اتفاق طهران – الرياض… ضمان أمن المنطقة دون وجود الولايات المتحدة
السياسية:
الإعلان عن الاتفاق الرسمي بين إيران والسعودية في بكين لاستئناف علاقاتهما الرسمية، إضافةً إلى تأثيره على العلاقات بين البلدين، سيكون له أيضًا آثار إقليمية وعالمية، وأهم تأثير سيتركه على المعادلات العالمية، سيكون بلا شك تراجع دور أمريكا في المنطقة.
أحد الآثار هو دخول الصين في المعادلات الإقليمية، والآخر يرتبط بتسوية النزاعات وتوفير الأمن الإقليمي من قبل دول المنطقة دون تدخل الأجانب؛ وهو أحد المبادئ الثابتة والرسمية لسياسة إيران الخارجية.
لكن فيما يتعلق بالصين، فبعد سنوات من محاولة تقوية اقتصادها والسيطرة على الأسواق العالمية، يدخل هذا اللاعب الكبير في الساحة الدولية الآن تدريجياً في الأدوار السياسية والأمنية عبر الإقليمية.
من زيارة “شي جينغ بينغ” إلى الرياض في 16 ديسمبر 2022 والاستقبال غير المسبوق له من المسؤولين السعوديين والقادة العرب، ثم تعاون الصين الاقتصادي والعسكري مع الإمارات ومصر، وقبل ذلك استثمارات كبيرة في ميناء البصرة ومشاريع اقتصادية أخرى في العراق، إلى إعلان استعداد بكين للوساطة بين موسكو وكييف، كل ذلك يظهر أن الصين تريد جني ثمار سنوات من سياسة النفوذ الاقتصادي دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودون خلق توتر ودون حملات عسكرية.
إن طبيعة ونوع الدور الذي تلعبه الصين والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، هو حيث إن معظم دول المنطقة توصلت الآن إلى استنتاج مفاده بأن العلاقة مع الصين، إلى جانب جميع الفوائد الاقتصادية التي تجلبها، يمكن أن تكون عاملاً من عوامل الاستقرار والأمن، استقرارٌ يضمن النمو الاقتصادي والازدهار.
تنظر الدول والجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية إلى سنوات الوجود الأمريكي في منطقة غرب آسيا، ولا ترى شيئًا سوى انعدام الأمن والحرب. ولكن من ناحية أخرى، فإن طبيعة مصالح الصين في غرب آسيا، تجعل بكين لا تسعى إلى انعدام الأمن فحسب، بل ترى أن أي انعدام للأمن يمثل خطرًا على مصالحها.
تدرك بكين جيداً انحدار القوة الأمريكية في العالم وفي منطقة غرب آسيا، لكنها لا تريد أن تتبع مسار الولايات المتحدة بإرسال قوات وإنشاء قواعد عسكرية وإرسال حاملات طائرات، وهو الطريق الذي لم ينجح فقط في توفير أمن المنطقة، بل أدى أيضًا إلى تأجيج الوضع.
لذلك، بالنسبة للصين، فإن منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا تعني منصةً مهمةً للتعاون الاقتصادي لا علاقة له بالقوات العسكرية وحاملات الطائرات.
في عملية تفاعلها، على عكس أمريكا، لا تنوي الصين إملاء سياسات ومطالب تضر بسيادة الدول واستقلالها. وأحد أسباب استعداد الدول العربية للعمل مع بكين، هو عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
في تفاعل الرياض وأبوظبي مع بكين، لم يرد ذكر للمطالب والتعليمات التي يتم إملاؤها، ولا يهتم الصينيون بشكل أساسي بأي مقولة أخرى بقدر ما يهتمون بضمان التعاون الاقتصادي.
لذلك، فإن دور بكين في الاتفاقية بين إيران والسعودية، أعطى رسالةً لدول أخرى في المنطقة مفادها بأنه إذا كان البلدان في صراع لسنوات، فإن أحد العوامل الرئيسية لذلك كانت أمريكا؛ أي دولة وعدت “عبد العزيز آل سعود” قبل 78 عاماً بضمان أمن هذا البلد مقابل الوصول إلى آبار النفط السعودية.
ولذلك، إذا لم يكن هناك انعدام للأمن، فإن وجود أمريكا سيكون بلا معنى. لكن الصين أظهرت أنها يمكن أن تكون وسيطًا وصانعًا للأمن، وهي وظيفة غير متوقعة من الولايات المتحدة.
هناك أيضًا رسالة مهمة تكمن في نوع رد فعل الدول والجهات الفاعلة في المنطقة على اتفاق طهران – الرياض. من طالبان إلى تركيا ومصر والبحرين ودول عربية أخرى رحبوا بهذا الاتفاق بحرارة، كما وصفت فصائل محور المقاومة، من حزب الله اللبناني وحركة أنصار الله اليمنية إلى حركات المقاومة الفلسطينية، هذا الحدث بأنه مثمر لمستقبل المنطقة. وهنا، الكيان الصهيوني فقط (باعتباره المحور الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية في غرب آسيا)، هو من يشعر بالقلق والخوف.
وفي هذا الصدد، فإن حكومة نتنياهو، التي كانت حتى قبل أيام قليلة تتغنى بالعزلة الإقليمية لإيران، التزمت الصمت الآن. من جهة أخرى، وصف نفتالي بينيت رئيس الوزراء الأسبق للكيان الصهيوني هذا الاتفاق بأنه انتصار سياسي لإيران، وضربة قاتلة للتحالف الإقليمي ضد طهران.
وقال: “إن إعادة العلاقات بين إيران والسعودية تطور خطير لإسرائيل وانتصار سياسي لإيران، وهذه ضربة قاتلة لتشكيل تحالف إقليمي ضد إيران”.
كما كتب يائير لابيد، وزير الخارجية السابق لهذا الكيان، على صفحته على تويتر: “الاتفاق بين إيران والسعودية فشل كامل وخطير لسياسة إسرائيل الخارجية. وهذا يعني انهيار الدفاع الإقليمي الذي بدأ ضد إيران”.
وفي أمريكا، وعلى الرغم من أن حكومة هذا البلد حاولت إخفاء مخاوفها من هذا الاتفاق في موقف سياسي، فقد أعربت الدوائر السياسية والإعلامية في هذا البلد علانيةً عن قلقها من تجاهل أمريكا في غرب آسيا.
وفي هذا الصدد، رد بيل هاجرتي، ممثل ولاية تينيسي في مجلس الشيوخ الأمريكي، على الاتفاق بين إيران والسعودية على صفحته الشخصية على تويتر، وكتب: “كانت هناك فترة كانت فيها الولايات المتحدة دولة في العالم لا يمكن تجاهلها، لكن الإدارة غير الفعالة للرئيس جو بايدن في كثير من الأحيان للشؤون الدولية دمرت ذلك. لقد سمح بايدن للصين الشيوعية بأن تصبح قوةً وسيطةً جديدةً في الشرق الأوسط، وهذا هو انحدار أميركا في عهد بايدن”.
إضافة إلى ما سبق، فإن الاتفاق بين طهران والرياض، كما ورد في البداية، يتماشى مع ضرورة ضمان أمن المنطقة بأيدي الفاعلين الإقليميين، وهي سياسة الاعتماد على الذات التي تنتهجها إيران والتي لا يلعب فيها الأجانب دورًا.
لا شك أن السلطات السعودية، بما في ذلك “محمد بن سلمان”، أصيبت بخيبة أمل في المسار الذي أدى إلى الاتفاق مع طهران، أولاً وقبل كل شيء، لتأمين أمنها على يد الولايات المتحدة.
ولي العهد السعودي الشاب لديه خطط طويلة المدى وأحلام في رأسه، والتي تتطلب راحة البال من إيران لتحقيقها. إذا دخل ابن سلمان الحرب في اليمن، فذلك لأنه اعتقد أنه سينهي المهمة في غضون أسبوعين. وهذا هو السبب في أنه منذ عام 2019، وبعد الهجوم الدقيق للطائرات اليمنية دون طيار على منشآت أرامكو، كان يتوسل لإيجاد طريقة للخروج من مستنقع اليمن.
لقد ربطت السعودية أمنها بأمريكا منذ 78 عامًا، وهي الآن ترى أن مثل هذه السياسة لم تعد مجديةً، وسيقوم اليمنيون بإرسال طائراتهم دون طيار وصواريخهم فوق القصر الملكي في الرياض متى شاؤوا.
وفي هذا الصدد، قال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، لصحيفة نيويورك تايمز، إن اتفاق طهران – الرياض يظهر أن السعودية “لا تثق في واشنطن”. وأكد أن تجديد العلاقات الإيرانية السعودية نتيجة وساطة الصين، “خسارة للمصالح الأمريكية”.
* المصدر: موقع الوقت التحليلي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع