السعودية… السياسات الشريرة من الشرق الأوسط إلى شبه القارة الهندية
السياسية – رصد :
بعد الاقتراب من العرش في السنوات الأخيرة، بذل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جهودًا متضافرةً لإعطاء صورة إصلاحية عن نفسه، والتظاهر بأن المقاربات التقليدية للسعودية قد ولت، وأن شعب هذا البلد سيعيش من الآن فصاعدًا مزيدا من الحرية في مجال الرأي والعمل والسلوك.
ويحاول ابن سلمان تقديم نفسه على أنه ليبرالي جديد من خلال تطوير نماذج للحياة الأوروبية الحديثة في مشاريع كبيرة، متجاهلاً حقيقة أن الأساليب الاستبدادية مختلطة بروحه.
وقد شهدنا هذا السلوك في مظاهر مختلفة خلال السنوات الماضية على صعيد القمع الداخلي، وزيادة أحكام السجن والإعدام بحق المعارضين السياسيين، وتفشي انتهاكات حريات الأقليات الدينية والعرقية، والمهاجرين الأجانب، وانتهاكات حقوق المرأة، وانتشار الفساد.
من ناحية أخرى، وضعت سلطات الرياض أسس سياستها الخارجية على كسب دعم القوى الغربية، لبقاء حكمها غير الديمقراطي في السعودية. إضافة إلى أنهم يبذلون جهودًا مكثفةً في تطوير الفكر الوهابي والتكفيري بناءً على هذا النهج في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تدخل واسع لهذا البلد في الشؤون الداخلية للحكومات الإقليمية والدولية الأخرى والترويج للحرب ضد بعضها، بما في ذلك اليمن.
ما سيتم النظر فيه في هذا المقال، هو أبعاد السياسات المتناقضة للحكومة السعودية على الصعيدين المحلي والدولي، ووصف الانتهاك الواسع النطاق للأسس الإنسانية في سلوك حكام السعودية.
أ: التدخل السعودي في البحرين
خمسة وسبعون في المئة من المسلمين البحرينيين هم من الشيعة، وتهيمن عليهم أقلية تتكون من مجموعة من المهاجرين والعائلة المالكة من السنة.
يشكل الشيعة خلفية سكان البحرين منذ القدم، ولديهم أقل حصة ومشاركة سياسية في المناصب الحكومية العليا. إنهم يشعرون بالحرمان الاجتماعي والتهميش السياسي على نطاق واسع، وخلال السنوات الماضية کلما حاول الشيعة التعامل مع التمييز بطرق شرعية وسلمية وديمقراطية، تم قمعهم.
من وجهة نظر السعودية، إن نجاح الشيعة في البحرين سيمتدّ إلی شرق هذا البلد، ويخلق أزمات اقتصادية وأمنية لآل سعود. ولهذا نجد أن السعودية تساعد حكومة البحرين في قمع الشيعة بمختلف وسائل القمع.
كما أن طبيعة النظام السياسي في البحرين هي ملكية دستورية. ووفقًا لدستور هذا البلد، على الرغم من أن السلطات الثلاث مستقلة ولا يُسمح لها بالتأثير على واجبات وسلطات بعضها البعض؛ لكن من الناحية العملية، تخضع السلطات الثلاث للإشراف المباشر لملك البحرين، الذي يحكم البلاد مع ولي العهد ورئيس الوزراء.
منذ أن حكمت أسرة آل خليفة البحرين عام 1883، بدأ التاريخ السياسي لهذه المنطقة حقبةً مختلفةً؛ حقبة اتسمت بانعدام الحرية السياسية وحرية التعبير، ما تسبب باحتجاجات واضطرابات شعبية منذ البداية.
تتمتع حكومة البحرين بثقافة قبلية ومشيخة، بينما يتمتع معظم سكان البحرين بثقافة حضرية حديثة. وقد تسبب ذلك في أزمة شرعية في الهيكل الحكومي للبحرين.
وبسبب هذه القيود والأجواء السياسية المغلقة، خرج شعب البحرين مع شعوب العالم العربي إلى الشوارع في عام 2011، وطالبوا بتغييرات جذرية في الهيكل السياسي لبلدهم.
بدأت الثورة البحرينية في 14 فبراير 2011 بالتزامن مع اندلاع الثورة في بعض الدول العربية الأخرى، لكنها قمعت بالتدخل العسكري السعودي، وسقط حتى الآن عشرات القتلى وجرح المئات، وسُجن آلاف الأشخاص، بمن فيهم قادة الثورة.
جاء التدخل العسكري للسعودية والإمارات في البحرين بهدف قمع الانتفاضة الشعبية في البحرين. ونتيجةً لذلك، تم إرسال 1200 من المشاة وعدة مئات من المركبات المدرعة إلى البحرين من السعودية والإمارات، وظلّ طلب ثوار البحرين للمجتمع الدولي للتعامل مع هذا التدخل العسكري غير المشروع للسعودية دون إجابة.
منذ بداية الحراك الشعبي في البحرين، دعمت السعودية نظام آل خليفة القمعي بالتمسك بثلاث مراحل، سياسية وعسكرية ومالية، من أجل منع انتشار الصحوة الإسلامية في مناطق مثل المنطقة الشرقية في السعودية.
وكان الهدف من التدخل السعودي في البحرين قمع الحراك الشعبي لهذا البلد، الذي بدأ ضد استبداد النظام الحاكم وأدى إلى استشهاد عدد من المتظاهرين. وعلى الرغم من ادعاء نظام آل خليفة أن هؤلاء الجنود دخلوا لحماية المنشآت والمؤسسات الحكومية وآبار النفط في هذا البلد؛ لكن الوثائق الواضحة لوجود هؤلاء الجنود في قمع الاحتجاجات الشعبية، أثبتت الادعاء الكاذب لسلطات المنامة.
وتكشف مراسلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون ومستشارها، عن جوانب مهمة في مقتل المتظاهرين البحرينيين على يد الجيش السعودي. وأثارت الرسائل المتبادلة بين وزيرة الخارجية السابقة كلينتون ومستشارها، والتي كشف عنها موقع ويكيليكس، حقيقة دور السعودية في قمع الانتفاضة البحرينية وقتل المتظاهرين ضد نظام آل خليفة في الأوساط الدولية.
البريد الإلكتروني الذي أرسله مستشار كلينتون “سيدني بلومنثال” إليها، هو في الواقع تقرير عن التطورات الدراماتيكية في البحرين، والذي يصف دخول القوات السعودية إلى البحرين على أنه احتلال.
يذكر هذا التقرير أنه في صباح يوم 16 آذار(مارس) 2011، وحسب الضباط السعوديين الذين هم على اتصال مباشر بقوات الأمن السعودية، أبلغت حكومة حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين سراً المستشارين العسكريين لملك السعودية، أن العناصر السعودية التي دخلت البحرين يوم 13 مارس وبلغ عددها ألف شخص، إذا اضطروا فعليهم إطلاق النار للقتل لمساعدة قوات الأمن غير النظامية في البحرين على تفريق المتظاهرين المناهضين للحكومة.
وحسب هذا التقرير، أفادت المصادر المذكورة بأن القوات السعودية أطلقت النار على المتظاهرين في ساحة اللؤلؤة بالتنسيق مع القوات البحرينية، ما خلف ما لا يقل عن 12 قتيلاً وما بين 30 و 50 جريحاً.
کما ورد في هذا التقرير الذي نشرته ويكيليكس: “ذكر مسؤولون سعوديون أن ملك البحرين ورئيس الوزراء قلقان للغاية من تجمع أنصار الملكية الدستورية في البحرين، وأصرّ الملك في ذلك الوقت على استخدام كل القوة اللازمة لإنهاء المعارضة وإعادة ممارسة السلطة على الأغلبية الشيعية في البلاد.”
كما نشر نشطاء حقوقيون بحرينيون وسعوديون مؤخرًا، وثيقةً أظهرت أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وافق على طلب الحكومة البحرينية إرسال 1500 من القوات الخاصة لـ “إحلال الأمن” في حال حدوث احتجاجات في هذا البلد، خلال الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في 12 نوفمبر/تشرين الثاني.
لم يقتصر التدخل السعودي في هذا المجال، حيث يعتقد كثير من المراقبين أن البحرين أقامت علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني بضوء أخضر من السعودية؛ وهي قضية أعلن كثير من البحرينيين وكذلك معارضي آل خليفة معارضتهم لهذا العمل، واحتجوا مرات عديدة على أي علاقة مع الكيان الإسرائيلي. وفي هذا الصدد، تعتقد صحيفة “تاجوس شبيجل” الألمانية أنه لولا دعم الرياض وضوئها الأخضر، لما أمكن التوقيع على مثل هذا الاتفاق.
كما ذکرت صحيفة “لابريس” الفرنسية حول تطبيع العلاقات بين المنامة وتل أبيب، أن البحرين كالحليف الثاني للسعودية في الخليج الفارسي، قامت بتوجيه الأنظار إلی الرياض، التي قاومت حتى الآن ضغوط الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأضفت الطابع الرسمي على علاقاتها مع الکيان الإسرائيلي، ولم يكن هذا التطور ليحدث دون دعم الرياض، التي لها تأثير كبير في البحرين.
بعد تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، يغلق آل خليفة الطريق أمام شعب البحرين للتنفس في مختلف المجالات، بـ “تهويد المنامة” واجتياز حدود الخيانة. حيث تجاوز تطبيع العلاقات من قبل البحرين حدود الخيانة، ووصل إلى تهويد المنامة عاصمة هذا البلد.
وحسب مصادر مطلعة، فإن خطة تهويد المنامة تهدف إلى تحويل نحو 40 في المئة من أحياء المدينة القديمة إلى ممرات وأبنية ورموز يهودية، ومن أجل بناء الحي اليهودي في المنامة، هناك جهد مستمر لشراء المباني القديمة بأسعار مرتفعة للغاية.
وتظهر نتائج الاستطلاع الأخير الذي أجرته مؤسسة واشنطن للدراسات الأمريكية، والذي تم إجراؤه بعد عامين من تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع الکيان الصهيوني، أن نسبةً كبيرةً من أبناء البحرين والإمارات تعارض أي تطبيع للعلاقات مع هذا الکيان. وأظهر هذا الاستطلاع أن أكثر من 80٪ من البحرينيين يعارضون تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ب: توسع الفكر الوهابي في باكستان وأفغانستان
في السنوات الأخيرة، أصبح صعود السلفية في أفغانستان أكثر رواجاً بفضل الأموال الضخمة التي تنفقها السعودية. وسبق للسعودية أن نفذت هذه السياسة في باكستان، والتي لاقت نجاحاً لافتاً لدرجة أن قوات القاعدة انطلقت منها.
بسبب تاريخ طويل من انعدام الأمن والفوضى، وتأثير المدارس الدينية الوهابية ووجود منظمات مثل القاعدة وطالبان، احتلت هاتين الدولتين مركز الأنشطة الإرهابية السعودية، ويقال إن أكثر من 3 ملايين طالب وهابي في باكستان ومئات الآلاف من الطلاب في أفغانستان، يدرسون في مدارس وهابية تابعة للسعودية.
قبل بضع سنوات، أعلنت أفغانستان عن إنشاء مركز إسلامي يحمل اسم الملك عبد الله ملك السعودية في كابول من قبل السعودية، وأعلنت أن تكلفة بناء هذا المركز تبلغ 100 مليون دولار، والذي تم إنشاؤه بقدرة استيعابية لخمسة آلاف طالب.
باعتبارهما جارتين شرقيتين لإيران، فإن أفغانستان وباكستان مهمتان للغاية بالنسبة للرياض. حيث إنه وفقاً للتصريحات العدائية التي أدلى بها قبل بضع سنوات محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، حول محاولة نقل الصراعات إلى داخل إيران، يمكن رؤية نتائج إنفاق الدولارات النفطية السعودية في دعم الجماعات الإرهابية، في الاضطرابات التي تنشأ في الحدود الشرقية لإيران بين الحين والآخر.
ج: محاولة اختراق آسيا الوسطى والقوقاز وشبه القارة الهندية
تنشط السعودية في القوقاز وأذربيجان وآسيا الوسطى أيضًا، ولعبت دورًا رئيسيًا في الاغتيالات في منطقة الشيشان.
يتم التخطيط لهذه الأنشطة بشكل أساسي من خلال المجموعات التابعة للرياض في باكستان وأفغانستان، ويصل نطاقها إلى دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأقصی مناطق شبه القارة الهندية.
والمنظمات الإرهابية الدولية مثل القاعدة لديها أيضًا إرهابيون في جميع أنحاء العالم، وهي قادرة على مهاجمة أهداف مختلفة في كل دولة من دول العالم. طبعاً، هذه الأهداف تتحدد بناءً على استراتيجيات السعودية والغرب، وخاصةً الولايات المتحدة.
الاستنتاج
لتحقيق أهداف متعددة على مستويات أيديولوجية وسياسية واقتصادية وعسكرية واستراتيجية مختلفة، والمنافسة مع دول المنطقة مثل إيران وتركيا وقطر وحتى الإمارات، عززت السعودية وجودها وتأثيرها في مختلف البلدان، من أقصى أجزاء غرب إفريقيا إلى شبه القارة الهندية وشرق آسيا.
وفي هذا الصدد، وبصرف النظر عن التدخل العسكري في بعض دول المنطقة مثل اليمن والبحرين، فإن السعودية لديها العديد من الخطط الاستراتيجية الأخرى للتأثير على الدول النامية، والتي تم إعادة تعريف معظمها في شكل رؤية 2030 لهذا البلد.
تعتبر الرياض أن انتشار الفقر في المجتمعات المستهدفة وعدم وجود بنية تحتية مناسبة لاستغلال قدراتها الداخلية، أهم نافذة لتأثيرها على الحكومات والدول المذكورة، ومن المتوقع أن ترسّخ موطئ قدم لها في هذه الدول، من خلال استثمارات ضخمة على مدى العقد المقبل.
المصدر :موقع الوقت التحليلي
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع