نهاية الكيان والخراب الثالث
عبير بسّام
يلزمنا الحديث عن زوال “اسرائيل” التطرق لعناوين رئيسية تحدد الخطوط العريضة لما بني عليه الكيان، والتي يمكن من خلالها التحقق إذا ما كان قابلًا للاستمرارية أم لا.
ومن محددات استمرار الكيان: أولًا الأمن الاجتماعي والقومي، ثانيًا تحقيق العوامل الدينية، ثالثًا انسجام مكونات الداخل الاسرائيلي مع بعضه البعض، وهي بمجملها باتت مفقودة.
أولًا – الأمن الاجتماعي والقومي: ويتعلق بانعدام الأمن الداخلي الاجتماعي والخارجي أو القومي. مفهوم الأمن مرتبط بشكل مباشر بمزاعم مجازر اوشفيتز على يد النازية، وهي محل تشكيك المؤرخين الذين سُلِبوا مكانتهم العلمية لمجرد النقاش بها. ومع ذلك فإن هول ما نشر حول وصف مجازر اوشفيتز، وضع اليهود في حال رعب، مع المفارقة أن الكيان العبري قام في العام 1948 على مجازر الرعب التي ارتكبتها العصابات الصهيونية من هاغانا وشترن وغيرهما ضد الفلسطينيين الآمنين في قراهم، والصحافة العبرية تتحدث عن ذلك بكثافة اليوم.
ومن سخرية القدر أن هذه العصابات أصبحت نواة جيش الكيان الذي تشبّع عقائدياً بـ”قانونية” و”أحقية” قيامه على مجازر الرعب. وهذا سلاح ذو حدين، لأن حقائق التاريخ الأسود، التي قام عليها الكيان، ترعب اليوم المستوطنين، اذ إن جميع من خدم من النساء والرجال على حد سواء في جيش الكيان يعرفون ماذا اقترفت أيديهم. ولذا مع تنامي المقاومة الفلسطينية في المناطق التي طالما كان الكيان يعتبرها محصنة من الانتفاضات في القدس والضفة الغربية، والممتلئة بالمستوطنات الصهيونية فإن مستوطني الكيان لا يستشعرون بخطر دفع ثمن ما اقترفت أيديهم فقط، بل هم على ثقة بأنهم سيدفعون الثمن عبر عمليات المقاومة المتصاعدة في كل يوم.
وهنا نقطة يجب الالتفات إليها، أن الأمل بالعيش في وطن لليهود، والذي كان يحمله الجيل الأول من المستوطنين، يفقد معناه اليوم بالنسبة للأجيال الجديدة، التي فهمت أن اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وابراهام كلها لن تغير من موقف المواطن العربي تجاه الكيان المارق. وهناك مثال ما زال حاضراً في الذاكرة، يعكس ما شهده الصهاينة وترك خيبة كبرى في داخلهم، وهو ردات فعل العرب تجاه محاولات القنوات الصهيونية إجراء مقابلات معهم على هامش كأس العالم 2022 في قطر. الإعلام العربي وللأسف، لم يشر إليها، إلا من وجهة نظر المواطن العربي، ولكنه فشل في قراءة تأثير الخيبات، التي شعر بها المذيعون الصهاينة، والتي انتقلت بشكل تلقائي للمشاهد الصهيوني. وهذا يعزز شعور الصهاينة بأنهم ليسوا في أمان داخل محيطهم. وهناك بالتأكيد قلق كبير من ساعة الصفر المحتملة حين إعلان قرار “المواجهة الكبرى” ليس بين الصهاينة والمقاومة الإسلامية في لبنان، بل مع كل محور المقاومة.
ثانيًا – تحقيق العوامل الدينية. ولها علاقة وثيقة بما تحدث عنه السيد نصر الله خلال ذكرى أسبوع القائد المجاهد الحاج أسد صغير، وهو “الخراب الثالث”. وضمن هذا المفهوم، هناك قلق اسرائيلي من أن الكيان لن يستطيع البقاء لتصل سنه للثمانين. وهذه القناعة باتت اليوم أكبر، ونحن نشهد تصاعد الاضطرابات في الكيان والاعتراضات على الإصلاحات القضائية التي تريد أن تفرضها الحكومة.
ولكن من الواضح أن هناك ما هو أكثر من اصلاح قضائي، فالمسؤولون في الكيان يهاجمون بعضهم البعض ويكيلون الاتهامات لبعضهم البعض. ومع ذلك فالأمر ليس بهذه البساطة. إنه يتعلق بفقدان حالة الأمان التي يعيشها المستوطنون داخل فلسطين المحتلة. وهناك من يرى أن حكومة بنيامين نتنياهو تشكل خطرًا على أصل وجود الكيان الإسرائيلي، وذلك على الأقل بحسب ما نشر موقع “نيوز 1” الصهيوني، منذ بداية شهر شباط/ فبراير وذلك بناء على آراء أكثر من 100 مؤرخ صهيوني ينتمون لمشارب مختلفة دينياً وعقائدياً.
لكل من القدس والضفة الغربية مكانة خاصة جداً في التاريخ العبري، المكتوب على هواهم بالتأكيد، وخاصة في الضفة الغربية، والتي منذ نشوء الكيان لم تكن متضمنة فيه، وهذا ما دوّنه نص ما سمي بـ “الكتاب الأبيض” ومن “الكتاب الأسود” اللذين يحددان حدود الكيان. ولكن الضفة الغربية هي تاريخياً، الموقع الذي قامت فيه “مملكتا يهودا والسامرة”، اللتان تمثلان أساس الكيان العبري، الذي روج له خلال الحملة الصهيونية منذ مؤتمر بازل الأول في العام 1897 ومع بداية نشوء المستوطنات الأولى. علاوة على ذلك، فإن التناقض الدولي الذي يتعلق بمستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي هي محل إدانه من قبل المجتمع الدولي وبخاصة الأمم المتحدة، والمقسم لمناطق أ وب وج، ما بين السلطة والكيان بموجب أوسلو، والذي فشل الكيان ببسط هيمنته عليه خلال أكثر من 70 عاماً، هو اليوم يضر بشكل فعّال في الحاضر الصهيوني، وخاصة حينما يتعلق الأمر بتصاعد المقاومة في الضفة.
كلما اشتدت الأزمات في بلدان المستعمرات التي أنشأها الأوروبيون على مدى التاريخ، كانت النتيجة أنهم قد هربوا في نهاية الأمر وأرجلهم تضرب رؤوسهم، ما عدا في دول الأمريكتين واستراليا، وهو ما أملت بريطانيا تحقيقه في فلسطين، لكن الواقع التاريخي للمنطقتين يختلف عن آسيا وأفريقيا، وهو ما ينطبق تماماً على الفلسطينيين كجزء من التاريخ. ولكن الحاجة البريطانية لـ”اسرائيل” مرتبطة عضوياً بإحكام السيطرة على الوطن العربي ومنطقة غرب آسيا، إذا جاز القول، حتم السعي البريطاني وفي مرحلة تالية السعي الأميركي- البريطاني، ما بعد الحرب العالمية الثانية من أجل تكريس وجود الكيان الآمن، والمرتبط ارتباطاً مباشراً بالعقيدة الدينية بالنسبة لقيادتي الدولتين. وبحسب المسار التاريخي، فإننا مع اشتداد المقاومة في فلسطين سنشهد توجهاً صهيونياً أكبر نحو الهجرة خارج فلسطين أكثر من أي وقت مضى.
ثالثًا – انسجام مكونات الداخل الاسرائيلي مع بعضها البعض. وهو من مستحيلات التحقق، فمنذ بداية نشوء الكيان كان هناك تمايز طبقي اجتماعي بين يهود الأشكناز واليهود الشرقيين ويهود الفلاشا، هذا إضافة إلى يهود الحريديم، وكل منهم متمترس اجتماعياً في حيه وبيئته. لم تنسجم المكونات الأربعة في داخل ما يسمى “المجتمع” الإسرائيلي. حتى أن هناك تناقضا في الإيديولوجية والثقافة فيما بينهم. والحريديم عالة على الباقين، يرفضون مبدأ إقامة “دولة اسرائيل” المزعومة بالقوة، ويعتبرون أن ما يجري هو مخالف للسياق الديني لعودة “دولة اسرائيل”، وتعتبرهم الفرق الثلاثة الأولى عالة عليهم. والتمايز الطبقي يشمل الأجور والرواتب والترقيات في العمل وعلاقات الزواج واللغات المحكية في داخل المجتمعات، أي الثقافة، وما إلى ذلك.
بالعودة إلى الطريقة التي تتعامل بها الحكومة الصهيونية مع مطالب مستوطنيها بعدم المس بالقانون القضائي، اذا ما أقر القانون، فهذا معناه أن الكيان الصهيوني يتجه أكثر نحو الديكتاتورية، وإذا تعامل مع مستوطنيه اليهود بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع الفلسطينيين، فعلى ما يسمى بـ”إسرائيل” السلام! وبيدهم لا بأيدينا.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع