السياسية:

بعد أشهرٍ على إعلان القوات الروسية اقتحام مدينة سوليدار في دونباس، أعلنت روسيا سيطرتها على المدينة يوم أمس بشكل تام، لتؤكد مجموعة “فاغنر” الروسية بالتوازي أنّ “تحرير مدينة سوليدار لم تشارك فيه أيّ وحدات غير مقاتليها”.

تعد مدينة سوليدار من المدن الإستراتيجية التي تشكل السيطرة عليها وطرد القوات الأوكرانية منها محوراً مفصلياً في تقدم القوات الروسية على الجبهة الشرقية. ويفتتح هذا التقدم مرحلة جديدة من مراحل العملية العسكرية الخاصة في إقليم دونباس.

ما هي قوات “فاغنر” التي أعلنت سيطرتها على المدينة؟ وما أهمية هذه السيطرة عسكرياً واستراتيجيا؟

ما هي قوات “فاغنر” الروسية؟

“فاغنر” هي شركة عسكرية روسية يديرها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين. اشتهرت بقتالها في كثير من الدول، مثل سوريا وليبيا ودول الساحل الأفريقي، وكذلك في الحرب الأوكرانية الحالية، إذ أوكلت إليها مهام قتالية أساسية، بعضها ذو طابع اقتصادي، فحضرت في المناطق المهمة التي تحتوي منشآت حيوية لحمايتها.

نشأت فكرة تأسيسها منذ عام 2000، إذ درست روسيا فكرة تأليف جيش خاص من العسكريين والجنود المتعاقدين للقيام بمهام محددة. عام 2010، بدأ تاريخ إنشاء شركة “PMC Wagner”. تمّ الحديث عن فاغنر للمرة الأولى عام 2014، ونظم المجموعة سلافيك كوربس آنذاك.

ويمكن للجندي الذي لا يتناسب مع نظام التعبئة الجزئية في روسيا، ولكنه يريد أن يشارك في القتال، أن يوقع عقداً، ليس مع وزارة الدفاع فحسب، ولكن مع الشركة العسكرية الخاصة “فاغنر” أيضاً.

وأوضح أحد المفوضين العسكريين الروس أن المتطوعين الذين يرغبون في الانضمام إلى القوات المسلحة الروسية، والذين قد يتجاوزون 65 عاماً، لكنهم لا يعانون مشاكل صحية، يمكنهم الانتساب إلى “فاغنر”، وقد لا يتم استدعاؤهم على الفور، ولكن عند الحاجة فقط.

وتحدث أحد مسؤولي “فاغنر” عن مهامها في الوقت الحالي، قائلاً إنها تتمثل بتشييد التحصينات والمشاركة في الخطوط القتالية بنشاط في لوغانسك ودونيتسك الشعبية، إلى جانب القوات الروسية، ويقوم مدربو الشركة العسكرية الخاصة بتدريب المواطنين المنتسبين إليها.

وعن “فاغنر”، قال الخبير العسكري شارل أبي نادر للميادين نت إنّه لا يمكن وصفها بالوحدة العسكرية التي تعمل وفق بنية تنظيمية، لكن برز دورهم في الحرب الأوكرانية بسبب ضروراتها المتمثلة بالمواجهات المباشرة. هذا النوع الخاص من القتال يحتاج إلى مثل هذه المجموعات التي قد تقوم بعمل استخباراتي أو أعمال هندسية، مع خبرة عالية لعناصرها في تنفيذ هذه المهام.

وأضاف أنّ القوات الروسية تعتمد على “فاغنر” في الاختراق والتقدم والقتال وجهاً لوجه. واليوم، يدور الحديث عنها لأنها أدت دوراً في سوليدار التي أصبحت في يد الوحدات الروسية.

أهمية السيطرة على سوليدار

تتميز مدينة سوليدار بتلالها المرتفعة التي تمنحها ميزة الإشراف على خطوط الإمداد الإستراتيجية بين منطقتي لوغانسك ودونيتسك، والاستيلاء عليها يعني تطويق مدينة باخموت من الشمال وتعطيل خطوط الاتصال الأوكرانية.

وتحدث العميد أبي نادر للميادين نت عن أهمية السيطرة على منطقة سوليدار من نواحٍ عدة، قائلاً: “من الناحية العسكري، هي بلدة كان يضع فيها الأوكرانيون بنية عسكرية متماسكة، والسيطرة عليها هي خسارة للأوكرانيين على الجبهة الشرقية، إذ أتلفت المعركة معدات عسكرية خاصة بهم، وفقدوا الكثير من جنودهم، أي أنّ خسائر أوكرانيا كانت فادحة في هذه المنطقة على الصعيدين المادي والبشري”.

من الناحية الجغرافية، فإن سوليدار هي منطقة تتوسط سيفرسك، التي ما زالت تحت سيطرة الأوكرانيين، ومدينة باخموت. وإذا اكتملت السيطرة عليها وتقدم الجيش الروسي غرباً، فإنه يستطيع أن يقسم جبهة الدفاع الأوكرانية إلى شطرين، وتصبح هناك إمكانية للضغط شمالاً عبر سوليدار نحو الجنوب، وإكمال الحصار على باخموت التي تعد أيضاً رئيسية، وهي عقدة طرق رئيسية بين مدن مهمة.

ومن الناحية المعنوية، قد تكون سوليدار هي المدينة الأولى التي يتم السيطرة عليها بعد سلسلة تراجعات للقوات الروسية شهدتها بعض الجبهات، ما يعيد إحياء الحركة الهجومية للوحدات الروسية.

ووفق مدير مكتب الميادين في روسيا، سلام العبيدي، فإن تحرير سوليدار سيحقق استكمال تطويق مدينة باخموت الإستراتيجية المهمة التي تبعد الجبهة القتالية عن العمق في دونباس، وخصوصاً في دونيتسك، وتفتح المجال لتقدم القوات الروسية نحو محور دفاعي آخر، ربما هو آخر محور دفاعي إستراتيجي: سيفرسك، سلافيانسك، كراماتورسك.

وتابع العبيدي: “بذلك، ستنتهي عملية تحرير كل أراضي جمهورية دونتيسك للوصول إلى مقاطعة خاركوف التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية، وزاباروجيا التي تسيطر هذه القوات على جزء أكبر منها”.

ولفت العبيدي إلى أنّ صعوبة المعركة في سوليدار تكمن في كونها تحتوي شبكة أنفاق قد يصل طول الواحد منها إلى 200 كم تحت المدينة. وقد يكون ثمة مرتزقة ومعدات أوكرانية في هذه الأنفاق.

ماذا بعد سوليدار؟

الخبير العسكري شارل أبي نادر قال للميادين نت: “بعد تحرير سوليدار، سوف يمتلك الجيش الروسي ووحدات دونيتسك نقطة متقدمة في العمق الشرقي لأوكرانيا. وإذا كان هناك قرار بإكمال العمليات، فسيكون الوصول إلى هذه الجبهة مساهماً كبيراً في تقدم القوات”.

ولفت أبي نادر إلى أنّ السيطرة على سوليدار اليوم، وباخموت لاحقاً، سيفتح معركة باتجاه المناطق الشرقية من دونيتسك، وربما سيكون أكبر احتمال هو التقدم شمالاً من سوليدار وباخموت باتجاه المنطقة الشمالية الشرقية من دونباس.

بدوره، أكد مدير مكتب الميادين في روسيا أنّ الهدف الأساسي بعد سوليدار هو تحرير كل أراضي دونباس، إذ باتت لوغانسك محررة بنسبة 95%، ويفترض أن تتحرر أراضي دونيتسك نتيجة العمليات الجارية الآن.

وتابع: “عندما تنتهي هذه المرحلة، ستنتقل القوات الروسية إلى مرحلة استكمال باقي الأراضي في المناطق الجديدة، ويفترض أن يتم ذلك في الحملة العسكرية الربيعية”.

* المصدر: الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع