لماذا اختار نِتنياهو الأردن زيارته الخارجيّة الأولى؟
عبد الباري عطوان*
لا نعتقد أن الزّيارة المُفاجئة التي قامَ بها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نِتنياهو إلى عمّان اليوم ولقاءه مع الملك عبد الله الثاني تُشَكّل مُفاجأةً سارّةً للرّأي العام الأردني الذي يَعيشُ حالةً من الغليان هذه الأيّام بسبب اقتِحامات وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى وتصاعد عمليّات الإعدام للأطفال والشّباب الفِلسطينيين برصاصِ الجُنود الصهاينة الحيّ، وإهانة السّفير الأردني غسان المجالي على يد عريف في الأمن الصهيوني تجسّدت بمنعه والوفد المُرافق له من دُخولِ المسجد الأقصى والصّلاة فيه.
كُنّا نتوقّع أن تكون الزّيارة الأولى لنِتنياهو إلى الإمارات حسب تصريحاته وتمنّياته الرسميّة والعلنيّة، ولكنّنا فُوجئنا بشدّه الرّحال إلى عمّان التي لم يَزُرها مُنذ خمس سنوات، واللّقاء مع عاهِلها الذي تتّسم علاقته به بالتوتّر على أرضيّة مُعارضة الأخير (الملك) لصفقة القرن، والتمسّك بالوصاية الهاشميّة، واستِقبال نِتنياهو لحارس السّفارة الصهيونية المُجرم الذي قتل مُواطنين أردنيين بدَمٍ بارد، استِقبال الأبطال، وتوزيعه صُور هذا الاستِقبال على الصّحف ومحطّات التّلفزة الإسرائيليّة نكايةً بالأردن واستِفزازًا لعاهله، ولا نعرف ما إذا كانت هذه الزّيارة تُوجّت بالمُصالحة الشخصيّة بين الرّجلين، ودشّنت صفحةً جديدةً في التّعاون بينهما، والانخِراط في مشاريع تعاون سياسيّة وعسكريّة مُشاركةً تحت المِظلّة الأمريكيّة؟
نِتنياهو يزور الأردن بحثًا عن الشرعيّة وكسْر حالة العُزلة، والنّبذ، التي يعيشها داخليًّا وخارجيًّا، حيث ينزل إلى الميادين مِئات الآلاف من المُحتجّين الصهاينة رفْضًا لحُكومته العُنصريّة اليمينيّة الفاشيّة المرفوضة دُوَليًّا، فلماذا يُقدّم له العاهل الاردني “طوق النّجاة”، وما هو المُقابل الذي سيَحصُل عليه؟ تسفير مِئات الآلاف من أهالي الضفّة الغربيّة إلى الأردن تجسيدًا لمُؤامرة الوطن البديل، واجتِثاث الوصاية الهاشميّة من جُذورها، وإقامة عشَرات المُستوطنات الجديدة، وتصعيد حُكومته عمليّات الإعدام للشّباب الفِلسطيني الثّائر ضدّ جرائم الاحتِلال بعد أن طفَحَ كيْله؟ وهل يُمكن الثّقة بهذا الرّجل الكاذب الانتِهازي الذي لم يحترم عهدًا، ولم يُنفّذ أيّ اتّفاقٍ وقّعه، وشِعار حُكومته الموت للعرب والتّهويد الكامِل للأقصى؟
المعلومات التي تسرّبت عن هذه الزّيارة والأهداف التي أرادت إنجازها، ضئيلةٌ جدًّا، لأنّها تمّت وسط تكتّمٍ شديد، ووقعت أخبارها وقوع الصّاعقة على الشّعب الأردني ونُخبته السياسيّة، خاصَّةً في هذا التّوقيت الذي ترتفع فيه أصوات في البرلمان تُطالب بطرد السّفير الصهيوني، وفتْح الحُدود للجِهاد، وتسهيل تهريب الأسلحة للمُقاومة الفِلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، وخاصَّةً “عرين الأسود”، وكتائب جنين وبلاطة والقسّام.
السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ هو عمّا إذا كانت هذه الزّيارة جاءت إحدى “ثِمار” قمّة أبو ظبي السُّداسيّة يوم الثلاثاء الماضي، وهل ستكون مُقدّمة لزيارة نِتنياهو للعاصمة الإماراتيّة التي تأجّلت أكثر من مَرّةٍ، والأهم من كُل ذلك، هل ستعكس مُوافقةً أردنيّةً على المُشاركة في قمّة النقب الثانية التي من المُفتَرض أن تنعقد في المغرب في شهر آذار (مارس) المُقبل؟
نِتنياهو يُخطّط بشنّ حربٍ على إيران وبات مَسكونًا بها اعتقادًا منه أن هذه الحرب ستُخرِج دولة الاحتِلال من أزَماتها المُتفاقمة، وجاءت زيارة جيك سوليفان مُستشار الأمن القومي الأمريكي قبل أيّام للقُدس المُحتلّة للتّمهيد لزيارته لواشنطن، للإعداد لهذا العُدوان بعد انهِيار مُفاوضات فيينا النوويّة، ودعم المُسيّرات الإيرانيّة لروسيا في حرب أوكرانيا، فهل يُريد نِتنياهو توريط الأردن في هذا العُدوان، وتوظيف القواعد الأمريكيّة الـ16 الموجودة على أرضه بحيث تكون حوائط صَدٍّ لأيّ رَدٍّ صاروخيّ انتقاميّ إيرانيّ على هذا العُدوان، ومنْع وصول هذه الصّواريخ لمُدُن الاحتِلال؟
ما كُنّا نتمنّى هذه الزّيارة من قِبَل رئيس وزراء عُنصري يتربّع على قمّةِ حُكومةٍ فاشيّةٍ، مَكروهٍ من مُعظم شعبه للأردن، وما تُشكّله من استِفزازٍ صارخٍ للأشقّاء فيه من كُلّ المنابت والأعراق، الذين باتوا جميعًا على استِعدادٍ غير مسبوق للشّهادة انتِصارًا ونُصرةً لنصفهم الآخَر في فِلسطين المُحتلّة.
نطرح أسئلةً، وننتظر إجابات واضحة وصريحة، وإن كُنّا على قناعةٍ بأنّ حُظوظ مجيئها تبدو محدودةً جدًّا، بحُكم تجاربنا السّابقة المُماثلة.
حلّ أزمات الأردن الاقتصاديّة والمعيشيّة لا تتمّ بالانفِتاح على نِتنياهو، ولا بالثّقة بوعوده الكاذبة والمُوثّقة، وإخراجه من أزَماته الداخليّة والإقليميّة والدوليّة مجّانًا، وإنّما بالوقوفِ إلى جانبِ المُقاومة الفِلسطينيّة وفي خندقها، حتى لو جاءت زيارة نِتنياهو بإملاءاتٍ أمريكيّة، فأمريكا اليوم، وبعد أن تورّطت في حرب أوكرانيا ليست أمريكا الأمس، أمريكا تقف على حافّة الهزيمة، إن لم تكن في قلبها، وهي التي دمّرت الأُمّة العربيّة، ونقلت سفارتها إلى القدس المُحتلّة، ودعمت الاستيطان الصهيوني، ولن تكون إلا عدوًّا للعربِ والمُسلمين.. والأيّام بيننا.
المصدر: راي اليوم
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع