السياسية: بقلم: لاهراش ياسر

لقد حان الوقت لكي يعود العالم إلى الأساسيات ويدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية تظل القوة المهيمنة على الاقتصاد العالمي والسياسة، في العديد من مجالات الجو والبر والبحر والفضاء الإلكتروني، مع بداية جادة.

لم يتوقف تنظيم النظام الجيوسياسي العالمي عن خلق العديد من المفاجآت لجميع الدول تقريبا.

ومع ذلك، لم يكن هذا مفاجئا لأنه بمثابة العودة إلى عصر الحرب الباردة، مقابل الألفية الثالثة، بأساليب جديدة ومبتكرة ومختلفة جذريا عما كانت عليه من قبل، مما فتح الباب على مصراعيه أمام أزمة كبيرة في الحكم العالمي.

في ظل هذه المواجهات، لا يوجد فائز حقيقي: هناك فقط تقلبات وانتكاسات، تارة نفوز، وتارة نخسر، كما يقولون.

ولكن ما زاد الطين بلة، أن رقعة الصراعات والعنف تتكاثر وتستمر وتتسع في عدة مناطق من العالم، من حيث العدد والشدة: سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وجنوب السودان والقرن الأفريقي والساحل وفلسطين وليبيا وأوكرانيا وتايوان … وشمال السودان.

من لا يزال يحكم العالم؟

يبدو أن المصير المحتوم للدول أصبح محسوماً بين القوة العظمى الأمريكية والتحالف الصيني الروسي الذي يريد – وفقا لبعض المحللين – الانتقام: بالنسبة لموسكو، سقوط الاتحاد السوفيتي السابق في العام 1991 وبالنسبة لبكين، الإذلال الذي عانت منه خلال حرب الأفيون في نهاية القرن 19.

وهذا ليس صحيحا بالضرورة بقدر ما تشير قراءات أخرى، غير منتشرة على نطاق واسع، إلى وجود مؤامرة بين واشنطن وبكين، تحت قيادة أمريكية.

من نحن كي نصدق؟ هل يجب التشكيك في تفوق الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي؟ ورغم أن بعض علماء السياسة يتوقعون قبل الأوان أن القوة الرائدة في العالم مهددة بالتنمية الاقتصادية الهائلة في الصين أو نادي البريكس – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا- فربما لن نتمكن من الحصول على إجابة واضحة.

دعونا نبقي أقدامنا على الأرض ونطرح الأسئلة الصحيحة: هل هناك حقا مواجهة بين الولايات المتحدة والصين؟

قد يكون هذا هو الحال ونحن نشهد مواجهة متزايدة وواضحة بشكل متزايد في مناطق الصراع المتعلقة بالموارد المعدنية وظاهرة اقتصاد الحرب.

هل سيحل بترو يوان محل البترودولار؟ ليس لأن أحجام تداول اليوان تجاوزت أحجام تداول الدولار في بورصة موسكو في الربع الأول من العام 2023.

الصين سوف يكون لديها القدرة على توفير وسائل الدفع للعالم بأسره، دون تكبد انخفاض عملتها الذي من شأنه أن يؤدي إلى تدهور حساباتها الخارجية مع البلدان الأخرى.

كما أنها ليست فكرة العملة الموحدة بين الصين والبرازيل وروسيا أو احتمال إلغاء الدولار من قبل بعض البلدان (الهند وبنغلاديش) للتجارة بصورة مباشرة بعملاتها المحلية، الأمر الذي من شأنه أن يشكك في توسع النفوذ الأمريكي.

إذا اعتقدت بعض الدول أن واشنطن تفقد تفوقها لصالح الصين، فإنها تتناسى حقيقية أن المشاريع الجيوسياسية، بقيادة بكين، لا يمكن أن تتحقق بين عشية وضحاها.

الصينيون يعرفون ذلك، خاصة وأن الأمريكيين يكافحون من أجل تحليل وفك رموز ومراقبة، على أساس مستمر، لمختلف الآفاق المستقبلية لتجنب الوقوع في المرتبة الثانية.
لقد حان الوقت لكي يعود العالم إلى الأساسيات ويدرك أن الولايات المتحدة تظل القوة المهيمنة في الاقتصاد العالمي والسياسة في مجالات الجو والبر والبحر والفضاء والفضاء الإلكتروني مع بداية قوية.

لكن هذا لا يعني ايضاً أنه من الممكن استبعاد بكين، بل على العكس من ذلك، تعد الصين لاعبا عالميا رئيسيا يستحق اهتماما خاصا، نظرا لثقلها الاقتصادي ونفوذها السياسي في كل ركن من أركان المعمورة.

لا يمكن تحقيق التوازن والسلام في العالم دون تفوق الولايات المتحدة أو من خلال استبعاد الصين، كل شخص له دوره في بناء عالم أفضل، عادل اجتماعيا ويحترم طبيعته.

الفائزون سيكونون من سعوا لتحقيق السلام:

في أعقاب جائحة كوفيد-19، شعر الناس في البلدان المتقدمة والمتخلفة النمو والنامية بهجوم عميق في أكثر حقوق الإنسان مشروعية لديهم.

البشرية في حاجة ماسة إلى نظام ديمقراطي ومتعدد الأطراف جديد يعبر عن الحقائق الجغرافية والسياسية المعاصرة.

ففي حال استمرت المنافسة بين المعسكرين في القياس من خلال التقدم التكنولوجي في مجال الطائرات بدون طيار والهجمات الإلكترونية وقرصنة البيانات، فهذا ليس خاطئا تماما: إنها طريقة للصين للتنافس مع الولايات المتحدة.
ولكن النتيجة المأساوية لذلك هي أن عالم العلاقات الدولية يتعرض لضغوط غير مسبوقة، بصورة مباشرة وغير مباشرة.

في حين كانت الصحافة الدولية تتحدث في كثير من الأحيان عن مواجهة صينية أميركية في الآونة الأخيرة، فإنها عبارة عن حملة إعلامية جيدة التنظيم على نطاق دولي، تهدف إلى الإعلان لجميع السكان في مختلف أنحاء العالم أن صعود القوة الصينية ينهي التفوق الأميركي.

ومن الواضح أن الصين لم تتمكن من التفوق على الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا صح التعبير، فهذا يشكل نوعا من التسويق الانتهازي، عندما يكون الواقع مختلفا تماما ويظل مجهولا.

لذا، لا يهم إذا كانت الهيمنة أمريكية أو صينية أو أمريكية- صينية.

أهم شيء هو النجاح في رهان بسيط: معرفة كيفية الاستماع إلى الدول الأخرى واحترامها لأننا إذا أردنا تحديد التوجهات التي تمس القضايا السيادية، يجب علينا أن نكون مخلصين وعادلين.
ولهذا السبب ينبغي لواشنطن وبكين أن يتطلعا إلى المستقبل وأن تعملا جنبا إلى جنب مع جميع الدول من أجل تحقيق عالم يسوده السلام والأمن والعدالة والمصالحة.
خلاف ذلك، سوف تكون بداية نهاية البشرية والتدهور البطيء والتدريجي والمؤلم لكوكبنا.

* الدار البيضاء، 23 شوال 1444، الموافق 13 مايو 2023(صحيفة ” المغرب اليوم- Aujourd’hui le Marco ” المغربية, الناطقة باللغة الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع