الأسلحة الفرنسية في اليمن…”إذا لم نرغب في قتل السكان، فلا يجب أن نبيع الأسلحة”
بقلم: باسكال فيسيت( موقع تي في 5 موند “TV5 Monde” الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)
نشر موقع التحقيقات الاستقصائية “ديسكلوز” وثيقة سرية لمديرية الدفاع والاستخبارات والتي تتمحور حول ملف صفقات بيع ونقل الأسلحة الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة واستخدامها بشكل مباشر في الصراع الدائر في اليمن, بما في ذلك المناطق التي يعيش فيها المدنيون, فهذه الوثيقة تتعارض مع الرواية الرسمية للحكومة الفرنسية, حيث كررت وزيرة الدفاع الفرنسية “فلورنس بارلي” في 18 من هذا الشهر, تصريحاتها حول ملف الاسلحة الفرنسية, والتي أشارت من خلال هذه التصريحات إلى أن الأسلحة الفرنسية تستخدم لأغراض دفاعية وليست هجومية, وقالت أيضاً “لا يوجد أي دليل على أن الأسلحة الفرنسية الصنع أدت إلى وقوع خسائر في صفوف المدنيين في اليمن.
ولتسليط الضوء على هذا الملف, يجيب الصحفي الفرنسي في صحيفة ” L’Opinion” والمتخصص في القضايا العسكرية والإستراتيجية والدولية على العديد من الاسئلة.
تي في 5 موند: وفقاً للحكومة الفرنسية، يتم استخدام هذه الأسلحة لأغراض دفاعية وغير هجومية في حرب اليمن. هل يمكن أن نتحدث عن عملية اتصال من جانب الحكومة؟
جان دومينيك ميرشيت: إنها في الواقع عملية تواصل للقول إن حلفائنا يدافعون عن أنفسهم ضد العدوان وأنهم يستخدمون هذه الأسلحة من أجل لدفاع عن أنفسهم, فعندما نقوم بقصف المدينة، أو عندما نرسل الدبابات إلى مدينة أخرى، هل نعتبر ذلك هجوماً؟ بطبع لا, إنه في الحقيقة خطاب سياسي لتبرير عمليات حلفائنا في اليمن، وأي شيء أكثر من ذلك لا معنى له ولا له أي قيمة عسكرية.
تي في 5 موند: بعض السياسيين يستنكرون “كذبة الدولة”, كيف ترون ذلك؟
جان دومينيك ميرشيت: إن القول بأنها “كذبة الدولة” ربما يكون مبالغ فيه, أود أن أقول أنه من العجز السياسي تحمل ما نفعله وما تفعله فرنسا, فمن الواضح جداً أن فرنسا تبيع الأسلحة لحلفائها, في حين أن حلفائها يستخدمونها في الحرب التي يشنونها ضد الجماعات في اليمن, بيد أن فرنسا لديه مشكلة في قول ذلك, لأن الحاصل في اليمن ما هو ألا حرب قذرة, ناهيك عن كون هذه الحرب خيمت على الوضع الإنساني الكارثي الذي ألقى بظلاله على شريحة واسعة من السكان المدنيين.
علاوة على ذلك، فأن أصدقاؤنا وحلفاؤنا السعوديون, يملكون سجل حافل في مجال انتهاك حقوق الأنسان والقانون الدولي، خاصة بعد عملية اغتيال الصحفي السعودي: جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية.
إن ملف مبيعات الأسلحة الفرنسية ليس خافياً على أحد, ولا يتم بيع الأسلحة في السر في حقيقة الأمر, إذ توجد لجان مختصة وتقارير برلمانية.
نحن نعلم أن المملكة العربية السعودية هي أكبر عميل لصناعة الأسلحة الفرنسية وأن جميع مبيعات الأسلحة تلك ودون استثناء تتم بتصريح من الحكومة, وبالتالي فهذا ليس بالاكتشاف المذهل.
إن الوثيقة التي تم تسريبها عن موقع التحقيقات الاستقصائية “ديسكلوز” مثيرة للاهتمام, نظراً لكون التقرير صادر عن احد فروع الاستخبارات العسكرية, ولكن هذا التقرير يسلط الضوء فقط على الموقف الذي افترضه الجميع، في حين أنه لم يكشف عن أشياء لم تكن معروفة بشكل كامل.
تي في 5 موند: ما هي الأسلحة الدفاعية التي يتم استخدامها على أرض الواقع؟
جان دومينيك ميرشيت: أسلحة دفاعية؟ أن ما اريد قوله أن هذه ينطبق في الغالب على الطريقة التي يتم فيها استخدام هذه الاسلحة على الأرض عندما يخوض بلداً ما الحرب، وبالتالي فأن ما يفعله السعوديون والإماراتيون في اليمن يسمى مواقف دفاعية وأخرى هجومية.
إننا نمارس السياسة بالقول إننا ندافع عن أنفسنا، ولا نقول أبداً أننا في موقع هجومي ضد البلد, كما نقول إننا ندافع عن أنفسنا ضد أي عدوان من هذا البلد ولهذا السبب نهاجم, فهذا هو كل شيء, فالحاصل ما هو إلا لعبة سياسية أكثر من كونه واقع عسكري.
وفي الواقع، يتم استخدام الأسلحة في صنع الحرب، وبالتالي فعندما تشتري دولة ما السلاح وهي تعيش حالة حرب فإنها سوف تستخدم تلك الأسلحة بلا أدنى شك، وفي بعض الأحيان بشكل دفاعي وأحياناً أخرى بطريقة هجومية.
تي في 5 موند: لطالما أدانت العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية بشكل منتظم ملف مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة, برأيك، لماذا ترفض فرنسا وقف صادراتها من الاسلحة؟
جان دومينيك ميرشيت: إن فرنسا تصنع سياستها الخاصة دون اكتراث بأسلوب منفرد، لأن قضية مبيعات الأسلحة أصبحت قضية سياسية حساسة في مجتمعاتنا، خاصة إذ كانت في أحدى مسارح الحرب مثل اليمن.
“واجهت فرنسا مشكلة في اتأقلم مع الحلف الذي جمعها مع السعودية وبدرجة أقل مع الإمارات، فهذان البلدين يخوضون حرباً تسببت في بسقوط العديد من الضحايا بين قتيل وجرح, بما في ذلك الخسائر في صفوف المدنيين”
نحن كذلك نشارك بشكل غير مباشر ضد إيران التي يُشتبه في تقديمها الدعم للحوثيين، وهم الجهة التي يقاتلها السعوديون والإماراتيون في اليمن, وفي اعتقادي, فأن هذه هي المرة الأولى التي يوجهه فيها الرأي العام انتقاد قوي إلى حد ما لملف مبيعات الأسلحة الفرنسية.
وبشكل عام, فكل هذا يحدث في ظل لامبالاة من البعض من هنا وهناك، ولأول مرة من أجل أن نشهد أحداث حقيقية, كما هو الحال في ألمانيا.
ففي فرنسا، بدأت هذه المشاركة المثيرة للجدل بفضل المنظمات غير الحكومية والجمعيات الإنسانية.
تي في 5 موند: بعد عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، كان بوسع فرنسا أن تحذو حذو ألمانيا في تعليق صادراتها من الأسلحة، برائيك لماذا لم تفعل ذلك؟
جان دومينيك ميرشيت: برائي يكمن السبب في ذلك, نظراً لوجود أسواق تصدير مهمة للغاية,إذ أن هناك جانبان: أولاً هناك جوانب تجارية, إذ لا يمكننا القول بأن الصناعة الفرنسية تعمل بشكل جيد، وأن الميزان التجاري فائض للغاية, ولكنه يعتبر المجال العسكري أحد المجالات القليلة في الصناعة التي لا تزال فرنسا تستطيع فيها بيع المعدات إلى دول أجنبية في هذه الآونة, فنحن لم ندخل مجال صناعة السيارات مثل الألمان ولا صناعة الإلكترونيات مثل الصينيين.
والأمر الثاني هو التحالف بين فرنسا وممالك الخليج, حيث أن هذا التحالف استراتيجي وسياسي، لم يحظى بذلك القدر من الاهتمام, وبالتالي فهذا ما يستحق النقاش والتقييم.
في 5 موند: وفقًا للوثيقة التي نشرها موقع “ديسكلوز”، فإن هذه الأسلحة الفرنسية موجودة في كل مكان في اليمن, في البر والبحر والجو, سفن ودبابات وطائرات مقاتلة … وكنتيجة حتمية لذلك، يعاني السكان المدنيون من أضرار جانبية، هل تتفق مع ذلك؟
جان دومينيك ميرشيت: عندما تخوض أي حرب وتعكف على قصف المدن والمرافق الحيوية, فأن سقوط العديد من الضحايا أمر حتمي, وهذا بالفعل ما يفعله الإماراتيون والسعوديون في اليمن, فالحاصل في هذا البلد هو حرب قذرة, حيث تبيع أسلحة لبلد يعيش حالة حرب، لذا لا يمكنك التحدث عن الأضرار “الجانبية” فوجود ضحايا هو نتيجة حتمية لكل ذلك.
“إذا كنا لا نريد أن يكون هناك وفيات في صفوف المدنيين، فإننا بالتأكيد لا نريد بيع الأسلحة”
وفي المقابل, ليس لدينا دليل مطلق على أن القنابل أو القذائف الفرنسية الصنع كانت سبباً في قتل المدنيين في اليمن، ولكن في الوقت نفسه فإننا لن نتنصل عن المسائلة ونتهرب منها، فالإماراتيون والسعوديون يشنون حرباً باستخدام الأسلحة الفرنسية, وفي رأيي، إن أهم شيء هو مسألة الاستخبارات, حيث أن المخابرات لا تقتل أحدا، لكن هذا ما يجعل من الحرب ممكنة.
كما أننا نعي جداً أن باريس توفر المعلومات الاستخباراتية اللازمة للسعوديين والإماراتيين, كما نعي جيداً أن فرنسا تعمل على تزويد تلك الجهات بمعداتها لتمكينهم من شن هذه الحرب.
فالحرب لا تتعلق بجنسية القذيفة التي ستقتل أي شخص، فهي عبارة عن نظام كامل من الاستخبارات والمعلومات اللوجستية والتدريب وبالتالي فهذا النظام هو من يصنع الحرب.
وفي الأخير، من الواضح أن فرنسا تشارك مع النظام السعودي والإماراتي من خلال توفير المعدات والمعلومات الاستخباراتية وهكذا نحن منخرطون بشكل أو بأخر في هذه الحرب ونتحمل المسؤولية الكاملة.