أحمد يحيى الديلمي-——————

 

في إحدى المحاكم سمعت المواطنين يشكون بمرارة من ظاهرة التطويل في التقاضي والأزمنة المتباعدة بين الجلسات أثناء الحوار بين أثنين من المتخاصمين ، قال الأول رمضان على الأبواب وستغلق فيه المحاكم أبوابها بفعل الإجازة ، قال الثاني رحم الله الرئيس الشهيد صالح الصماد هو الذي طلب من مجلس القضاء أن يراجع قراره بجعل شعبان ورمضان إجازة قضائية وتم الاتفاق على اعتبار شهر ذي الحجة إجازة قضائية بديلة .

الحوار فتح آفاقي على أشياء هامة أحدها تخص الرئيس الشهيد صالح الصماد وكيف أنه في فترة قصيرة أحتل ذاكرة الناس بأعماله ومبادراته الهامة التي خلدته في اسفار تاريخ هذا الوطن وفي ذاكرة البشر ، ويجب أن يكون قدوة لكل من يتبوء هذا الموقع ، إذ المطلوب الإلمام بكل المؤهلات الكفيلة بالاتقان واثبات قوة الحضور وأهمها ما ذكره إمام المتقين ويعسوب الموحدين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال ( إن  أولى الناس بهذا الأمر أقواهم وأعلمهم ) .

أتفق القول مع نص القرآن الكريم حيث قدم القوة على الأمانة قال تعالى: ((إن خير من استأجرت القوي الأمين)) .

لفظة الخيرية تعني الأفضلية ومعيار الترجيح .

أما الثانية فتتصل بالإجازة القضائية استناداً إلى القاعدة المتفق عليها والمعمول بها في عدد من الدول العربية ، إذ تم تحديد شهر رمضان كموضع لتنفيذ إجازة القضاة السنوية بقصد التوفيق بين الحق القانوني واحترام المحذور الديني ترجمة للحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصه (لا يحكم القاضي وهو غضبان ) أو كما قال .

لن  أناقش مدى صحة الحديث من عدمه وأذهب إلى النتائج التي ترتبت عليه ، وكأن لها تاثير سلبي على القضاء بشكل خاص ، بعد اجتهاد نادي القضاة في بلادنا وإقرار مجلس القضاء الأعلى باعتبار رمضان الكريم إجازة واجبة بأمر الدين لا تُجزي عن الإجازة السنوية التي كفلها قانون شئون الموظفين لكل موظف ، بناءً على هذه المعادلة والرؤية الضيقة للتعاطي مع نصوص الدين وتوظيفها على أساس نفعي تراكمت عناصر الوعي عند المواطن الذي يشكو من تعثر الأداء وضياع الحقوق كما ورد على لسان نفس الشخصين ، فلقد صبوا جام الغضب والامتعاض على نادي القضاة وتسألوا لماذا لا يحرص هذا النادي على أداء واجبات القاضي كحرصة على ضمان الحقوق؟ ولماذا لا تتم الموازنة العادلة بين مستويات الأداء والإنجاز وبين قائمة الحقوق المكفولة للقاضي بحكم القانون والالتزامات التي عليه ؟!

ملاحظات وأسئلة كثيرة أكتفي بما أسلفت منها وأتمنى أن تحظى باهتمام مجلس القضاء وهيئة التفتيش القضائي لتمثل محور هام لمراجعة التشريعات والتركيز بشكل أساسي على أهلية القاضي ومتابعة معدلات الأداء والإنجاز ومدى الالتزام بساعات الدوام الرسمي في كل مراتب القضاء كاساس لإقامة ميزان العدل والاحتكام إلى نصوص الشرع القويم والتعاطي معها بوعي ومسئولية باعتبارها معيار للانصاف وأن يكون ضمير القاضي حي متيقض لا يخضع لأي إملاءات ولا للرشوة أو المغريات ، خوفاً من الضمير وهو الرقيب الذاتي الذي مبعثه قوة الإيمان والخوف من الخالق سبحانه وتعالى .

أنا على يقين أن القضاة إذا تعاطوا بهذا الأفق الإيماني البعيد عن التسويف والمماطلة أو تحويل هذا الكيان إلى شيء مقدس بأسلوب خاطئ يجرده من القدسية الصحيحة ، لو فعلوا ذلك لتمكنوا من ترجمة الدور الحيوي الهام المعول عليه ولاستعادوا ثقة المواطن به ، بالمقابل لو أن مجلس القضاء جمع بين البعد الوطني والأفق الإيماني بقرار إعادة النظر في إجازة ذي الحجة وأكتفى بإجازة رمضان على الأقل من باب مراعاة الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن والتي تحتاج إلى المزيد من الجهد لإيقاف المنازعات والتفرغ لما هو أعظم ، وتم التعويل على الأجر الذي وعد به الله سبحانه وتعالى كل من يصلح بين الناس لكان خيراً ولحازوا على الأجرين أجر الدنيا وأجر الآخرة ، خاصة أن معظم القضاة يتقاضون رواتب شهرية مما يسمى بالشرعية عدا القلة الذين تم التعال معهم على أساس مناطقي من قبل الشرعية المزعومة، وهذا هو ما يكشف زيف  تلك الشرعية وتخبطها .

أسأل الله التوفيق والسداد للجميع .. وهو من وراء القصد ..