بقلم: توماس فوين

باريس, 7 مايو 2019(موقع “”les yeux du monde الفرنسية, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

نشر موقع التحقيقات الاستقصائية “ديسكلوز” عن وثيقة سرية لمديرية الدفاع والاستخبارات الفرنسية, والتي يعود تاريخها إلى أكتوبر من العام 2018، تؤكد استخدام الأسلحة التي باعتها فرنسا للمملكة العربية السعودية المنخرطة في الصراع اليمني.

ومع ذلك، أعلنت وزيرة الدفاع “فلورنس بارلي” في 21 يناير من هذا العام, من على منبر قناة France Inter”” أنها ليست على علم بأن الأسلحة الفرنسية تُستخدم بشكل مباشر في هذا الصراع, ولذلك واجهت الدولة اتهمت بالكذب فيما يخص ملف صفقات بيع الاسلحة.

فرنسا والمملكة العربية السعودية علاقات تجارية:

لماذا جعلت فرنسا من منطقة الشرق الأوسط أحد شركاءها الرئيسيين في تجارة الأسلحة؟ وفقاً للباحث في مركز “إيفري” للدراسات الأمنية “إيلي تننبوم”, فأن “السوق الأوروبية محتلة بالفعل إلى حد كبير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

لذلك، اختار مصنعو الأسلحة الفرنسيون أن يولون وجههم شطر منطقة الشرق الأوسط, وذلك بحسب الملاحظات التي جمعتها فرانس 24, وبالتالي تستفيد الشركات الفرنسية كذلك من سياق دولي مواتٍ, حيث أشارت “لوسي بيرود سودرو” من مركز الدراسات والبحوث في العلوم الإدارية “Cersa” إلى أن فرنسا استفادت تجارياً من تدهور العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الامريكية والقوى السنية العظمى: مصر، وقطر، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

صادق قصر الاليزيه الفرنسي على معاهدة تجارة الأسلحة في العام 2013, والتي تنص على حظر بيع الأسلحة إذا كان هناك خطر من أن استخدامها سيؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان أو جرائم حرب, حيث شن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس من العام 2015، حرباً ضد التمرد “الحوثي” احد مكونات التيار الزيدي القريب من المذهب الشيعي  الإيراني في اليمن.

كان من المقرر لهذا الصراع أن يستمر لبضعة أسابيع فقط، وذلك وفقاً للرياض، إلا أنه استمر حتى يومنا هذا, وبالرغم من اتفاق السلام الذي تم التوقيع عليه من قبل طرفي الصراع في العاصمة السويدية ستوكهولم في منتصف ديسمبر 2018, إلا أن الصراع لا يزال مستمراً في سرد فصوله, واليوم يعيش اليمن في خضم أسوأ أزمة إنسانية في العالم, وذلك بحسب التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة, إذ يحتاج 22 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية.

من الواضح أن الحكومتين الفرنسيتين المتعاقبتين: حكومة فرانسوا هولاند وإيمانويل ماكرون كانتا على علم بالانتهاكات التي ارتكبها مختلف الأطراف المتحاربة في اليمن, الهجمات التي استهدفت السكان المدنيين، والعقبات التي تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية إلى الجهات المستهدفة والعنف الجنسي وما إلى ذلك.

ومع ذلك، استمرت فرنسا في ابرام صفقات بيع الاسلحة إلى المملكة العربية السعودية وعقود صيانة المعدات العسكرية, حيث بلغ اجمالي صفقات بيع الاسلحة الفرنسية في العام 2016، إلى ما يقرب من 16 مليار يورو, وبالتالي, لا شيء يمنع الحكومة الفرنسية من التصريح بهذه التحويلات إذا كانت متأكدة من أن هذه الأسلحة لا تُستخدم في ارتكاب جرائم الحرب, وبالمقابل، تتحمل فرنسا مسؤولية أخلاقية في الصراع اليمني.

الكشف عن بيع واستخدام الأسلحة  الفرنسية:

أشار مكتب “أنسيل” للمحاماة في العام 2017، أن قصر الاليزيه الفرنسي واصل تزويد المملكة العربية السعودية بالأسلحة رغم اتهم التي وجهت للرياض بارتكابها لجرائم حرب.

يبقى سؤال واحد بدون إجابة: هل تستخدم الأسلحة فرنسية الصنع في حرب اليمن بشكل مباشر؟

نشر موقع التحقيقات الاستقصائية “ديسكلوز” في 15 أبريل 2019، تحقيق بعنوان “صنع في فرنسا” يثبت أن الأسلحة الفرنسية التي تستخدمها الرياض يمكن أن تقتل المدنيين في اليمن, إذ

يستند هذا التحقيق بشكل أساسي إلى أن وثائق مصنفة “الدفاع السري” تم إرسالها مطلع أكتوبر من العام 2018 إلى الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء إدوارد فيليب ووزيرة الجيوش فلورنس بارلي ووزير الخارجية جان إيف لو دريان.

يتناول هذا التقرير الذي كتبته مديرية الاستخبارات العسكرية (DRM)، تفاصيل الأسلحة الفرنسية التي تم بيعها إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارهما أهم ركائز الحرب في اليمن, حيث شملت قائمة الاسلحة: دبابات لوكليرك، مقاتلات ميراج 2000-9 ، مدافع قيصر ورادار كوبرا والقائمة طويلة, كما كشفت الدراسة عن درجة مشاركتها.

تظهر الدراسة أن بعض الأسلحة تستخدم بشكل مباشر في اليمن, على سبيل المثال، مدافع قيصر والتي يصل مداها إلى 42 كم.

واستناداً لما اشار اليه مركز أبحاث “Spiri” فقد حصلت المملكة العربية السعودية منذ العام 2010 على 132 مدفعية قيصر, حيث تشير خارطة DRM”” والتي تحمل عنوان “مدنيون في مرمى القذائف”، إلى أن ما يقرب من  48 مدفعية “قيصر” سعودية تم توجيه أفواهها باتجاه ثلاث مناطق سكنية في اليمن, والمكتظة بالقرى والمزارع والمدن, إذ يتم إطلاق النار مباشرة على الأراضي اليمنية التي يحتلها تمرد الحوثي والتي لا يزال العديد من المدنيين يعيشون فيها.

كما سلطت وثيقة ” DRM ” الضوء على وجود سفينتان فرنسيتان “تشاركان في الحصار البحري” الذي حال دون وصول المساعدات الإنسانية.

وبالتوازي مع ذلك، نشرت الإمارات العربية المتحدة دبابات لوكليرك في المناطق اليمنية، بما في ذلك في قواعدها في المناطق الغربية من اليمن.

الحكومة تتحدى هذه الاتهامات:

يتم استخدام صور الأقمار الصناعية وأشرطة الفيديو للتحقق من الاتهامات التي رفعتها العديد من المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام, ومع ذلك، تواصل الحكومة الفرنسية انكارها, حيث قالت وزيرة الجيوش “فلورنس بارلي” في 18 أبريل: “على حد علمي، لا يتم استخدام هذه الأسلحة بطريقة هجومية في الحرب اليمن، وليس لدي أي دليل يدين  الأسلحة الفرنسية باعتبارها أصل الخسائر المدنية في هذا البلد.

إن المخاطر التجارية على مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كبيرة جداً, ومع ذلك، كما أوضح “إيلي تيننبوم” لموقع France 24 ، إن هذا الخطاب ليس بالضرورة أن يكون مضللاً, حيث يحق لفرنسا بيع الأسلحة ذات الأهداف الدفاعية, حتى لو قرر المشترون استخدامها في وقت لاحق في أهداف هجومية, وهذا يشكك بالتالي في فعالية وشرعية معاهدة تجارة الأسلحة.

من الصعب أن يثبت رسميا أن المدنيين قد قضوا نحبهم  بالأسلحة الفرنسية, ومع ذلك، فإن هذه التسريبات يجب أن تحث الحكومة لتتفاعل مع الصراع اليمني وأن توقف أي عقود تسليح في المستقبل.

منعت ألمانيا التي تعتبر وارداتها الاقتصادية من بيع الأسلحة مهمة للغاية تصدير الأسلحة إلى الرياض, وفي الوقت نفسه، تميل فرنسا إلى جانب الولايات المتحدة ودونالد ترامب, حيث تم  توقيع عقود جديدة في نهاية ديسمبر من العام  2018، والتي تنص على تصدير مركبات مدرعة إلى المملكة العربية السعودية بين عامي 2019 و 2024.