السياسية:

كشفت دراسة جيولوجية صدرت مؤخرا عن صدع يهدد بانشطار قارة افريقيا إلى إلى جزئين، ما سيكون بداية لتشكل بحر افريقي جديد.

وأفادت الدراسة أن محيطا جديدا يتشكل داخل قارة أفريقيا، مرجعة ذلك لصدع يبلغ طوله 56 كم، موضحة ان ذلك بدأ بالظهور في صحاري اثيوبيا في العام 2005. واستندت الدراسة الجيولوجية الحديثة التي نشرتها مجلة Geophysical Research Letters إلى البيانات الزلزالية الناتجة عن تكوين الصدع، مشيرة إلى أن تلك الحركة تشبه الحركة التي تسببت قديما في تقسيم البحر الأحمر.

وتسلط هذه الدراسة الضوء على ان حالة من التغير ستشهدها القارة الأفريقية نتيجة العمليات التكتونية التي ستتوالى نتيجة تطورات الصدع الذي بدأ بالتشكل في أثيوبيا منذ قرابة 20 عاما.

وتفيد الدراسة أنه في العام 2018، ظهر صدع كبير يمتد لعدة كيلومترات، وعلى نحو مفاجئ في جنوب غرب كينيا، وهو الصدع الذي تسبب في انهيار طريق “نيروبي- ناروك”، وحدث بالتزامن مع ظهور نشاط زلزالي في ذات المنطقة.

والصدع الذي ظهر في كينيا يبلغ عرضه 20 متر بعمق 15مترا، ويمتد في الأراضي بالقرب من مدينة نيروبي عاصمة كينيا، ملحقا تخريبا في الطريق السريع الوحيد حول مدينة نيروبي، وأدى إلى فقدان أحد السكان المحليين لمنزله.

مقاربات العلماء والباحثين الجيولوجيين لهذه العملية التكتونية تباينت بين محذر من انشطار القارة الأفريقية كما حصل في الدراسة المنشورة مؤخرا، ومقلل من تأثير ما حصل، باعتبار ان العملية الجيولوجية الحاصلة مجرد تشقق في التربة. وفي هذا السياق قال الباحث ستيفن هيكس من جامعة ساوثمبتون والمتخصص في دراسة الصفائح التكتونية، ان تصدع الأرضي في كينيا سببه هبوط بسيط للأرض بسبب الأمطار الغزيرة. في حين قالت لوسيا بيريز دياز، الباحثة في قسم الديناميكا بجامعة رويال هولواي البريطانية ان “الأرض كوكب دائم التغير، وقد يكون هذا التغير غير ملحوظ بالنسبة لنا في بعض الأحيان”. لكن علماء جيولوجين قالوا في وقت سابق انهم لاحظوا منذ عدة سنوات انفصال صفيحتين تكتونيتين إفريقيتين في كينيا، على طول الفرع الشرقي من الوادي المتصدع الكبير الممتد في إثيوبيا وكينيا وتنزانيا، مشيرين إلى ان هذه الظاهرة الجيولوجية امتدت من البحر الأحمر إلى نهر زمبيزي، ومع النشاط البركاني والزلازل، قد تؤدي الصدوع المتعاقبة إلى تفكك كامل لقارة أفريقيا، لكن هذا التفكك يحتاج لمدة زمنية قد تصل إلى ملايين السنين.

وترى الدراسة الجيولوجية التي نشرتها دورية “جيوفيزيكال ريسيرتش لترز جورنال” مؤخرا إن ما يحدث في الصدع يماثل تماما الحركة التي كونت البحر الأحمر، ولكن بمعدل أبطأ بكثير.

منظور جيولوجي

ومن منظور جيولوجي بحت فإن الغلاف الصخري للأرض ينقسم إلى عدد من الصفائح التكتونية غير الثابتة، والتي تتحرك أحيانا فوق بعضها البعض بسرعات متفاوتة، بفعل الضغط المتولد عند الحدود التي تفصل بين هذه الصفائح، بحيث تتسبب قوى الضغط المتولدة في تفكيك الصفائح، وبالتالي تشكل صدع أو شرخ، فتنشاء حدود جديدة للصفائح، كما يحدث الآن مع التصدعات الناجمة عن زلزال شرق المتوسط، أو التصدعات في شرق إفريقيا والممتدة من خليج عدن في الشمال باتجاه زيمبابوي في الجنوب، وحدوثها سيؤدي إلى انشطار قارة أفريقيا إلى جزأين هما “الصفيحة الصومالية” و”الصفيحة النوبية”.

تشير دراسات جيولوجية صدرت عن جامعات أفريقية أن نشاط الصدع يمتد في شرق أفريقيا على الأراضي في إثيوبيا وكينيا وتنزانيا، وتتوقع هذه الدراسات أن تحركات الصفائح قد بدأت من منطقة “عفر” شمال إثيوبيا منذ 30 مليون سنة، وانتشرت جنوباً نحو زيمبابوي، بمعدل يتراوح بين 2.5 إلى 5 سم سنويا.

ويرى الدكتور إدوين ديندي، من قسم الجيولوجيا في كلية العلوم والتكنولوجيا بجامعة نيروبي أنه من الممكن بالفعل أن يكون هناك محيط يتشكل على طول الذراع الشرقية للأخدود الأفريقي العظيم، منوها إلى أن هذه الذراع الشرقية للأخدود الأفريقي العظيم نشطة إلى حد ما، لافتا إلى أن ذلك يتجلى في الهزات العديدة التي تحدث حولها، لكنه يعتقد أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا، ربما ملايين السنين، حتى يحدث ذلك، وبين أن الصفائح التكتونية في حالة تدفق مستمر، إذ يتحول بعضها ضد بعضها على طول مناطق الصدع، ويسقط البعض تحت بعضها، بينما يصطدم البعض الآخر ببعضه، معتبرا أن هذه الحركة أدت إلى تشكيل القارات المختلفة كما نعرفها اليوم، مضيفا أن “تكوين الصدع مدفوع بعمليات مشابهة لتلك الموجودة في قاع المحيط”.

وصدع شرق أفريقيا يتميز بأنه فريد من نوعه، فهو يتيح للعلماء مراقبة المراحل المختلفة التي مرت بها عملية تشكله، بدء من الجنوب حيث معدلات تمدد الصفائح منخفضة، وكذلك الأمر بالنسبة للنشاطين البركاني والزلزالي، بحسب ما افادت به أبحاث جيولوجية.

وبالنظر إلى جيولوجية المنطقة التي حصلت وتحصل عليها هذه العملية في قارة افريقيا، فإن أرضية الوادي المتصدع مغطاة بالصخور البركانية عند الاتجاه نحو منطقة “عفر” في أثيوبيا، ما يعني وجود ضعف تكتوني في الغلاف الصخري يصل إلى درجة التفتت، وهو ما سيشكل محيط جديد بتجميد المواد المنصهرة، الناتجة عن تكسر الصفائح.

تتوقع دراسات جيولوجية انه بمرور عشرات الملايين من السنين، سيتقدم قاع البحر على طول الصدع، وستصبح قارة إفريقية أصغر حجما، وستتشكل جزيرة كبيرة في المحيط الهندي، تضم أجزاء من إثيوبيا والصومال والقرن الأفريقي.

وعملت الأمم المتحدة على مدى سنوات لتأسيس البرنامج العالمي لتقييم مخاطر الزلازل، والذي انتج أول خريطة عالمية ثابتة لمناطق الزلازل، وهذا البرنامج صمم لمساعدة الدول على الاستعداد للزلازل المستقبلية واتخاذ خطوات لتخفيف الأضرار المحتملة والحد من الوفيات، حيث قسم الكرة الارضية إلى 20 منطقة من حيث النشاط الزلزالي، ويصنف البرنامج قارة أفريقيا بأنها هادئة نسبيا من الناحية الزلزلية، حيث يوجد بها عدد أقل بكثير من مناطق الزلازل مقارنة بالقارات الأخرى، وتعد معظم أنحاء الصحراء الافريقية والجزء الأوسط من القارة بعيدة عن النشاط الزلزالي، ويقتصر النشاط الزلزالي في القارة على جيوب تتركز على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط حيث يصطدم اللوح العربي بالالواح الأوراسيوية والأفريقية، وكذلك المنطقة القريبة من القرن الأفريقي التي تعد منطقة نشطة زلزاليا. ومن هنا فإن توسع الصدع الأفريقي او ما يعرف بالوادي المتصدع سيكون بطيئا لعدم وجود عمليات تكتونية (زلزالية) تساهم في توسعه بشكل نشط، وهو ما يشي بأن هذا الصدع له ارتباطات قديمة بالصدع الذي أدى إلى تكون الاخدود الافريقي القديم قبل ملايين السنين.

ويرجع جيولوجيون تكون الوادي المتصدع في شرق افريقيا للحركات المستمرة داخل القشرة القارية، لكنهم لا يغفلون دور العمليات الزلزالية المحصورة في المنطقة النشطة في شرق القارة، والتي ستساهم في نشاط الصدع وتوسعه ببطء، إلى أن يصل إلى مرحلة تؤدي إلى تسارع نشاطه، وذلك بفعل تأثير العمليات التي ستحصل عند أطراف الصفيحتين النوبية والصومالية، والتي ترى الدراسة المنشورة مؤخرا أنها ستشكل محيط جديد في أفريقيا، لكن ذلك سيستغرق ملايين السنين.

وبالعودة إلى الطبيعة الجيولوجية للوادي الأفريقي المتصدع في شرق القارة، سنجد ان سماكة القشرة الارضية انخفضت حول الوادي من 40 كم إلى 35 كم على مدى 30 مليون سنة، كما تشير الدراسة الحديثة، وهو ما يعني ان الأمر يحتاج سنوات عديدة أخرى للتخلص من 5 كم أخرى.

وفي رأي مخالف لما توصلت إليه الدراسة الجيولوجية المنشورة حديثا، قال مدير مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن الأمريكية، العالم المصري فاروق الباز، أنه بالفعل يوجد صدوع كبيرة جدا في قارة أفريقيا، وبعضها واسع والبعض الآخر طويل، وبعضها يقع في منتصف القارة، لكنه رأى في تصريح له الأحد 5 مارس/آذار 2023 انه لا يُتوقع أن تنقسم القارة نتيجة هذه الصدوع، معتبرا الحديث حول انقسام القارة “كلام فارغ”، منوها إلى أن القشرة الأرضية وما تحويه من صخور تعوم فوق كتلة لزجة ملتهبة، موضحا أنه حين تدور الأرض بسرعة حول نفسها، إضافة إلى عمليات الجذب التي تحدثها الكواكب مع الأرض، فإن هذه الطبقة تتأثر وتتحرك بعض الشيء.

واذا عدنا إلى الجيولوجيا التاريخية سنجد أن صدع شرق أفريقيا أو ما يعرف بنظام صدع شرق أفريقيا هو عبارة عن صدع قاري نشط، بدأ بالتطور بداية العصر الميوسيني، منذ 25 – 22 مليون سنة، ويُنظر إليه على أنه جزء من الوادي المتصدع الكبير الذي يمتد شمالًا إلى آسيا الصغرى. ومن منظور جغرافي تاريخي توضح خريطة شرق إفريقيا وجود براكين كانت نشطة تاريخيا، حيث تتقاطع بشكل ثلاثي، فتتباعد ثلاث صفائح عن بعضها البعض هي: الصفيحة العربية وجزأين من الصفيحة الإفريقية (الصفيحة النوبية والصفيحة الصومالية) وتنقسم على طول منطقة صدع شرق إفريقيا الواقع في منطقة ضيقة عبارة عن حدود صفائح تكتونية متباعدة ونشطة، وهو ما يعني أن الصفيحةالإفريقية في طور الانقسام إلى صفيحتين تكتونيين، وبتأثير أي تحرك قد يحصل بمرور الزمن الطويل للصفيحةالصومالية والصفيحة النوبية، لكن معدل التحرك يقدره الجيولوجيون بين 7 – 6 ملم في السنة. نظام الصدع في شرق افريقيا يتكون من ثلاث صفائح ثانوية هي: صفيحة فيكتوريا الصغيرة في الشمال، وصفيحتا روفيما ولواندل في الجنوب، وجيولوجيا تدور صفيحة فيكتوريا الثانوية عكس اتجاه عقارب الساعة مقارنة بالصفيحة الأفريقية، ويرجع سبب ذلك الدوران إلى تكوين مناطق الغلاف الصخري الأضعف ميكانيكيا والأقوى صدعيا.

ويعتقد جيولوجيون بأن الظاهرة الحاصلة في كينيا وامتدادها إلى أثيوبيا هي عبارة عن تكوين أرضي ناتج عن التعرية القوية للمياه الجارية في التربة، ما يشكل ظاهرة جغرافية تشبه الخنادق، ويربط بعضهم تكون هذه الظاهرة بانجراف التربة الناعمة، فيما يرى اخرون ان الظاهرة تكونت نتيجة تكون فراغ تحت الأرض تطور بمرور الزمن، وتعود نشأته إلى زمن غابر، نتيجة عمليات تكتونية متوالية، او قد تكون نتيجة للتيارات الحرارية داخل الغلاف الموري، والتي تولد قوى ضاغطة على حدود الصفائح، وربما تؤدي إلى تمزق الصفائح، والتي بسبب تمزقها يتشكل الصدع، فتتخلق بمرور الزمن حدود صفائحية جديدة.

ومما سبق يمكن القول ان الظاهرة الجغرافية التي ظهرت في كينيا هي ظاهرة طبيعية يأتي تشكلها في اطار التغيرات الجيولوجية التاريخية التي يشهدها كوكب الأرض، لكن انشطار القارة الافريقية إلى جزئين يحتاج لملايين السنين تحت مؤشرات مختلفة، كما حصل حين انفصل اللوح الاسيوي عن اللوح الافريقي وتكوين البحر الاحمر، والذي يقدر الجيولوجيون حدوثه قبل حوالى 30 مليون سنة، ومرد الهلع الذي أثارته الدراسة الجيولوجية المنشورة حديثا عن انقسام القارة السمراء يرجع لتزامن نشر الدراسة مع الزلازل التي ضربت شرق البحر المتوسط، والتي رأى جيولوجيون انها بداية لانفصال صفيحة الاناضول عن الصفيحة العربية.
* المصدر: موقع عرب جورنال
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع