السياسية:
رشيد الحداد*

بعدما حمل شهر رمضان مؤشّرات إيجابية في ما يتّصل بعملية إرساء السلام في اليمن، عادت السلبيّة لتخيّم على أجواء هذا الملفّ، في ظلّ ما يبدو أنه سعي سعودي، منسَّق أميركياً، للتهرّب من التفاهمات الأخيرة المبرمة مع حكومة الإنقاذ، والدفع نحو وقفٍ لإطلاق النار من دون شروط مسبقة. وعلى خلفية هذه المساعي، والتي تساوقها خطّة أممية لترحيل المطالب الإنسانية إلى مرحلة ثانية، لم تجد «أنصار الله» بدّاً من إيصال رسائل تحذير إلى المعنيّين، جلّتها بوضوح المناورة الأكبر لقوات صنعاء يوم الأحد الماضي، والتي أرادت من خلالها الأخيرة القول إن «استعدادها الكامل للحرب مساوٍ لاستعدادها للسلام»

بعيداً عن الأولويات الإنسانية التي حدّدتها حكومة الإنقاذ كاستحقاقات داهمة، وعلى رأسها فتح الطرقات ورفع الحصار عن الموانئ والمطارات وصرف مرتبات 1.2 مليون موظّف يمني، قدّمت الأمم المتحدة خطّة جديدة لتثبيت وقف إطلاق النار، أجّلت بموجبها الحديث عن تلك الملفّات إلى مرحلة لاحقة، وهو ما رفضته صنعاء ملوّحةً بالعودة إلى التصعيد. ووفقاً لمصادر في مكتب الممثل الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، فإن مستشاريه العسكريين عرضوا هذه الخطّة على الأطراف اليمنيين، وقدّموا شرحاً تفصيلياً في شأن جاهزية الأمم المتحدة لتنفيذها على الأرض من خلال ضبّاط ارتباط. وأوضحت المصادر أن المقترح الذي حمله المستشار العسكري للممثل الأممي، أنتوني هايورد، مطلع الأسبوع الجاري إلى العاصمة اليمنية، يتطابق مع المبادرة السعودية المعلَنة في 22 آذار 2021، والتي تدعو إلى وقف مستدام لإطلاق النار من دون شروط مسبقة.

وعلى رغم رفض صنعاء تلك المبادرة في حينه، إلّا أن الرياض تحاول، اليوم، حشد المزيد من المواقف الدولية لإخراج خطّتها المُشار إليها من الدرج مجدّداً، متجاهلةً التفاهمات الأخيرة التي تُلزمها بمعالجة الملفّ الإنساني بعيداً عن الملفَّين العسكري والسياسي، وهو ما قد يدفع «الإنقاذ» إلى تعليق المفاوضات المباشرة مع السعودية.

وفي أعقاب تمسّك صنعاء بشروط تمديد الهدنة، وتشديد اللجنة العسكرية التابعة لها، خلال لقائها المستشار العسكري للممثل الأممي، على ضرورة تنفيذ المطالب الإنسانية قبل الخوض في ملفّ تثبيت وقف إطلاق النار، تحاول واشنطن دفع الرياض نحو فرض وقف إطلاق نار وفقاً لمصالحهما، مع إبقاء الحصار من دون حلول. ولذا، احتلّت هذه المسألة حيّزاً رئيساً من المباحثات التي أجراها مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، خلال زيارته الأخيرة للرياض، حيث التقى وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. وفي أعقاب اللقاء، أشادت الخارجية الأميركية بـ«الجهود التي تقودها الرياض لإحلال السلام في اليمن»، فيما تحدّث البيت الأبيض عن إحراز تقدّم في المفاوضات لإرساء وقف لإطلاق النار لمدّة 15 شهراً، معلناً أنه يواصل العمل مع السعودية من أجل ذلك.

