المفاوضات في صنعاء: هل استُبعدت ابو ظبي بإرادة سعودية؟
السياسية:
بينما تصدرت صورة السفير السعودي، محمد آل جابر وسائل الاعلام، عند وصوله إلى صنعاء ثم لقاءه عدداً من أعضاء المجلس السياسي الأعلى، كانت الأنظار تتجه إلى غياب طرف أساسي في الحرب، لم يحضر برفقة آل جابر.
وعلى الرغم من ان الزيارة العلنية الاولى للأخير كانت كفيلةً بالتغطية على بقية الملفات، إلا ان عدم حضور السفير الاماراتي، محمد الزعابي، كان له وقعاً مدويّاً خاصة لدى الجنوبيين الذين شعروا بأنهم قد “خُدعوا”. ويبرز السؤال هنا: هل استُبعدت الامارات عن المفاوضات بإرادة سعودية؟ وكيف سيترجم الخلاف بين الجانبين في المرحلة المقبلة؟
لكل من الطرفين مصالحهما الخاصة في اليمن. وبينما اتجهت أنظار الامارات إلى الموانئ والمواقع الاستراتيجية منذ اليوم الأول، كانت السعودية تسعى لكسب الحرب وابعاد عمقها عن الضربات الصاروخية مما “يهدد أمنها القومي”، إضافة إلى رغبتها بالحفاظ على نفوذها السياسي والعسكري في البلاد كسابق عهدها، وهو ما جعلها تنساق إلى مستنقعات معقدة، مفتوحة العينين، ودون ان تراعي بذلك المتغيرات الواقعية في الميدان.
متأخرةً، أدركت الرياض ان كسب الحرب، التي كانت تتوقع حسمها خلال أسبوعين، بات أمراً صعباً، وعليها ان تخرج بأقل الخسائر بما يتناسب مع أولوياتها من المكاسب. في حين جاء اعلان أبو ظبي بالانسحاب من اليمن عام 2019، كوَقع شديد الوطأة، شعرت بعدها الرياض بأنها “قد تم التخلي عنها” بحسب ما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
كانت الامارات تناور بسحب قواتها، اذ انها لم تتخلَّ عن جزء كبير من المواقع “الاستراتيجية” التي كانت قد سيطرت عليها، ان كان بشكل مباشر او عبر الميليشيات التابعة لها. من جهة أخرى تشير صحيفة وول ستريت جورنال إلى ان “أبو ظبي ما زالت تخشى تهميشها من المناقشات حول مستقبلها حيث تواصل السعودية محادثات مباشرة مع الحوثيين بشأن إنهاء الحرب”.
ونقلت عن مسؤولين خليجيين قولهم إن بلادهم “تريد الحفاظ على موطئ قدم استراتيجي على الساحل الجنوبي للبلاد وتوجيه القوة في البحر الأحمر لتأمين الطرق البحرية من موانئها إلى بقية العالم”.
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وقعت الإمارات اتفاقية أمنية مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية تقضي بالسماح للقوات الإماراتية بالتدخل في البلاد في حالة وجود تهديد وشيك، وتدريب القوات اليمنية في الإمارات. وتعميق التعاون الاستخباراتي، كما تسعى لبناء قاعدة عسكرية ومدرج على جزيرة في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر. وقال مسؤولون خليجيون إن المسؤولين السعوديين اعترضوا سراً على الاتفاق الأمني والخطط الخاصة بالقاعدة، واعتبروا أن الإماراتيين يعملون ضد أهداف الرياض الرئيسية المتمثلة في تأمين حدودها البالغ طولها 800 ميل ووقف الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ.
ورداً على ذلك، نشرت الرياض قوات سودانية في مناطق قريبة من العمليات الإماراتية، وهو ما اعتبره المسؤولون الإماراتيون تكتيكًا للترهيب.
كانت الخلافات بين الجانبين أكبر من ان يتم اخفاؤها. فحتى في الخطوات النابعة من إرادة مشتركة من كليهما، كانت أبو ظبي تعمل على زرع الألغام لحليفها اللدود، فيما كانت المملكة تنظر بعين الريبة والقلق لكل خطوة إماراتية. يُلحظ ذلك بما جرى من تجربة انشاء ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي. ففي الوقت الذي قدم ولي العهد محمد بن سلمان، المجلس على انه “انجاز سياسي”، اعتبره البعض “انتصاراً” للرئيس الاماراتي محمد بن زايد، الذي استطاع نقل صلاحيات الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، التابع للرياض، إلى المجلس مجتمعاً والذي يتألف من قادة ميليشيات بعضهم تابع للأمارات، وليس لشخص ما يسمى برئيس المجلس رشاد العليمي، الموالي للسعودية.
من ناحية أخرى، استفادت أبو ظبي من اقصاء هادي ونائبه علي محسن الأحمر، لتعزز ثقة أتباعها في الداخل اليمني عبر اعطائهم هامش للتحرك. ويقول الاعلامي اليمني عبد الرحمن العابد، ان “الفصائل التابعة للأمارات، قامت باستمالة الجانب السعودي بإيعاز اماراتي على مدى الاعوام الماضية، مستفيدة من اقصاء هادي للترويج لخطر جماعاتهم على قوات التحالف، وفشلهم في هزيمة صنعاء، للتأكيد على ضرورة إيقاف الدعم عن جماعة الاصلاح وهادي والأحمر… وهذا ما نجحوا فيه وتم تنفيذه بيد السعودية نفسها”.
ويضيف العابد، ان “الامارات تسبق السعودية دائماً بخطوة… بينما كانت السعودية تلتقي وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، برعاية صينية لاعادة تطبيع العلاقات، كانت الامارات تستقبل السفير الايراني لمزوالة مهامه بشكل فعلي في أبو ظبي”. وهذا ما يفتح الباب امام التنبؤ حول ما تخفيه الامارات في الخطوة التالية.
على عكس المرات السابقة، لم تحضر ابو ظبي المفاوضات نتيجة تعاظم الخلاف مع الرياض، على عدد من المسائل في الشأن اليمني وفي المنطقة. ويشير القيادي في ما يسمى بالحراك الجنوبي، أحمد الحسني، في حديث خاص لموقع “الخنادق”، أنه “بعد مشاورات الرياض، في شهر رمضان الماضي، بعد تأسيس ما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي بحوالي شهرين، حاولت الامارات ان تسيطر عسكرياً على المحافظات الواقعة تحت نفوذ السعودية والتي تعتبرها مناطق تمس أمنها القومي، وهي محافظات غنية بالنفط والغاز ومحاذية للحدود السعودية، وكسرت بذلك، قواعد الاتفاق بينها وبين الرياض. لهذا هددت المملكة بقصف القوات الموالية للأمارات اذا تقدمت صوب حضرموت”. مضيفاً ان ما زاد العلاقات توتراً “دخول ابو ظبي بشراكات امنية مباشرة مع كيان الاحتلال والولايات المتحدة بما يخص الملاحة الدولية في البحر الاحمر تحديدا والسعودية لم توافق على هذه الشراكات لانها لم تشارك بها وهذا ما دفعها لتأسيس قوات بهدف تقليص نفوذ الامارات وهو الامر الذي جاء قبل أشهر قليلة من اعلان المحادثات مع صنعاء بشكل رسمي بين صنعاء والرياض”.
وعن ردة فعل ابو ظبي على استبعادها، يقول الحسني ان “الامارات، اليوم تحاول عرقلة المفاوضات والتقليل من اهميتها وتحاول ان تدفع بأدواتها على الارض خاصة ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي لرفض بنود الاتفاقية… لن تستطيع تؤثر بشكل فعلي على المفاوضات، ولو أنها تحاول ذلك جاهدة”.
* المصدر: موقع الخنادق اللبناني
* المادة الصحفية: تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع