بعد مرور ستة أشهر من عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي, أضعف النهج السلطوي والاستبدادي الذي ينتهجه ولي العهد الامير محمد بن سلمان اركان الحكم في المملكة العربية السعودية.

 

بقلم: فرانسوا دالونسوا

 

(صحيفة” la-croix ” لاكروا الفرنسية, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

مرت ستة أشهر على عملية اغتيل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مدينة اسطنبول التركية في قنصلية بلاده في 2 من اكتوبر من العام الماضي, عزز خلالها ولي العهد محمد بن سلمان قبضته الحديدية على السلطة، على الرغم من الاضطرابات الناجمة عن القضية.

يبدو أن الملك سلمان، قد تغاضى عن الكثير, رغم أنه أظهر مؤخراً مزاجاً سيئاً عندما عمد ولي العهد إلى تعيين الأميرة ريما بنت بندر سفيرة للولايات المتحدة دون موافقته وتعيين شقيقه الأصغر خالد بن سلمان نائب لوزير الدفاع.

حملة تطهير واسعة النطاق في الأسرة الحاكمة

عمل الأمير محمد منذ تعينه ولياً للعهد في يونيو من العام 2017 ، على شن حملة تطهير واسعة النطاق داخل الأسرة الحاكمة , عمل خلالها على إزالة منافسيه الرئيسيين داخل الاسرة الحاكمة , إذ يتمثل الأول في شخص ابن عمه الامير محمد بن نايف ، ولي العهد السابق ووزير الداخلية والمسؤول عن الأجهزة الأمنية ، والثاني الامير متعب بن عبد الله , الرئيس السابق للحرس الوطني وذلك من خلال وضعهما قيد الإقامة الجبرية.

أشارت مضاوي الرشيد , الأستاذ الزائر بكلية لندن للاقتصاد إلى أن ولي العهد من خلال سجن أعدائه وخصومه وإجبارهم على أداء اليمين الدستوري , أكد على أن سلطته لن تكون محل نزاع عند وفاة والده , كما استنكرت ايضاً “الكذبة المنهجية” لابن سلمان والتي تسلط الضوء على كفاحه المزعوم ضد الإسلام الراديكالي وترويجيه لإسلام أكثر تسامحاً , حيث كتبة في مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس” أن الكذبة تبدأ بالادعاء بأن التطرف كان استيراداً أجنبياً بالنسبة للمملكة العربية السعودية والذي تيَجذر في العام 1979، مما يشير إلى أن الثورة الإيرانية كانت السبب في ذلك بطريقة ما .

يحرص بن سلمان على عدم ذكر التلقين المذهبي العقائدي للشعب السعودي لعدة عقود في الاحترام الصارم للتقاليد الوهابية المتشددة وتصدير الإسلام المتطرف إلى العالم الإسلامي من أجل مساعدة الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة، عندما كانت الهيمنة الأمريكية مهددة بالشيوعية والقومية، حيث أن الترويج لهذا الإسلام المتشدد لطالما كان عنصراً أساسياً في السياسة الخارجية السعودية.

تكميم المعارضة

ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن ولي العهد كلف في العام 2017 فريقاً بقيادة صانع القرار السياسي “سعود القحطاني” لتنفيذ مهمة قيادة حملة لإسكات أي أصوات معارضة في المملكة , حيث تتنوع اعمال هذا الفريق من مراقبة, واختطاف واحتجاز وتعذيب, فهذا الفريق كان جزءاً من المجموعة الشاملة التي تستخدمها “مجموعة التدخل السريع” المتورطة في مقتل جمال خاشقجي , كما القت هذه الحملة الشاملة بظلالها ايضاً على الإسلاميين والمثقفين وكذلك الناشطين في مجال حقوق المرأة من بينهم عبد الله حميد علي الحامد ومحمد فهد القحطان ، المؤسسان للجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية , أضف اليهم الداعية سلمان العودة، جميعهم يدافعون عن مجتمع مدني حقيقي وملكية دستورية.

وتحت ضغط دولي ، تم الإفراج عن أحد عشر ناشطاً في مجال حقوق الإنسان تم احتجازهم لمدة عام تقريباً منهم: الأكاديميّة عزيزة اليوسف ، واللغوية ايمان النفجان اللتان تم اللقاء القبض عليهن جراء المطالبة بتمكين المرأة من القيادة والانضمام إلى الركب الإماراتي في ذلك , كما تعرض العديد من النساء للتعذيب والتحرش الجنسي مثل استاذة التاريخ هتون الفاسي ولجين الهذلول.

عرج بروس ريدل الخبير بمعهد بروكينفز والمتخصص في الشرق الأوسط , على نقطة أن محمد بن سلمان خلق عهداً جديداً من الإرهاب لم يسبق له مثيل في تاريخ المملكة الحديث , في حين أن عملية اغتيال خاشقجي ليست سوى الجزء المرئي  من جبل من الجليد القمعي ومحمد بن نايف لا يزال قيد الاقامة الجبرية بعد ما يقرب من عامين على إقالته , حيث تتم مراقبته عن طريق الإنترنت بشكل وثيق من قبل الدولة.

الانقسامات داخل المؤسسة السعودية

إذا كان بن سلمان قد عزز من  قوته ، على الصعيدين المحلي والدولي , وبالنظر إلى جولته الآسيوية الأخيرة ، فإنها تبدو أكثر عرضة للخطر على المدى الطويل.

تعاني الاحتياطيات المالية السعودية من التآكل ، وتراجع في عائدات النفط , ناهيك عن انتظار العديد من المستثمرين.

أدى احتجاز العديد من المواطنين – بمن فيهم أفراد من العائلة المالكة – إلى حدوث انقسامات في داخل المؤسسة السعودية.

توفر الشركة العسكرية الخاصة في الولايات المتحدة “إيريك برينس” والمقربه من دونالد ترامب ، الآن الحماية الشخصية لولي العهد الذي صنع العديد من الأعداء.

ومن جانبه , أشار “دينيس بوشارد” المستشار في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في الشرق الأوسط , إلى أن المملكة العربية السعودية قد تحولت من نظام حكم جماعي من خلال توزيع الامتيازات بين فروع الأسرة المختلفة إلى حكم استبدادي لصالح فرع واحد من الأسرة , “الفرع السديري”, وبالتالي لا يمكن لولي العهد أن يستمر في حكم المملكة بهذه الطريقة دون إثارة ردود أفعال معاكسة وستأتي لحظة الحقيقة الأولى مع وفاة الملك سلمان أو عجزه التام , وفي نهاية المطاف ، سيعتمد كل شيء على علاقته بالولايات المتحدة , في حين أن خطته لبناء محطات طاقة نووية يمكن أن تقلق الإسرائيليين فقط.

تجميد ألمانيا لمبيعات الأسلحة لستة أشهر أخرى

أعلنت برلين في 28 من مارس المنصرم ، تمديد تجميد مبيعات الأسلحة إلى الرياض لمدة ستة أشهر أخرى , أي حتى 30 سبتمبر القادم.

فرضت ألمانيا تجميد صادراتها من الاسلحة إلى السعودية ، بما في ذلك المبيعات التي تمت الموافقة عليها بالفعل ، وذلك منذ اغتيال جمال خاشقجي في اسطنبول وبسبب الصراع الدائر في اليمن.

سمم هذا القرار العلاقات مع فرنسا والمملكة المتحدة اللتان لطالما مارست الضغط على برلين من أجل رفع الوقف في 31 مارس , حيث أن نظم مشتركة مع فرنسا والمملكة المتحدة تتأثر في الواقع من قبل قرار التجميد بسبب وجود مكونات الألمانية.