بقلم: أكبر شاهد احمد وعادل الحسني

(موقع “HuffPost” الأمريكي، ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

 

في محافظة المهرة اليمنية الحيوية من الناحية الاستراتيجية، تثير قوات الاحتلال السعودية وعمليات النفوذ، القلق لدى السكان المحليين، بعد أن قام أفراد وخبراء عسكريون أمريكيون بزيارات لم يتم الإبلاغ عنها مؤخراً.

نشطون، اليمن – تسببت الحملة العسكرية الوحشية التي شنتها المملكة العربية السعودية على اليمن في مقتل آلاف المدنيين، وغدت المجاعة الجماعية بين اليمنيين، حيث اثار هذا الوضع الرعب بين المسؤولين ومراقبي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

لكن جزءاً آخر من التدخل السعودي في البلد حظي باهتمام أقل بكثير: استيلاء السعودية على مرافق النقل الاستراتيجية في محافظة المهرة شرقي اليمن، وإنشاء سلسلة من القواعد العسكرية السعودية هناك.

يخشى العديد من السكان المحليين والخبراء من أن الاندفاع على الأراضي لديه القدرة على زرع بذور عدم الاستقرار والغضب في المستقبل من الحلفاء السعوديين مثل الولايات المتحدة في واحدة من المناطق اليمنية القليلة التي يسودها السلام نسبياً.

يدعي المسؤولون السعوديون إن تحركاتهم في المهرة بذريعة دعم اليمن ومنع تهريب الأسلحة وتقديم المساعدات الإنسانية لكن الواقع ان هدف السعودية طويل الأمد عبر استخدام المهرة للوصول إلى طرق تجارية قيّمة.

الآن، بدأ الإحباط المحلي بشأن الهيمنة السعودية في المنطقة يغلي، وأصبح المسؤولون الأمريكيون وخبراء الأمن القومي قلقين من أن السعوديين سيستخدمون المساعدة الغربية لتحويل المنطقة إلى دولة لحرب فوضوية بالوكالة.

في 6 فبراير، سافر عسكريان أمريكيان إلى جميع أنحاء المحافظة للقاء القوات المحلية التي ترد على السعوديين، وفقاً لمصدرين مشاركين في رحلتهم والصور التي تمت مشاركتها مع صحيفة” Huff Post”.

وقال أحد المصادر إن حديثهما ركز على جهود مكافحة التهريب والوضع في جنوب اليمن، وهو بعيد عن جبهات القتال الذي تقول الولايات المتحدة علنا إنها تساعد السعودية في شنها حرب ضد حركة أنصار الله.

في الخريف الماضي، زار خبيران أمريكيان المحافظة للتشاور بشأن خطط البناء السعودية، وفقاً لوثيقة صادرة عن الحكومة الموالية للتحالف عن رحلتهم اطلعت عليها Huff Post ومسؤول إقليمي نظم النقل للأمريكيين.

ولم يتم الإبلاغ عن أي من هاتين الزيارتين من قبل في وسائل الإعلام الأمريكية.

صرحت القيادة المركزية بوزارة الدفاع – التي تشرف على معظم القوات الأمريكية في الشرق الأوسط أنه ليس لديها “تقارير عملياتية” حول زيارة أفراد أمريكيين إلى المهرة.

ولم يرد مكتب وزير الدفاع والمتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن على طلبات التعليق.

يرتبط المشروع السعودي في المهرة ارتباطاً مباشراً بقلق واشنطن المستمر منذ سنوات بشأن دور أمريكا في حرب اليمن.

شكك المشرعون من كلا الطرفين في شحنات الأسلحة الأمريكية والدعم اللوجستي للعمليات السعودية في اليمن، وأجروا أصواتاً رفيعة المستوى لمحاولة منع الأسلحة، وقالت إدارة بايدن مراراً وتكراراً إنها تريد إنهاء الصراع.

يعتقد المشرعون ومحللو الأمن القومي أن خطر استمرار التدخل مضاعف يعني المزيد من انتهاكات القانون الدولي، ومقاومة خطيرة للسعوديين وأصدقائهم الأجانب.

قال أحد كبار مساعدي الكونجرس إن حقيقة أن أعضاء الخدمة الأمريكية كانوا يتنقلون في جميع أنحاء المهرة يجب أن يؤدي إلى مزيد من التدقيق في الوضع هناك في البيت الابيض.

رفض متحدث باسم وزارة الخارجية التعليق على رحلة العسكريين الأمريكيين أو عمليات التأثير السعودي في المهرة.

وقال المتحدث عبر رسالة بواسطة البريد الإلكتروني: “إن الولايات المتحدة ملتزمة بالسلام والاستقرار ليس فقط لشعب الجنوب بل اليمن كله، كجزء من التزام الرئيس بايدن بتحقيق سلام دائم وتسوية الصراع.”

بالنسبة للمراقبين الذين يتابعون عن كثب التطورات في اليمن، فإن نوايا السعوديين في المهرة واضحة: إيجاد طريقة لتصدير النفط السعودي عبر اليمن.

“وإلا لماذا سيكونون هناك؟ ما فائدة التنقل بخلاف الوصول إلى منفذ؟”.

يقول خبراء في المنطقة إن سكان المهرة – المعروفين باسم المهريين – يتحدون التعدي من قبل السعوديين وحليفتهم الإمارات العربية المتحدة منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

في حين أن تكتيكاتهم كانت سلمية إلى حد كبير، مثل الاعتصامات والمظاهرات، فقد أصبحوا أكثر استعداداً للحديث عن العنف ضد ما يرونه احتلالاً بطيئاً.

تعتبر السعودية المهرة جائزة منذ عقود، جاذبية المحافظة هي ساحلها الطويل على المحيط الهندي.. ستتجاوز الشحنات عبر موانئها نقطتي الاختناق المتمثلة بمضيقي هرمز وباب المندب.

ثم بدأت السعودية عملياتها العسكرية في اليمن عام 2015، مستخدمة المساعدة الأمريكية وقوات من الإمارات ودول عربية أخرى لمحاربة جماعة أنصار الله.

المهرة بعيدة عن خطوط القتال بين القوات التي تقودها السعودية والحوثيين، لكن اللاعبين في المداخلة رأوا الفرصة: أولاً، حاولت الإمارات تنظيم المهريين في قوة بالوكالة – ثم استسلمت وبدأت السعودية في محاولتها.

وقال صالح الجبواني، الذي شغل منصب وزير النقل في حكومة الفار هادي بين عامي 2017 و2020، لـ HuffPost إنه استُدعي للسفر إلى المهرة في عام 2018 مع السفير السعودي في اليمن، مضيفا أن السعوديين بدأوا أيضًا في منح الجنسية السعودية للمهريين على طول حدود المحافظة مع السعودية في “خطوة على طريق الاستيلاء على المهرة”، وبدأوا دفع مبالغ شهرية لزعماء القبائل المحليين التي يقول باحثون مستقلون إنها قوضت وحدة المهرة.

خسر الجبواني منصبه بعد أن انتقد الإمارات والسعوديين وقال في مقابلة في يناير “للسعوديين والإماراتيين مصالحهم الخاصة ولهذا يريدون تقسيم اليمن إلى دويلات صغيرة”.

تضخم الوجود السعودي في المهرة

 

قال آشر أوركابي، الباحث المساعد في مركز ديفيس للدراسات الروسية والأورآسيوية بجامعة هارفارد: “في جميع أنحاء المحافظة، لدى الجيش السعودي أكثر من 12 قاعدة عسكرية.. تتراوح التقديرات بين 5000 إلى 15000 جندي سعودي”.

المحصلة: قال أوركابي إن المهريون الغاضبون “شكل إحساساً بالهوية من خلال النظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها الأخرى، قوة تأتي لتحدي استقلاليتنا”.

سرعان ما انتشرت اعتصامات المهريين ضد المنشآت السعودية والتعليقات المعادية للسعودية على وسائل التواصل الاجتماعي في المهرة، ونظم قادة مثل الحريزي مظاهرات مع مدنيين ومسلحين.

في عام 2018، نشرت قناة الجزيرة وثيقة يُزعم أنها توضح الخطط السعودية لبناء وإدارة ميناء نفطي في المنطقة.

قال الحريزي إنه جمع 3000 مقاتل لتدمير القواعد السعودية الأولية لخط أنابيب الذي يصل إلى ساحل المهرة.

في صدى لنهج المملكة الاستبدادي تجاه سكانها، اتخذت المملكة العربية السعودية إجراءات قاسية للحفاظ على قبضتها وتوسيعها.

عيّن السعوديون زعماء قبائل جدد ليحلوا محل من انتقدوا تنامي قوتهم، وأجبروا الحكومة الموالية للتحالف على إقالة محافظ المهرة المعين من الفار هادي ثم اعتقلوه عندما زار السعودية وطردوا جنوداً وموظفين يمنيين من المطار الوحيد في المنطقة، بحسب الباحث عبد الكريم غانم من مركز صنعاء البحثي.

ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2020 أن القوات السعودية والقوى المحلية الموالية لها في المهرة احتجزت وعذبت وأخفت سكان المهرة لعدة أشهر، واتهمت المملكة بارتكاب “انتهاكات جسيمة” تمثل “رعباً آخر تضاف إلى قائمة التحالف الذي تقوده السعودية” والسلوك غير قانوني في اليمن”.

بحلول صيف عام 2021، أصبح من الواضح أن الوضع قد يؤدي إلى صراع شامل: أصدر المقاتلون المهريون بياناً علنياً قالوا فيه إنهم سيستخدمون القوة لطرد النفوذ الأجنبي.

تقويض جهود السلام

قد تنتهي الحرب المؤلمة في اليمن قريباً، التكتل الذي تقوده السعودية وأنصار الله حافظوا إلى حد كبير على هدنة لمدة تسعة أشهر ويقال إنهم يحرزون تقدماً في محادثات القنوات الخلفية.

قال ريتشارد ميلز، نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، الشهر الماضي، إن الولايات المتحدة ترى “فرصة فريدة للسلام”.

لكن بالنسبة لسكان المهرة، فإن الصفقة قد تعني زيادة الخطر إذا أغفلت التعدي السعودي.

يمكن أن تسمح الصفقة للمملكة بالتركيز بشكل كامل على مشروعها في المنطقة، بيع المكاسب السعودية هناك كميزة للتدخل الذي كان لولا ذلك مكلفاً لسمعة المملكة العربية السعودية وجيشها.

قال بعض سكان المهره لـ Huff Post إنهم قلقون بشأن مستقبلهم، حيث سلط الكثيرون الضوء على خطر تسرب النفط.

قال زكريا أحمد صالح، 30 عاماً، من سكان منطقة حصوين الساحلية، “يعتمد الناس هنا على البحر … في دخلهم الرئيسي، الحوادث تسبب مخاوف كبيرة لمجتمعنا.”

عوض سعد محمد بالفقيه، صياد يبلغ من العمر 56 عاماً، يتذكر آلام حوادث النفط الماضية: توقف الناس عن أكل السمك خوفاً من المرض، وحرم الصيادين من مصدرهم الوحيد للدخل، والكثير من الأسماك ماتت على الشواطئ.

وقال صالح إن الافتقار إلى الشفافية بشأن النقاط الاستراتيجية مثل ميناء نشطون أمر محبط بشكل خاص، ويوحي بأن المهرة قد تواجه تحديات جديدة معقدة، بينما يعيق آمال المحافظة في التطور على مسارها الخاص.

وتابع صالح: “لا نفهم ما يجري في الميناء، وما نوع المواد التي يجلبونها، لا يُسمح للمواطنين بالدخول، مما يخلق مخاوف كبيرة بالنسبة لنا”.

نحن نعلم أن النفط هو الشيء الأكثر طلباً في العالم، لذا فإن خط الأنابيب هذا قد يجعل مكاننا معرضاً للعديد من الصراعات الإقليمية والدولية.

قد تكون هذه المخاوف قليلة الأهمية بالنسبة لحساب الرياض.

كتب بروس ريدل، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية في معهد بروكينغز، عن الوضع المحيط بالمهرة: السعودية والإمارات “حريصتان على الحصول على بعض المزايا من المستنقع المكلف الذي قفزتا فيه في عام 2015، قد يكون الاستحواذ على الأراضي الاستراتيجية هو المكسب الوحيد الممكن”.

لقد عزز الإماراتيون بالفعل سيطرتهم على منطقة سقطرى المجاورة للمهرة من خلال مرافق كبيرة تشير إلى أنه من غير المرجح أن يتخلوا عن السيطرة على الإطلاق.

وقال مساعد في الكونجرس “حتى لو ادعوا أنهم ليسوا كذلك، فإنهم يتصرفون بطريقة تقول فيها أي دولة عادية لديها حكومة عاملة “أنت تنتهك سيادتنا”.

تدير العصابات المتحالفة مع الإمارات معظم الجزء الآخر من ساحل اليمن على المحيط الهندي، مما يمنح المهرة “قيمة مضافة” للسعوديين، وفقاً لإيليونورا أرديماغني من المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية.

لكن الولايات المتحدة قد تؤثر على تفكير السعوديين إذا رأت واشنطن كيف أن الفوضى في المهرة تضر بمصالحها.

على سبيل المثال، فإن ظهور الموافقة على الاستيلاء على الأرض من قبل صديق يمكن أن يضر بمحاولات أمريكا لحشد الدعم الدولي لأوكرانيا وتقويض التوسع الصيني من خلال تصوير الولايات المتحدة على أنها منافقة على مبدأ السيادة الوطنية.

وأشار مساعد الكونغرس إلى أنه “في أي وقت تتحرك فيه الصين أو تدير سفينة صيد على الشعاب المرجانية في بحر الصين الشرقي أو الجنوبي، فإننا نشعر بقلق بالغ حيال ذلك”.

في نهاية المطاف، يمكن أن تسبب المهرة صداعا للأمن القومي، يمكن أن تصبح المنطقة حيوية لطرق التجارة العالمية – التي تلتزم الولايات المتحدة بحمايتها – دون أن تصبح مستقرة.

ويمكن أن تكون بمثابة نقطة تجمع للجماعات المناهضة لأمريكا، أو لمجرد اليمنيين الذين يرون أن أمريكا متواطئة في جريمة تاريخية.

قال الجبواني، الوزير السابق “لن يتنازل اليمنيون أبداً عن الأرض”، معتبراً أنه وان انتهى الشعب اليمني فحتماً سينتهي في نهاية المطاف كل وجود للدخلاء على أرضها حتى الاحتلال الإماراتي الراسخ في سقطرى، نريد من الولايات المتحدة أن تتحدث إلى اليمنيين مباشرة – وليس من خلال وكلاء، السعودية أو الإمارات، تتكلم معنا.”

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع