بقلم: فرانك اندروز
ترجمة: أسماء بجاش-سبأ
جنت الولايات المتحدة الأمريكية ما لا يقل عن 68.2 مليار دولار من وراء ابرام العديد من صفقات بيع الأسلحة النارية, والقنابل, والأنظمة الدفاعية وعمليات التدريب العسكري مع الإدارة السعودية والإماراتية منذ بدء عمليات التدخل العسكري في اليمن, بيد أن الرقم الحقيقي يتجاوز ما تم الإبلاغ عنه في وقت سابق بمليارات الدولارات, وذلك وفقًا للبيانات التي تم جمعها من قبل مركز أبحاث أمريكي.
يتضمن هذا المبلغ الهائل، ولأول مرة, صفقات أسلحة تجارية وحكومية, تُظهر أن تورط الولايات المتحدة في هذه الحرب الكارثية قد يكون أكثر أهمية مما كان يعتقد في الآونة الاخيرة.
كان من الممكن أن يمول الإنفاق على صفقات بيع الأسلحة, نداء الأمم المتحدة الإنساني فيما يخص الوضع الإنساني في اليمن خلال هذا العام والذي بلغ 4 مليارات دولار, في حين ما تم انفاقه على الأسلحة بلغ 17 ضعف الرقم المطلوب, ووفقًا للبيانات التي تم جمعها من قبل مرصد مراقب المساعدة الأمنية لتجارة الأسلحة (SAM) والتي تم الإبلاغ عنها هنا لأول مرة، عقدت الشركات الأمريكية صفقات بيع للأسلحة بقيمة 14 مليار دولار على أقل تقدير مع الإماراتيين والسعوديين منذ مارس من العام 2015، وذلك بالتزامن مع بدء عمليات التدخل العسكري لدول التحالف في الصراع اليمني وقمع الانتفاضة الحوثية.
يتهم السعوديون الحركة الحوثية بأنها اذرع طهران في اليمن، بينما يرى المحللون إن الإمارات تسعى إلى سحق جماعات المعارضة وكسب الأراضي في اليمن، خاصة تلك المطلة على طول ساحل البحر الأحمر.

( مقارنة قيمة عقود الأسلحة التي وقعتها الولايات المتحدة الأمريكية مع الرياض وأبو ظبي منذ العام 2015, مع قيمة النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل اليمن في العام 2019.
68.2 مليار دولار قيمة عقود تسليح وقعت عليها الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منذ العام 2015.
4 مليارات دولار قيمة النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة في العام 2019. )

تميل مبيعات الحكومة الأمريكية للأنظمة الكبيرة، مثل الطائرات المقاتلة, والدبابات, والقنابل والسفن الحربية, والتي من المرجح أن يستخدم بعضها في حرب اليمن ويعزى ذلك بشكل جزئي إلى أن الأمر قد يستغرق سنوات لوضع اللمسات الأخيرة على مثل هذه الصفقات التي تستحوذ على عناوين الصحف الرئيسية.
من المحتمل أن تُستخدم الأسلحة الصغيرة، مثل الأسلحة النارية والقنابل المتاحة ضمن المبيعات التجارية بشكل غير متناسب في الصراع، وبالتالي سوف تتسبب بإلحاق أضرار كبيرة لا حصر لها.
قال ويليام هارتونج، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية وهو مركز أبحاث تقدمي في واشنطن والذي يستضيف مؤسسة SAM، إن البيانات التجارية تُظهر أن البصمة الأمريكية في اليمن “تم التقليل من شأنها إلى حد كبير” لأن المبيعات التجارية في النادر ما يتم مناقشتها مقارنة بالصفقات البراقة والجذابة الكبيرة مثل الطائرات المقاتلة.
أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية القيمة الإجمالية لعقود التسليح التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دول التحالف العربي الذي يقوده السعوديين في اليمن منذ مارس من العام 2015 قد بلغت حوالي 67.4 مليون دولار.
تم نشر معلومات جديدة عن صفقات بيع الأسلحة في الوقت الذي يحاول فيه الكونجرس الأمريكي باستماتة, إنهاء التزام واشنطن تجاه الحرب في اليمن والتي أدت إلى نزوح ملايين المدنيين وتسببت في انتشار للأوبئة وسوء التغذية على نطاق واسع.
أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون لإنهاء الدعم العسكري الأمريكي لدول التحالف العربي في فبراير الماضي, أضف إلى ذلك, أن مجلس النواب الذي يسيطر عليه الآن الديمقراطيون قد صوت بأغلبية 247 صوت مقابل 175 صوت لصالح القرار, غير أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” هدد باستخدام حق النقض.
ومن جانبه, صرح السناتور كريس مورفي لموقع “ميدل اس اي” وهو أحد النواب الثلاثة الذين وقفوا وراء مشروع القرار من الحزبين, أنه سيتعين على الرئيس ترامب أن يقرر ما إذا كنا سنواصل مساعدة الجيش السعودي في قتل الآلاف من المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى اليمن.
تم إبرام بعض الصفقات بعد أيام فقط من الغارات الجوية التي شنها التحالف الذي تقوده السعودية مستخدم الأسلحة الأمريكية, حيث أسفرت تلك الغارات عن مقتل مدنيين، فهذه الغارات لم تستثني أطفال المدارس ورحلتهم الميدانية وحفلات الزفاف التي راح ضحية إحداها عائلة بأكملها باستثناء فتاة تبلغ من العمر خمس سنوات في العاصمة صنعاء.

اردف “ويليام هارتونج” حديثه, حيث أشار إلى أنه من الصعب تخيل مثال أكثر دراماتيكية على العواقب السلبية لملف مبيعات الأسلحة الأمريكية, فالولايات المتحدة تعكف على دعم السعوديون بالأنظمة التي تعمل على قتل المدنيين وتتسبب في خلق كارثة إنسانية … فهذه وصمة عار على جبين الولايات المتحدة.
تتراوح الأسلحة المدرجة ضمن صفقات بيع الاسلحة بين أنظمة الدفاع الصاروخي وقاذفات القنابل والأسلحة النارية، في حين أن معظمها تم تقديمه ضمن صفقات من قبل شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية إلى الحكومتين السعودية والإماراتية.
ولهذا السبب وحتى الآن، لطالما كانت الأرقام الإجمالية التي استخدمها الصحفيون والباحثون فيما يتعلق بالاتفاقات مع الولايات المتحدة منخفضة بشكل مخادع.
وخلافاً للعقود التي أبرمتها الحكومة الأمريكية, فمن الصعب الحصول على بيانات الصفقات التجارية، حيث لا يتم نشر التفاصيل المجردة إلا بعد فترة طويلة من إخطار الكونجرس بها، وفي بعض الأحيان تصل مدة الإخطار إلى بعد أكثر من 18 شهراً، وذلك استناداً لما قالته كريستينا أرابيا، مديرة “SAM” التي جمعت البيانات المستخدمة في هذا الملف, وهي المنظمة الوحيدة التي تتعقب كلا النوعين من المبيعات.
فمن دون الأسلحة الأمريكية، يقول الخبراء إن دول التحالف العربي الذي يقاتل في اليمن والذي تقوده المملكة العربية السعودية وتشد من عضدها دولة الإمارات لن يكون قادراً إلى حد كبير على موصلة تلك الحرب, وذلك اعتباراً من العام 2017، حيث أن كل ثلاثة من خمسة أسلحة يستخدمها التحالف هي من صنع الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI).
فقد تم استخدام بعض هذه الأسلحة في أكثر من 100 غارة جوية, مستخدمة خلالها قنابل عنقودية وذلك منذ أواخر مارس من العام 2015، مما أسفر عن سقوط مدنيين, فقد جعلت تلك الغارات من المستشفيات والقرى في مرمى نيرانها، حسبما أفادت به المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام.
التحالف الذي تقوده الرياض مسؤول عن 4.764 حالة وفاة في صفوف المدنيين, والتي تم الإبلاغ عنها منذ العام 2016 ، وذلك وفقاً لمشروع بيانات الموقع والأحداث الخاصة بالنزاعات المسلحة(ACLED).
أشار ويليام هارتونج إلى أن هذه الصفقات استمرت على مدى السنوات الأربع الماضية إلى حد كبير ودون هوادة, ناهيك عن كون السواد الاعظم من هذه الصفقات المبرمة مع السعودية والأمارات أو مع أي جهة أخرى, لا تمر بصورة رسمية إلا بعد أن يصادق عليها الكونجرس دون أي اعتراض.

تتابع رهيب:
أن السبب الرئيسي وراء انخفاض القيمة الإجمالية لصفقات بيع الأسلحة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دول التحالف الذي تقوده السعودية بشكل علني, بحسب ما تراه “كريستينا أرابيا” هو التعقيد والغموض اللذين تتسم به المعاملات التجارية والإبلاغ عنها.
نشرت حكومة الولايات المتحدة تفاصيل صفقات بيع الأسلحة المبرمة مع الحكومات الأخرى عن طريق برنامج “المبيعات العسكرية الأجنبية”, كلما وافقت الإدارة على ذلك, ولكن قضية تتبع الصفقات بين شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية والحكومات الأجنبية “المبيعات التجارية المباشرة” أمر في غاية الصعوبة, حيث يتم سرد بعض الصفقات على أنها تذهب إلى دول متعددة، في حين يتم أخفاء المستفيدين أو المستلمين الحقيقيين لهذه الأسلحة أو للمبالغ, كما لا تعطي الاتفاقيات الأخرى أنواعاً محددة من الأسلحة، فهي تعطي فقط فئات تقريبية مثل “الأسلحة النارية والذخائر”.
هناك أيضاً بعض الحدود القصوى، مما يعني أنه لا يتم إبلاغ الكونغرس بوجود بعض المعاملات الأقل قيمة, مثل صفقات بيع الأسلحة النارية التي تقل قيمتها عن مليون دولار، حيث يتم إدراج بعض الصفقات ضمن تبويبات معينة, في حين أنها تتجاوز أكثر من ذلك بكثير.
اعلنت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً أن عقد تصدير أسلحة إلى المملكة العربية السعودية والمتعلق بنظام الدفاع الجوي “باتريوت”, بلغ”50 مليون دولار أو أكثر”, في حين تُظهر بيانات (SAM) أن هذا العقد بلغ بالفعل أكثر من 195.5 مليون دولار.
واسترسلت في حديثها حول هذه القضية, حيث أشارت إلى أن هناك بعض المعلومات حول نوع السلاح في تقرير إحدى اللجان, وبعد ذلك سيقول تقرير آخر للجنة اسم البلد، ومن ثم يتعين علي الاتصال بلجنة أخرى للحصول على مقدار مبلغ البيع بالدولار.
نسجت “كريستينا أرابيا” العديد من العلاقات مع موظفين معينين في تلك اللجان, حيث تمكنت في بعض الأحيان من الحصول على أرقام فقط بفضل تلك العلاقات, ومع تجديد الانتخابات النصفية الأمريكية في نوفمبر الماضي, لم تتمكن من الحصول على المعلومات التي اعتادت على جمعها جراء سيطرت التيار الديمقراطي على مجلس النواب, ومع ذلك, شيئاً فشيئاً, تمكنت من وضع قاعدة بيانات للصفقات التجارية المبرمه مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وبالجمع بين الأرقام الحكومية والاتفاقيات التجارية، توضح الحصيلة النهائية أن الإدارة الأمريكية قد اعطت الضوء الاخضر لأكثر من 54.1 مليار دولار لتوقيع عقود تسليح وتدريب مع السعوديين, بالإضافة إلى أكثر من 14 مليار دولار مع دولة الإمارات العربية المتحدة منذ بدء التدخل العسكري لدول التحالف العربي في حرب اليمن.
يعود تاريخ تجارة الاسلحة المدرجة هنا مع دول التحالف إلى العام 2015 فقط، وبالتالي, أصبح من المستحيل معرفة عدد الأسلحة التي باعتها الولايات المتحدة الأمريكية للرياض وأبو ظبي قبل الحرب, حيث بدأت برامج المبيعات التجارية والحكومية في العام 1976.
وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية واثقة من دقة أرقامها، إلا أن “كريستينا أرابيا” تعتقد أن هذه الارقام قد تكون أقل بكثير بمليارات الدولارات من الواقع.

الهجمات متبوعة بالعقود:
أصبح من الواضح الآن من البيانات الصادرة عن مرصد المساعدة الأمنية الدولية “SAM” أن الولايات المتحدة وافقت على توقيع اتفاقيات أسلحة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد أسابيع فقط من استخدام التحالف لقنابل أمريكية الصنع, والتي كانت سبب في قتل المدنيين في اليمن وبعد قضية القتل الوحشي لصحفي السعودي “جمال خاشقجي” كاتب العمود في صحيفة الواشنطن بوست و موقع “ميدل أس أي.
في 6 ديسمبر، أي بعد شهرين من عملية اغتيال وتقطيع جسد “خاشقجي” في القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول، أبرمت حكومة “ترامب” على صدك اتفاقية تجارية جديدة مع النظام السعودي, والتي تمحورت حول تحديث نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت” بأكثر من 195.5 مليون دولار, حيث يستخدم السعوديون نظام دفاع الباتريوت ضد هجمات الصواريخ الحوثية.
أمثلة على الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بعد وقت قصير من شن التحالف هجمات باستخدام الأسلحة الأمريكية:
– 9 أغسطس من العام الماضي, شن طيران التحالف العربي غارة جوية استهدف من خلالها حافلة مدرسية في شمال اليمن، كانت تقل صبية كانوا في طريقهم لقضاء رحلة ميدانية, ذهب ضحيتها 54 شخصاً، بينهم 44 طفلاً, وبعد أسبوع، تم أُبلاغ الكونغرس عن صفقة تجارية بقيمة 344.8 مليون دولار مع دولة الإمارات لشراء قطع غيار لنظام دفاع صواريخ الباتريوت.
– 17 أغسطس، بثت قناة “سي إن إن” الأمريكية تقريراً أشارت فيه إلى أن القنبلة المستخدمة في الهجوم على الحافلة المدرسة تم تصنيعها من قبل شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية، أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في العالم, وبعد ثلاثة أيام من بث التقرير، توصلت إدارة “دونالد ترامب” إلى اتفاق جديد مع دولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 10.4 مليون دولار لقطع البنادق.
– شنت المقاتلات التابعة لتحالف العربي بقيادة السعودية غارة جوية استهدفت حفل زفاف في احد المناطق الواقعة شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء في 22 أبريل من العام 2018 ، مما أسفر عن مقتل 33 شخصا، بما في ذلك العروس, وبعد أيام ، أثبتت شركة “”Bellingcat أن شركة “Raytheon” الأمريكية قد صنعت جزءاً من تلك القنبلة التي عثر عليها في موقع الهجوم.
– وافقت إدارة “ترامب” على صفقة تجارية مع السعوديين في 21 يونيو مقابل 2.1 مليون دولار فيما يخص قطاع البنادق والقاذفات.
– 25 أغسطس من العام 2017, تم استهداف منطقة سكنية في صنعاء باستخدام قنبلة موجهة بالليزر, قتلت عائلة بأكملها والمكونة من زوجين وستة من أطفالهم, فيما نجت طفلة واحدة, “بثينة” ذات الخمس سنوات – الفرد الوحيد في العائلة الذي نجا- تم التقاط صورة لها بعد فترة وجيزة من شن الهجوم, ظهرت خلالها وهي متورمة والكدمات تملئ وجهها, كانت تشد جفونها بصعوبة في محاولة منها لكي تتمكن من الرؤية, ومن جانبها, أثبتت منظمة العفو الدولية بعد شهر واحد أن قطعة من القنبلة التي عثر عليها وسط الأنقاض هي من صنع شركة” Raytheon” و بعد أسابيع من الهجوم، أي في 6 أكتوبر، أذنت الولايات المتحدة بصفقة لإرسال نظام دفاع صاروخي من طراز “THAAD” بقيمة 15 مليار دولار إلى الرياض.
هجمات مماثلة اوجعت اليمن بقيادة التحالف العربي واتفاقات أسلحة أمريكية خلال الفترة بين عامي 2015 و 2016 ، عندما كان الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” لا يزال على راس هرم السلطة.

طفل يمني يصلي عند قبر أحد التلاميذ الذين ارتقت ارواحهم إلى السماء بعد استهداف الحافلة التي كانت تقلهم من قبل قوات التحالف بقيادة الرياض/ أغسطس 2018 (أ ف ب)
قبل انتهاء ولاية الرئيس “أوباما”, أوقفت الإدارة الأمريكية التي كانت قد سمحت بإبرام صفقات بيع للأسلحة مع الرياض والتي بلغت قيمتها 117 مليار دولار خلال ثماني سنوات، والمكونة من الذخائر الموجهة بدقة بسبب مخاوف تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان من قبل هجمات التحالف السعودي.
اختلف الأمر مع وصول “دونالد ترامب” الى البيت الابيض, ففي مايو من العام 2017, أثناء أول زيارة رسمية له خارج الولايات المتحدة الأمريكية, أعلن أن البيت الابيض سوف يلغي تعليق تلك الصفقات.
وبسبب الصراع المستمر، اليمن التي تعد بالفعل واحدة من أفقر دول الشرق الأوسط “لم يعد له وجود، وذلك وفقاً للتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي أشارت من خلالها إن البلد يواجه في وقتنا الحالي” أسوأ أزمة إنسانية, كان الانسان السبب الرئيسي فيها.

قنوات غير رسمية:
إن صفقات الأسلحة الأمريكية والحكومية التجارية لدول التحالف الذي تقوده السعودية تصل في بعض الاحيان إلى عشرات المليارات من الدولارات، وفي المقابل تواصل العديد من الأسلحة الأمريكية الصنع, شق طريقها للوصول إلى الأطراف المتحاربة في اليمن من خلال قنوات غير رسمية.
ففي وقت سابق من هذا العام, عرض تاجر أسلحة في شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون بيع بندقية من طراز M4 إلى صحفي متنكراً من شبكة ARIJ مقابل 4500 دولار.

ووفقاً للصحفي الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية, أنه من الوارد رؤية الأسلحة والقنابل الأمريكية في أسواق الأسلحة اليمنية, والتي يمكن العثور عليها في الشمال والجنوب على حد سواء من البلد, فعندما يهاجم المقاتلون الحوثيون مواقع لقوات التحالف العربي، غالباً يغنمون العديد من المعدات العسكرية, كما يوجد أيضاً سوق سوداء، حيث تقوم شبكات من التجار بشراء وبيع الأسلحة.
قالت “ندى الدوسري” ، مديرة مركز واشنطن للمدنيين في الصراع “منظمة غير حكومية مقرها في واشنطن” أنه من الطبيعي جداً العثور على أسلحة أمريكية في اليمن, وفي الواقع، إن وجود أسلحة أمريكية الصنع في جميع أنحاء البلد “لا يفاجئ أي يمني”, يرجع ذلك بصورة جزئية إلى حقيقة أن الولايات المتحدة عملت على دعم الرئيس اليمني السابق “علي عبد الله صالح” في ما يسمى الحرب على الإرهاب بعد الأحداث التي شهدتها في 11 سبتمبر من العام 2001.
صرح السفير الامريكي السابق في اليمن في العام 2018, أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 115 مليون دولار لتجهيز قوات صالح في الفترة بين عامي 2002 إلى 2009.
منيت وزارة الدفاع الأمريكية في العام 2015 بخسارة فادحة بعد أن فقدت مسار أسلحة نارية وطائرات وغيرها من المعدات الحربية في اليمن والتي تقدر قيمتها بي 500 مليون دولار.
في العام 2017، كل ثلاثة من أصل خمسة معدات عسكرية لتحالف السعودي هي من الصناعات الأمريكية
واليوم، يبدو أن التحالف العربي الذي تقوده الرياض يعكف على إيصال المركبات المدرعة الأمريكية الصنع إلى الميليشيات المحلية، فهذا العمل يرقى إلى اعتباره انتهاك صارخ لصفقات الأسلحة، وذلك وفقاً لتقرير أصدرته شبكة ARIJ العام الماضي.
أظهر فيلم وثائقي أن كتائب أبو العباس وهي جماعة سلفية اتخذت من مدينة تعز مقراً لها, تتلقى الدعم من قبل الإماراتيون, بالرغم من كون زعيم الجماعة مدرج الآن ضمن القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية, حيث تلقت ثلاث سيارات مصفحة من طراز “Oshkosh M-ATV” أمريكية الصنع في نوفمبر 2015.
كما ظهر جلياً علم اليمن الجنوبي يرفرف على مركبة أخرى من طرازBAE Caiman” “MRAP والتي عادة ما تستخدمها الميليشيات اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة, وفي المقابل تدعي أبو ظبي أنها عملت على تدريب حوالي 25 ألف جندي يمني.

تورط لا نهاية له:
وبخلاف الأسلحة والتدريب والمساعدة التقنية، من المستحيل قياس مدى التورط الكامل للولايات المتحدة الأمريكية في حرب اليمن وفي الحرب على الإرهاب, حيث قدمت الولايات المتحدة الدعم الاستخباراتي والمشورة العسكرية لدول التحالف العربي، وذلك وفقاً لتقرير دائرة أبحاث الكونجرس, في حين عملت واشنطن في السابق على تزويد الطائرات السعودية بالوقود في الجو، بينما عرجت وزارة الدفاع الأمريكية على هذا الموضوع, إذ أشارت إلى أنها أوقفت هذا النوع من الدعم في نوفمبر المنصرم.
في أعقاب غارة جوية في نوفمبر من العام 2017 على العاصمة صنعاء (اف ب)

استمر الضغط لوقف المساعدات المقدمة لدول التحالف الذي تقوده السعودية، ومن جانبها, صرحت الإدارة الأمريكية بأن الوضع اليمني سيكون أسوأ وأن الخسائر المدنية ستكون أعلى بكثير, دون مشاركتها في الحرب.
لطالما جادلت الإدارة الأمريكية بأن التهديد الإيراني يعتبر من احد أهم الاسباب في استمرار صفقات بيع الأسلحة الأمريكية للتحالف السعودي, إذ صرح وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبو” في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً, قال فيه :” إذا كنتم تهتمون حقاً بحياة المدنيين في اليمن، فيجب عليكم أن تدعموا جهود المملكة العربية السعودية لمنع تحول اليمن إلى دولة عميلة لجمهورية إيران الإسلامية الفاسدة والوحشية.
أصر المسؤولين في إدارة الرئيس “ترامب” على ضمان عدم استخدام الأسلحة لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان, إذ أشارت “تينا كايدانو” المسؤولة عن ملف مبيعات الأسلحة بوزارة الخارجية الأمريكية في أحدى المؤتمرات التي عقدت العام الماضي: “نحن في وزارة الدفاع لن نوفر أي أسلحة نعتقد أنها قد تُستخدم لارتكاب انتهاك يتعلق بحقوق الإنسان.
كما قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية إن مبيعات معدات الدفاع الأمريكية في الخليج جزء من التزامها بالاستقرار الإقليمي, كما أن عدد الوفيات بين المدنيين سيزداد على الأرجح دون الضغوط الأمريكية التي تمارس على السعوديين.

ومع ذلك، قالت وزارة الدفاع إنها لا تراقب أو تتتبع طائرات التحالف أو أهدافها أو نجاح مهامها بعد إعادة تزويدها بالوقود.
كان هذا الرأي محل خلاف, إذ أخبر مستشار سابق في وزارة الخارجية كان يعمل مع التحالف حتى العام 2017 صحيفة “نيويورك تايمز” أن الضباط الأميركيين لديهم إمكانية الوصول إلى قاعدة البيانات التفصيلية عن جميع الغارات الجوية التي يشنها التحالف العربي, وفي المقابل, فقد قال ويليام هارتونج :”فيما يتعلق بالغارات الجوية، فقد كذب البنتاغون حول كل ما يعرفه”.
وفي الوقت نفسه، تهدف سياسة نقل الأسلحة الجديدة المعتمدة من قبل الرئيس “ترامب” إلى تشجيع تجار الأسلحة على أن يكونوا أكثر نشاطاً وتخفف القيود المفروضة على المنتجات المصنعة، بالإضافة إلى زيادة القدرة التنافسية للولايات المتحدة الأمريكية في السوق التسليح العالمي وخلق المزيد من فرص العمل.
قالت “تينا كايدانو”: “في ظل هذه الإدارة، لن يوجد هناك أي مدافع نشط عن المبيعات الأمريكية أكثر من الحكومة الأمريكية نفسها”.
وبحسب تصريحات “كريستينا اريبا”, فأنه من المحتمل بشكل كبير أن يتم إبرام عقود تسليح مستقبلية مع دول التحالف السعودي على الصعيد التجاري، في حين أن الضغوط تتزايد أكثر فأكثر بالنسبة للولايات المتحدة لإنهاء دورها في الحرب, كما أن العقد الأخير والذي بلغت قيمته 195.5 مليون دولار مع المملكة العربية السعودية والمتعلق بنظام الدفاع الجوي باتريوت “ربما تم حظره من قبل الكونغرس” إذا كان قد أبرم مع الحكومة.
رفضت كُلاً من شركة “Raytheon”و ” “Lockheed Martinالإجابة عن الأسئلة المتعلقة بحقوق الإنسان وأي مسؤولية قد يتحملونها عن مقتل المدنيين في اليمن, في حين قالت متحدثة باسم شركة”Raytheon “لا أعتقد أن لدينا ما نقوله بهذا الشأن”.

تحالف ضمني:
إن كمية الأسلحة والتدريب التي تعكف الولايات المتحدة على تقديمها لدول التحالف العربي تعني أن كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تعتمدان بشكل كبير جداً على جهودهما الحربية في اليمن, وهذا صحيح بشكل خاص بالنسبة للسعوديين.
وفي هذا الصدد, كتب ويليام هارتونغ في أحدث تقرير له, أن هذا الأمر سيستغرق عقوداً حتى تتمكن المملكة من التخلي على اعتمادها على المعدات والتدريب والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية.
وفقاً للتقرير نفسه، فأن أكثر من ثلثي الأسطول السعودي الجاهز للمعركة يأتي من الولايات المتحدة.
وفي نوفمبر من العام 2015، أبرمت الولايات المتحدة عقود تسليح بلغت قيمتها 1.29 مليار دولار, حيث تتضمن هذه الصفقات قنابل ورؤوس حربية وأدوات التوجيه بالليزر, نظراً لكون المخزون السعودي السابق قد تم “استنفاذه”.
لا يقتصر تزود الولايات المتحدة بالأسلحة للمملكة العربية السعودية فقط, إذ تحظى الإدارة الأمريكية بنصيب الأسد من صفات بيع الأسلحة مع دولة الإمارات, كما عملت على تدريب الآلاف من جنودها, ووفقا “لويليام هارتونغ”، فأن 78 من 138 طائرة مقاتلة ضمن الاسطول الجوي لدولة الإمارات العربية المتحدة مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية, كما أنه يرى أن انسحاب جميع قنوات الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة “من شأنه أن يشل من قدرتهم على شن حرب في اليمن وخاصة الحرب الجوية العشوائية”.
أضف إلى ذلك, فقد اتهم “ويليام هارتونغ” الإدارة الأمريكية بوضع ختم موافقة على ما تفعله هذه البلدان في اليمن، حيث يحتاج الآن ما يقرب من 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، في حين تمكن الموت من اطباق خناقه على الآلاف جراء سوء التغذية المرتبط بالحرب, ناهيك عن مقتل أكثر من 67 الف مدني ومقاتل.
= موقع “ميدل اس اي” البريطاني, النسخة الفرنسية