العدو أخفق في تحقيق أهدافه، ولا سيما الهدف الرئيسي، وهو ترميم الردع، بل على العكس، فإن الأداء البطولي للمقاومة الفلسطينية وأبطال سرايا القدس وفصائل الغرفة المشتركة في معركة “ثأر الأحرار” التي استمرت نحو 5 أيام، عزز تأكّل الردع، بفعل استمرار إطلاق الصواريخ حتى آخر لحظة قبيل وقف إطلاق النار، ووصلت الصواريخ إلى القدس و”تل أبيب”، وأوقعت قتلى وجرحى على نحو سيجبر العدو على التفكير ألف مرة قبل أن يقدم على عملية اغتيال أو المبادرة إلى عدوان على المقاومة في قطاع غزة.
كما أن المعركة ثبّتت الغرفة المشتركة كجسم وازن وقائد للعمليات، وعززت العلاقة بين حركتي حماس والجهاد، وزادت رصيد حركة الجهاد الإسلامي الشعبي، لكونها قاتلت بشراسة وقدمت أداء عسكرياً لافتاً برغم خسارتها أبرز قادتها العسكريين، على نحو عكس تطوراً ملحوظاً على مستوى القيادة والسيطرة والكثافة النارية مقارنة مع جولات عسكرية سابقة، كما أن استهداف الصواريخ مدينة القدس المحتلة حمل دلالة واضحة على ربط المعركة بقضية القدس.
إنَّ نتائج معركة “ثأر الأحرار” تشير إلى أن العدو أخفق في تحقيق أهدافه، ولا سيما ترميم الردع، إلا أن العملية حقَّقت لنتنياهو هدفه الشخصي بإعادة التماسك داخل ائتلافه الحاكم، بعدما قرر إيتمار بن غفير العودة عن قرار عدم التصويت لحكومته داخل الكنيست، كما أدت إلى تراجع مؤقت لتظاهرات المعارضة بعدما ألغيت المسيرة الأسبوعية يوم السبت الماضي، إلا أنَّ نجاح نتنياهو على الصعيد الداخلي والشخصي لن يطول، وستعود مظاهر الانقسامات الداخلية لتتصدر عناوين الأخبار بعد أن تصل المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود.
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع