اليمن ليس سوى جحيم على الأرض
منذ أربع سنوات، أعلنت المملكة العربية السعودية بدء عمليات التدخل العسكري لقوات التحالف العربي المنضوي تحت رايتها, حيث عُرفت تلك العمليات باسم "عاصفة الحزم".
السياسية:
ترجمة: أسماء بجاش-سبأ
وفي ما تبقى من اليمن، الذي أُمطر بوابل من الغارات الجوية, ومن خلال عدسة الكاميرا سلطت المصورة الفوتوغرافية “كاتالينا مارتن-شيكو*”الضوء على الحياة اليمنية التي لا تزال تقاوم من أجل البقاء.
مدينة تعز، الواقعة على الخط الأمامي من جبهة القتال تم تدميرها بالكامل, ومن بين أنقاضها ترى العربات العسكرية تجوب شوارع المدينة حاملة لى متنها رجالاً مدججين بالسلاح من مختلف الفصائل, حيث تعج هذه المدينة بالقوات التابعة لتيار المطالب بانفصال الجنوب, والقوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي, ناهيك عن وجود مقاتلين من تنظيم القاعدة…
حالت جميع أطراف الصراع المشتعل في البلد دون وصولنا, بيد أني تمكنت من مرافقة بعثة الصليب الأحمر الدولي التي ابدت جميع القوى رغبتها في مرافقتها, وبالأخص القوات الموالية للحكومة والذين رافقونا خطوة بخطوة.
تفتقر هذه المدينة اليوم لأدنى مقومات الحياة: انعدام المياه الصالحة للشرب، المستشفيات والمرافق الصحية لم تعد تعمل على الإطلاق، النفايات مكدسة على طول امتداد المدينة، مدارس قصفت، دورات المياه مهملة والكهرباء لا وجود له.
طال التدمير جميع اركان البنية التحتية الأساسية في مدينة تعز وكذلك في جميع أنحاء البلد، فاليمن اليوم يعاني من أزمة حقيقية القت بظلالها على الصحة العامة.
يمثل اليمنيون البالغ عددهم عشرين مليون نسمة والذين يواجهون شبح انعدام الأمن الغذائي الحاد والشديد ما يعادل 67 % من اجمالي عدد السكان, فخلال السنوات الثلاث الأخيرة من الحرب، ارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد إلى 90٪ وفقاً للتقارير الصادرة عن اللجنة الدولية، مما تسبب في توقف النمو بنسبة 50٪ من الأطفال.
تقدر منظمة إنقاذ الطفولة غير الحكومية من جانبها, أن أكثر من 85 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد, في حين أن ارواحهم من المرجح أن تكون قد عانقت السماء في الفترة ما بين العام 2015 و 2018.
ومن جانبه, أشار ممثل اليونيسف في منطقة الشرق الأوسط “جيرت كاباليير” إلى أن اليمن اصبح مستنقع للموت, حيث يموت فيه طفل كل عشر دقائق بسبب امراض كان من الممكن الوقاية منها.
ففي مدينة تعز والتي تعتبر ثالث أكبر حاضرة يمنية والتي يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة, توجد أحياء تم مساواتها بالكامل بالأرض.
فهذه المدينة تخضع إلى حد كبير لسيطرة الحكومة اليمنية، في حين لا يزال الحوثيون يسيطرون كذلك على بعض المناطق فيها والمحيط, وبالنسبة لسكان الذين يقطنون تلك المناطق-الخاضعة لسيطرة حركة الحوثي- فإنهم يعشون في ظل ظروف إنسانية مروعة, فمنذ أربع سنوات، لا وجود للكهرباء, في حين يتم توزيع المياه مرة واحدة كل خمسين يوماً.
لا يختلف الحال في العاصمة صنعاء، والتي تم تصنيفها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو، حيث تعرض هذا الإرث العالمي للقصف إلى حد كبير، بما في ذلك في مدينة صنعاء القديمة.
في فبراير من العام 2018، أظهرت بيانات الرادار عبر الأقمار الصناعية الصادرة عن وكالة الفضاء الأوروبية حجم الدمار الذي لحق بالمدينة، إذ أكدت تلك البيانات أن المدينة قد تأثرت بالكامل.
منذ ذلك الحين، لم يستقر الوضع في المدينة، خاصة منذ شهر يناير، حيث قام طيران التحالف العربي بقيادة السعودية بسلسلة غارات جوية جديدة على المدينة.
في مدينة عدن القديمة، بالقرب من السوق، تجد الكثير من النساء يمتهن التسول معظم الوقت مع أطفالهن.
يصارع بالفعل ما يقرب من 15.9 مليون شخص شبح الوقوع في شرك المجاعة, وذلك بحسب التقارير الصادرة عن وكالات الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) وبرنامج الأغذية العالمي (WFP).
تحتضن مدينة عدن الجنوبية البنك المركزي اليمني منذ أن تم الاعلان عن نقله من العاصمة صنعاء في العام 2016, حيث تكافح المؤسسة المالية من أجل دعم العملة الوطنية “الريال” والذي فقد ثلثي قيمته منذ بدء الصراع.
كان اليمن منذ اواخر مارس من العام 2015 على موعداً مع تقلص الاقتصاد الوطني بنسبة 50%, ناهيك عن ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 30%, أضف إلى ذلك ارتفاع معدل التضخم السنوي والذي بلغ 42%.
لم تتقاضى شريحة واسعة من موظفي الخدمة المدنية رواتبهم منذ فترة طويلة, ومن جانبها, قالت الأمم المتحدة: “لا يمكن لنسبة كبيرة من السكان في اليمن، حتى في أكثر المناطق استقراراً الوصول إلى المواد الغذائية الأساسية نظراً لأن أسعارها ارتفعت بنسبة 150٪ مقارنة بالمستويات في فترة ما قبل الأزمة”.
تعرضت منطقة فج عطان، احد ضواحي العاصمة لقصف مدمر بالقنابل, ولكن هذا لم يمنع الأطفال من اللعب بين الركام.
تشعر منظمة “اليونيسف” بالقلق بشكل منتظم, جراء المحنة التي يواجهها الأطفال في اليمن، وذلك نظراً لسوء التغذية, والعنف, والحرمان والمرض، إلى جانب سوء التغذية الحاد المتربص بهم, إذ يضطر رب الأسرة في اليمن إلى اتخاذ تدابير تقشفية من أجل البقاء على قيد الحياة، وغالباً ما تُلقي تلك التدابير بظلالها على رفاهية أطفالها, في حين لا يرى البعض بديلاً سوى أزج بأطفالهم إلى جبهات القتال، في حين يعمد البعض الآخر إلى ارسالهم إلى الشارع للتسول أو حتى للعمل، ناهيك عن أن بعض الأسر تُجبر على تزويج بناتها بالرغم من كونهن لم يبلغن السن المناسب.
واليوم تشير التقارير إلى أن ما يقرب من مليوني طفل لم يلتحقوا بالمدارس، بالإضافة إلى أن 2500 مدرسة ومنشئة تعليمية اصبحت خارج نطاق الخدمة جراء الأضرار أو الدمار الذي تعرضت له, أو جراء تحويلها إلى ثكنات عسكرية, كما أن حوالي 4.5 مليون طفل مهددون بعدم تلقي التعليم الجيد والمناسب, وذلك بسبب عدم دفع رواتب المعلمين.
* كاتالينا مارتين شيكو الحائزة على جائزة كانون للتصوير الفوتوغرافي في عام 2018 لتقريرها عن انفجار معدل المواليد للمقاتلين السابقين في القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، كما عملت في منطقة الشرق الأوسط واليمن لمدة ثماني سنوات, حيث فازت مقالتها المصورة “الثورة اليمنية” في العام 2011 بجائزة التأشيرة الإنسانية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية للصليب الأحمر)
= موقع “ميدل اس اي” البريطاني, النسخة الفرنسية