بقلم: إيشان ثارور
ترجمة:أنيسة معيض- سبأ
لفترة من الزمن، يمكن للرئيس ترامب ظاهرياً أن يقول أن هذه لم تكن معركته فحسب. كانت الإدارة السابقة لباراك أوباما قد سمحت بتدخل السعودية عام 2015 ضمنياً الى ما كان في آنذاك حرباً أهلية في اليمن. بعد مرور أربع سنوات ، تحول الصراع إلى حريق إقليمي قاتم، حيث وضع تحالفاً سعودياً وإماراتياً تدعمه الولايات المتحدة ضد المعارضين الحوثيين في البلاد، الذين ازدادت صلاتهم بإيران متانة أثناء الحرب.
من الصعب الحصول على أرقام دقيقة ، لكن يقدر أن 50000 يمني قتلوا في الحرب حتى الآن، بمن فيهم العشرات من المدنيين الذين قتلوا جراء الغارات الجوية السعودية باستخدام الذخائر الأمريكية الصنع. وقد ساهم القصف والحصار المستمر في الانهيار الشامل لاقتصاد البلد. يعيش ما يقرب من 10 ملايين يمني على شفا المجاعة، بينما يعانى الآلاف من تفشي مرض الكوليرا والدفتيريا وغيرهما من الأمراض التي انتشرت جراء الكارثة (ومنهم من قضى نحبه نتيجة لهذه الأمراض).
إن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للتوصل إلى حل دبلوماسي للحرب مستمرة ، لكن لا يبدو أن وقف إطلاق النار المحدود قد مهد الطريق لسلام دائم. بدلاً من ذلك، تستمر المعارك بين مجموعة من الأطراف المتحاربة، بما في ذلك الميليشيات المرتبطة بالجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. تزود الولايات المتحدة التحالف بقيادة السعودية بالمخابرات والمساعدة في مجال الاستهداف الجوي وبالطبع مليارات الدولارات من الأسلحة. أفاد زملائي طوال الوقت أن “الجهود التي تقودها السعودية، والتي استهدفت منشآت مدنية ومنع وصول شحنات المساعدات إلى اليمنيين، قد وصمت بأنها خاطئة من قبل منظمات حقوق الإنسان لتسببها بتفاقم ما اعتبرته الأمم المتحدة أسوأ كارثة إنسانية في العالم.”
في الشهر المنصرم، تم تسليم ترامب على ما يبدو القرار النهائي للخروج من هذه الفوضى. استند القرار الذي كان على مكتبه الأسبوع الماضي، والذي حظي بدعم من الحزبين في مجلسي الكونغرس، واستحضر قيود حقبة فيتنام على صلاحيات الحرب الرئاسية لفرض إنهاء المشاركة الأمريكية في الحرب اليمنية. زعم المشرعون أن الدور الأمريكي المستمر في الصراع – الذي بدا مذهلاً خارج حدود تفويض ما بعد 11 سبتمبر المستخدم لتبرير الأعمال القتالية الأمريكية في نزاعات متعددة في الشرق الأوسط – يتطلب موافقة الكونغرس.
ونوهت افتتاحية الواشنطن بوست في شهر مارس أنه”بدون دعم الولايات المتحدة، من المحتمل أن يُجبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إنهاء الحرب.” “لسوء الحظ، تقهقرت إدارة ترامب”.
في مساء يوم الثلاثاء، فعل ترامب ذلك بالضبط، واختار استخدام حق النقض ضد هذا الإجراء. وقال في بيان “هذا القرار محاولة غير ضرورية وخطيرة لإضعاف سلطاتي الدستورية، مما يعرض حياة المواطنين الأميركيين وأفراد الخدمة الشجعان للخطر، اليوم وفي المستقبل”، مشيراً إلى أن الجنود الأمريكيين الذين تم نشرهم في دول الخليج الأخرى كانوا في خطر من هجمات الحوثيين خارج الأراضي اليمنية. وفقاً لزملائي، شعر ترامب بخيبة أمل تجاه الخط الضمني المناهض للسعودية للتشريع، الذي اكتسب قوة في أعقاب القتل المروع للصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي.
لم يخفي منتقدي ترامب في صحيفة ذا هيل خيبة أملهم. وقال السناتور تيم كين (ديمقراطي- فرجينيا) إن حق النقض “يُظهر للعالم أنه مصمم على الاستمرار في مساعدة حرب تدعمها السعودية أسفرت عن مقتل الآلاف من المدنيين ودفعت الملايين إلى حافة المجاعة”. رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ( ديمقراطي- كاليفورنيا.) شجبت قرار ترامب “بانتهاك تصويت الحزبين، المكون من مجلسين في الكونغرس وإدامة تورط أمريكا المخزي في هذه الأزمة المفجعة”.
على الرغم من أن تأثير القرار كان رمزيًا دائماً إلى حد كبير، إلا أن منتقدي إدارة ترامب يبينون أن حق النقض (الفيتو) يشجع فقط النظام السعودي الذي أظهر ميلاً للتهور في الخارج. وكتب 30 مسؤولاً سابقاً في إدارة أوباما خطاب في العام الماضي: “نحن لا نعتزم دعم الولايات المتحدة للتحالف ليصبح شيكاً فارغاً”. “لكن اليوم، في الوقت الذي استمرت فيه الخسائر البشرية في الارتفاع ولم تعد هناك نهاية للصراع في الأفق، فمن الواضح أن هذا هو بالضبط ما حدث”.
حذرت المنظمات الإنسانية من أوقات عصيبة أمام اليمنيين. وقال سكوت بول من أوكسفام أمريكا في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني إن حق النقض “يرسل رسالة واقعية إلى العائلات اليمنية التي يحاصرها جحيم الحرب اليومية: إدارتنا ببساطة لا تهتم”. “باستخدام حق النقض، يفقدون ثقتهم في الولايات المتحدة ويرون أن وضع نهاية لمعاناتهم بعيد المنال”.
المفارقة في الدعم القوي الذي قدمه ترامب للسعوديين هو المدى الذي يصطدم فيه برسالته السياسية الأوسع. في خطابه عن حالة الاتحاد هذا العام، قال “إن الدول الكبرى لا تخوض حروبًا لا نهاية لها”، وأكد من جديد رغبته في التراجع عن المشاركة الأمريكية في ساحات القتال في الشرق الأوسط. ولكن كما كتب جون غليزر، خبير السياسة الخارجية في معهد كاتو التحرري، في رسالة بريد إلكتروني، أعطى ترامب ” إشارة جريئة أخرى على أن إدارته تظل ملتزمة بمساعدة النظام السعودي في حربه الوحشية في اليمن، على حساب القيم الإنسانية الأساسية والمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة.
ما الذي يفسر هذا الالتزام بالرياض؟ بالطبع، هناك عداء الإدارة الأمريكية العميق تجاه إيران والنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، فضلاً عن رغبة البيت الأبيض في إبقاء السعوديين الى جانبهم بينما ينفذ سعيه غير العملي نحو خطة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويشير النقاد أيضاً إلى ميل إدارة ترامب نحو العمل الوقح واحادي الجانب، من تراجعها عن الصفقة النووية مع إيران إلى اعترافها المثير للجدل بالسيادة الإسرائيلية على القدس ومرتفعات الجولان. وأشار كاتب العمود لصحيفة الجارديان سايمون تيسدال إلى أن ترامب أظهر الان “ازدراء نظامي شامل وتخريبي الآن للقانون الدولي”.
وكتب المؤرخ السياسي ستيفن فيرتهايم في شهر مارس الماضي “إن رئاسة دونالد ترامب توضح أن التفوق العالمي أصبح غاية في حد ذاته، غير آبهاً بمصالح الشعب الأمريكي ومعظم البشر”. وقد أعلن ترامب من جانبه “يجب ان لا تخضع هيمنتنا العسكرية للتساؤل”، “وأعني أنه لا جدال فيه.” لقد نجح ترامب في تجريد السيادة من الوازع الأخلاقي والمبرر الاستراتيجي. إنه يقدر ذلك من أجل مصلحته، كإشارة للهيمنة الوحشية “. ومن خلال دعمه الثابت للحرب الكارثية، فإن اليمنيين العاديين هم الذين يشعرون بقوة تلك الوحشية
صحيفة: واشنطن بوست الامريكية