أكدت صنعاء من خلال مناورتها الأخيرة أن استعدادها الكامل للحرب مساوٍ لاستعدادها للسلام

وعلى خلفية تلك التصريحات، إضافة إلى تحرّكات في الاتّجاه نفسه يقودها الممثل الأممي في الإمارات، لم تجد صنعاء بدّاً من التأكيد أن استعدادها الكامل للحرب مساوٍ لاستعدادها للسلام، وهو ما جلّته بوضوح وقائع أكبر مناورة عسكرية نفّذتها المنطقة العسكرية الرابعة، بمشاركة وحدات قتالية من تشكيلات مختلفة، يوم الأحد، تحت عنوان «الوفاء للشهيد القائد حسين الحوثي».

وأفادت مصادر عسكرية مطّلعة، «الأخبار»، بأن «المناورة تُعدّ واحدة من أكبر التمرينات التي تجريها قوات صنعاء»، مبيّنة أنها «جرت على مساحة 100 كلم مربّع، وحملت طابعاً هجومياً على مواقع ومعسكرات مفترضة»، مضيفة أنها «تهدف إلى رفع حالة الجاهزية لخوض أيّ معارك قادمة». ووفقاً لمراقبين، فإن المناورة حملت أكثر من رسالة إلى السعودية وحلفائها، عنوانها التحذير من محاولة التملّص من تفاهمات رمضان، والتأكيد أن «أنصار الله» أعدّت نفسها لمعركة قاسية «ستفرض من خلالها شروط السلام العادل والشامل».

وجاء هذا التطوّر بعد ساعات من رفض قيادة صنعاء العرض الأممي الذي قدّمه هايورد؛ إذ سخر نائب رئيس الأركان، اللواء علي حمود الموشكي، من العرض الذي يرحّل تنفيذ المطالب الإنسانية إلى ما بعد وقف إطلاق النار، معتبراً أن الخطّة الأممية «سابقة لأوانها»، ومؤكداً أن قواته حاضرة «للمضيّ في ترسيخ السلام على الأرض بقدر جاهزيتها للعودة إلى القتال».

وطبقاً لوكالة «سبأ» الرسمية في صنعاء، فإن هايورد، ترافقه مديرة مكتب الممثّل الأممي في اليمن روكسان بازرجان، التقى بعدد من القيادات العسكرية الرفيعة في العاصمة اليمنية، محاولاً تسويق مقترحه، إلّا أنه الردّ عليه جاء موحّداً، وهو التشديد على ضرورة معالجة الملفّات الإنسانية قبل أيّ حديث آخر، وفق ما طالب به أيضاً رئيس هيئة الاستخبارات، اللواء عبد الله الحاكم، مشيراً إلى أن «الترتيبات التي يجريها الطرف الآخر في الجبهات الشرقية والجنوبية لا توحي بجدّيته في السلام»، وداعياً إلى إلزامه بـ«إزالة الفوضى التي أوجدها في منطقة الساحل وعدن والجنوب بشكل عام».

في المقابل، ذكرت مصادر أخرى أن ثمّة خلافات داخل ما يسمى «المجلس الرئاسي»، الموالي للتحالف الذي تسلّم خطّة أممية في الرياض قبل عودة رئيسه رشاد العليمي إلى المدينة الأسبوع الماضي، حولها، بالنظر إلى أن قرار الهدنة إنّما هو بيد التشكيلات المسلّحة التي يُعتبر معظمها على خلاف مع «الرئاسي»، فيما أخرى لا تخضع له بشكل مباشر.

وكان عضو «الرئاسي»، اللواء فرج البحسني، كشف عن مضمون المقترح الأممي، مبيناً أنه مكوّن من ثلاث مراحل: الأولى خُصّصت لتثبيت وقف إطلاق النار خلال ستّة أشهر، والثانية ستقود خلالها الأمم المتحدة مساعٍ لعقد جولات جديدة للمفاوضات حول الملفَّين الإنساني والاقتصادي بهدف التهيئة للحوار ومدّتها ثلاثة أشهر، والثالثة مرحلة انتقالية لبحث شكل الدولة، مدّتها عامان.

* المصدر: الاخبار اللبنانية

* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع